علم النفس الصحي
مرحبا بك
نتمني ات تجد بالمنتدي مايفيدك واذا رغبت في المشاركة فالتسجيل للمنتدي مفتوح

ولك الشكر


علم النفس الصحي
مرحبا بك
نتمني ات تجد بالمنتدي مايفيدك واذا رغبت في المشاركة فالتسجيل للمنتدي مفتوح

ولك الشكر

علم النفس الصحي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

علم النفس الصحيدخول

الصحة النفسية علم النفس الطب النفسي


descriptionنظرية جان بياجه jean piaget  Emptyنظرية جان بياجه jean piaget

more_horiz
هناك إجماع على أنَّ أعمال جان بياجيه كان لها من الأثر على علم نفس النمو أكثر مما كان لأي عالم, ومن المحتَمل أن أعماله أصبحت مألوفة إلى حدٍّ ما لكلٍّ من علماء النفس والمثقفين, وإنها لحقيقة عجيبة أن كثيرًا من المؤلفين والباحثين في علم نفس النمو ربما لا يذكرون اسم بياجيه على الإطلاق، أو على الأقل يأتي ذكرهم له من باب الفضول. وقد واجه بياجه هذا الإهمال من جهة؛ لأنه يكتب الفرنسية، ومن المحتمل أن تكون الترجمة سببًا في بخس تقدير كثير من الباحثين لأعماله, أو وصفها بعدم الوضوح. ولذلك فإن النظريات التي استخدمت اصطلاحات مثل "مرحلة" stage أو "موجز شكلي" schemas أو "تكوين" structure كانت إشارات إلى تركيبات عضوية لم تكن تقبل كعلم. إن ما حدث يصفه سبيري sperry "1975، 33" وصفًا قويًّا بقوله
عد أكثر من 50 عامًا من الرفض القاطع لاصطلاحات مثل: "صورة عقلية" و"الصور البصرية واللفظية والسمعية" طيلة السنوات الماضية، أصبحت هذه الاصطلاحات شائعة الاستخدام كتركيبات تفسيرية في المؤلَّفات المتعلِّقة بالمعرفة، والإدراك, وغيرهما من الوظائف الأعلى".
إن التفسير المراجع يقود العقل الواعي إلى التتابع السببي في مجال اتخاذ القرارات، وبالتالي في مجال السلوك عامَّة، وعلى ذلك يعود به إلى مجال العلم التجريبي الذي استبعد منه منذ زمن طويل. إن هذا التحوّل في علم النفس وعلم الأعصاب، بعيدًا عن المادية المتشددة والانخفاضات, والدفع بها إلى نمط جديد من المادة أكثر تقبلًا, يميل الآن نحو استعادة بعض الكرامة والحرية وغيرهما من السمات الإنسانية إلى الصور العلمية للطبيعة الإنسانية بعد أن حرمتها منها المعالجة السلوكية".
وهكذا فإنه نتيجة للتغيّر في الفلسفة السائدة ولنشر الوصف الدقيق لأبحاث بياجيه ونظرياته "flasell, 1963" أصبحت أعماله واسعة الانتشار. إنها تعتبر حاليًا وصفًا تصوريًّا يكاد يكون كاملًا لنمو القدرات المعرفية منذ الولادة وإلى النضج, ومن نتائج هذا الاعتراف الممتد أن تتابعت الأبحاث حول كثير من افتراضاته ونتائجه عن النمو، وهي أبحاث أدَّت إلى التوسُّع في النظرية وتعديلها.
الافتراضات الأساسية وبعض النقد:
إن افتراضات بياجيه قد لا تسمح باختبارها بالتجارب, ولكنها تصبح أكثر مناعة كلما وجدنا أن الجوانب الأخرى من النظرية التي يمكن اختبارها تتفق وهذه الافتراضات. لقد تعلَّم بياجيه أساسًا كعالم
النفس، وخاصَّة علم نفس الطفل, كما أنه اغترف من مناهل أساسيات المنطق والفيزياء، وكلاهما يبرزان في تفاصيل نموذجه النظري. إن بياجيه لا يعتبر نفسه عالم نفس أو بيولوجيا، ولكن عالم في فلسفة المعرفة والمنطق بالوراثة، وكباحثٍ في نشأة المعرفة الإنسانية.
وعندما شرع بياجيه في بناء نموذجيه الشاملين ابتدع طريقتين للمعالجة: أحدهما تصورية، والأخرى منهجية, الأمر الذي جعل بعض علماء النفس يرفضون عمله. ونظريته تقدّم فرجًا بين اهتمامه المبكر بالبيولوجيا واهتمامه اللاحق بعلم النفس, وتعتمد نظريته من الناحية البيولوجية على آليات سلوكية فطرية وأنماط فعل, وتنبعث أنماط الفعل هذه في تتابع لا يتغير، يحتوي كل مستوى فيها على المستويات السابقة له, ولكنه يعدلها نوعيًّا "وهذا التصور شبيه بوجهة نظر برونر بالنسبة للغة كنظام رمزي، ولتصور "وارنر" للتنظيم الهرمي. وترمي مبادئه إلى التأكيد على الافتراضات البيولوجية، ومن السهل، عند قراءة مؤلفه الأصلي أن نفهم كيف أسره التناسق في السلوكيات النامية التي لاحظها, ولكن بياجيه لا يعتبر أن البيئة تلعب دورًا تافهًا, وهو يختلف عن برونر في أنه يعتقد أن العمليات المعرفية التي تظهر لا تختلف بين مختلف الثقافات "انتقال ثقاقي"، ولكن يعترف في وضوحٍ بأن التركيب العضوي "الفرد" يجب أن تكون له بيئة تؤثِّر فيه ويؤثِّر فيها إذا أريد للنمو أن يحدث. وقد ذكر بعض النقاد أنَّ ما يبدو من المبالغة في التأكيد على البيولوجي واستبعاد المتغيرات النفسية التي يمكن تناولها تجعل النظرية غير علمية, أو على الأقل وصفية، وغير قادرة على الاختبار التجريبي.
انتقادات السلوكيين:
وجَّه السلوكيون انتقادات عديدة لنظرية بياجيه المعرفية, وكان أبرزها انتقاداتهم حول المراحل النمائية، وكذلك المنهجية التي استخدمها في استخلاص المبادئ الأساسية في النظرية, وذلك على النحو التالي:
- مراحل بياجيه:
لم يقتصر أمر نموذج بياجيه على مخالفة النظرية السلوكية "reese & overton, 1970, overton & reese 1973", بل إنه اشتمل أيضًا على مفاهيم واسعة المدى مثل: "المراحل", وذكر كيسن kessen "1962" أنَّ استخدام لفظ "مرحلة" كمرادف للسن، لا يعتبر إضافة مجدية لاصطلاحات علم النفس, وعلى ذلك فقد جادل السلوكيون في محاولةٍ للإقناع بأن علم النفس ليس في حاجة لمفهوم المرحلة؛ لأنه مفهوم خاوٍ من الوجهة النظرية، علاوةً على ذلك، فقد أظهر كيسن kessen أنَّ استخدام هذا المصطلح بطريقة وصفية هو الآخر خاوٍ. إن "مرحلة" يمكن استخدامها من باب التكرار غير المفيد, "إن الطفل في مرحلة المشي لأن الطفل يمشي", إن ذلك ليس سوى طريقة دائرية للقول بأن الطفل يمشي. وعلماء النفس قد استخدموا فكرة "المرحلة" إمَّا للإشارة إلى جانب وصفي من سلوك الطفل, أو كمرادف "للسن", والصعوبة هي في ذلك: مصطلح "مرحلة" في هذه النصوص يبدو أنه يعني شيئًا أكثر مما قصده بياجيه فعلًا، وكان للسلوكيين الحق في رفض هذا الاستخدام. إن المراحل لكي تكون مفيدة ومثمرة، يجب أن تؤخذ على اعتبار أنها "متغيرات باراماترية "قياسية" لمجموعة أساسية من البيانات النظرية "kessen, 1962, 69". وبعبارة أخرى: بالنسبة للجوانب الأساسية العريضة لنظرية بياجيه، فإن الاستخدام المجدي لهذا المفهوم هو لتبيان كيف تؤثر التغيرات في المراحل على البيانات النظرية الأساسية. إن بناء المرحلة يجب أن يساعد على التنبؤ بالطريقة التي يتغيِّر بها السلوك من مرحلة إلى أخرى, ويجب أن يضع قواعد الانتقال من مرحلة إلى أخرى, وإلى هذا الحد فإنَّ هذه القواعد الانتقالية غير محدَّدة بوضوح.
2- انتقادات المنهجية:
كانت منهجية بياجية موضع الانتقاد الشديد في موضوعين: العدد المحدود من المفحوصين، المستخدمة في أبحاثه، واستخدامه للطريقة الإكلينيكية, وفيما يختص بالنقد الأول، فقطعًا لا مجال للجدل في أنَّ القاعدة التجريبية التي اشتق منها بياجيه نموذجه للنموّ المبكر كان يتكوَّن من ثلاثة أطفال، والأدهى من ذلك، أن هؤلاء الأطفال كانوا أطفاله هو. إن لنا أن نتشكك في كفاية نموذج نظري يقوم
على ثلاثة أطفال يحتمل ألَّا يكونوا ممثلين للأطفال عامَّة, وقد يكون لهذا النقد وزنًا أكبر إذا تذكَّرنا أن بياجيه لم يتزعزع في اعتقاده بأنَّ المراحل المعرفية لا تتغير عبر الثقافات. لقد كان مفحوصوه يمثلون ثقافة واحدة، وعلاوة على ذلك فإنهم لم يكونوا مميزين لهذه الثقافة, ولو كان على بياجيه أن يرد على هذا النقد "من المحتمل أنه لم يكن ليستجيب"، فربما دافع عن رأيه بأنَّ أنماط الفعل تخرج بترتيب لا يتغير, ولذلك فلا حاجة للإفاضة في موضوع عدد "المفحوصين" "المفحوص= أفراد العينة".
ومن العجيب أن إحدى المعالجات السلوكية الحديثة الهامة، وهي موقف سكينر skinner الذي يتفق وموقف بياجيه, ويجري أنصار سكينر أبحاثهم على أعداد صغيرة من المفحوصين، يجرون عليهم قياسات معينة, وهم يبررون منهاهجهم في التجريب بنفس الطريقة التي برَّرَ بها بياجيه مناهجه، وهي أنَّ مبادئهم عن السلوك هي مبادئ عامة, وأنها تنطبق على كل التركيبات العضوية "الأفراد"، رغم أن القياسات التي تحدّد خواص المثير وموقف المثير قد يتطلّب الأمر تعديلها تبعًا لخواص التركيب العضوي "الفرد" الذي تجرى دراسته, أو تبعًا للسن "في حالة المفحوصين من البشر". وقد لاقت معالجة سكينر skinner نفس رد الفعل السلبي، غالبًا من نفس الأشخاص الذين انتقدوا بياجيه! ولكن منذ أن صدرت الصبغة المبدأية للنظرية، قام بياجيه وزملاؤه وأتباعه في كثير من البلاد بتحقيق الكثير من استنتاجاته مع أعداد لا تحصى من الأطفال.
والنقد الثاني لأعمال بياجيه: استخدامه للطريقة الإكلينيكية, والذي قد يكون أكثر خطورة، وهو قطعًا أصعب في الدفاع عنه. إن الطريقة الإكلينيكية تناسب اتجاهه التصوري والفلسفي الشامل، ولكنها استخدمت بطريقة فريدة, وقد يفيد هنا أن نقدِّم مثلًا توضيحيًّا, فكثير من علماء النفس المهتمين بالتعليم يرغبون في معرفة ما إذا كان الأطفال في سن 6 سنوات يعرفون أسماء الألوان الأساسية, وعندما يجدون أطفالًا يجهلون هذه الأسماء, فإنهم يحاولون التوصُّل إلى أفضل طريقة لتعليمهم إياها. إن اهتمامهم بهذه الظاهرة المعنية ينبع من العلاقة بين معرفة أسماء الألوان وبين الأداء في القراءة، وهي علاقة ليس من السهل تفهمها. أما بياجيه فلم
يهتم إطلاقًا بمعرفة ما إذا كان الأطفال يعرفون ألوانهم، ولكنه قد يتساءل: كيف يرتِّب الأطفال الألوان، تبعًا مثلًا لشدة اللون أو لمعانه. والمعطيات الأساسية للإجابة على هذا السؤال الأكثر تعقيدًا يجب أن تتأتي من الملاحظة الدقيقة للأطفال في مجموعة منوَّعة من واجبات متصلة, ومن تفسيرات الأطفال أنفسهم لسلوكهم. وبياجيه لا يهتم عادةً بما إذا كانت استجابة الطفل لمطلب معرفي ما صحيحة أو غير صحيحة, فإذا كانت الاستجابة صحيحة يستخدم بياجيه المقابلات وتشكيلات المواد المثيرة ليحدد أنواع الافتراضات العقلية التي كوَّنها الطفل, ثم يستخلص منها العمليات العقلية التي يستخدمها الطفل للتوصل إلى الاستجابة غير الصحيحة. فإذا قدَّم الطفل استجابة صحيحة، لا نستطيع دائمًا أن نفترض أنها ناتجة عن نفس القواعد أو العمليات التي يستخدمها الراشدون, وطبقًا لما يذكره فلافيل flovell 1963، ص28".
"إن للطريقة الإكلينيكية التي استخدمها بياجه سمات كثيرة مشتركة مع مقابلات التشخيص والعلاج، مع اختبارات استطلاعية أيضًا، ومع ذلك النوع من الاستطلاع اللاتقليدي الذي يستخدم عادة في الأبحاث التجريبية في كلِّ العلوم السلوكية. والخلاصة هي أنه لاستطلاع مجموعة متباينة من سلوكيات الأطفال في تتابع مثير، استجابة، مثير، استجابة، ففي خلال هذا التابع السريع يستخدم القائم بالتجربة كل ما لديه من بُعْدِ نظر ومقدرةٍ لفهم ما يقوله الطفل أو يعمله، ويطبِّق سلوكه على أساس هذا الفهم".
تفاصيل نظرية بياجيه:
لا شكَّ في أنَّ بياجيه قد أوضح أن الأطفال ليسوا مجرَّد راشدين مصغرين. إن اقتراحه بالمراحل المختلفة نوعيًّا تدلل على اعتقاده بأنَّ طرق تفكير الأطفال تختلف كثيرًا عن طرق الراشدين, ولكننا لا نستطيع تحديد هذه الاختلافات إلّا إذا توفَّرت لدينا الوسائل الفنية للكشف عنها. إننا كثيرًا ما نضطر لسؤال الأطفال أسئلة محددة, ولهذه المعالجة نتيجة غير مرضية في أنَّ التشكيلات والأسئلة الناتجة تكون على درجة عالية من التخصيص والمواقف المحددة, وبالتالي فإننا لا نستطيع الحكم بما إذا كانت استجابات الأطفال منفردة بالنسبة للمثير أو الموقف أو لكليهما. وقليل من علماء النفس يضارعون بياجيه في مهارته في تشكيل المواد وطرح
الأسئلة المناسبة على الأطفال. ومع إننا لا نستطيع تجاهل الانتقاد بأنَّ أعماله يصعب جدًّا تكرارها، فإن الكثير من الآراء العامَّة في نظريته قد دلَّل آخرون على صحتها في مواقف أحسن تخطيطًا وقياسًا وأحكامًا مما فعله هو.
وفيما يلي عرض الخطوط العريضة لتفاصيل نظرية بياجيه في النمو المعرفي:
أ- الطفل كباحث نشط:
سنبدأ مناقشتنا لنظرية بياجيه بالافتراض العضوي العام أن الطفل باحث نشط. وفي ملاحظات شبيهة بملاحظات برونر وفيرنر، لاحظ بياجيه أنَّ الأطفال يؤثرون على بيئتهم باستجابات انعكاسية في فترة الطفولة المبكرة، ثم باستجابات أكثر تعقيدًا تنبعث من تلك التفاعلات المبكرة. ويرى بياجيه أن التفاعل المتبادل بين التركيب العضوي والبيئة عملية ذات اتجاهين، أحدهما: هو المواءمة accomilation, والآخر: هو الاستيعاب "التمثل" assimilation. وفي حالة المواءمة نجد أن معرفة الطفل بالبيئة تتعدل لتستوعب أشياء أو خبرات جديدة, والمؤاءمة هي سمة التملُّك العرفي الذي يتكشَّف مع المتطلبات المعرفية العديدة التي تفرضها البيئة. وفي الاستيعاب يدمج الطفل شيئًا أو خبرة جديدة في تكوين قائم، أي: إن الطفل يتواءم مع معرفة سبق له اكتسابها. وعملية التواؤم أو مطابقة خبرات أو أشياء جديدة في تكوينات موجودة من قبل يندر أن تكون أمينة مع الصفات الفعلية للأشياء, وبعبارة أخرى: فإن عملية الاستيعاب تتضمَّن تعديلات للشيء؛ بحيث يصبح ملائمًا للتنظيم المعرفي القائم, ومن المستحيل الفصل بين التواؤم والاستيعاب. "عادل عبد الله 1990، 42". ويجب على القارئ ألَّا يفترض أنهما متعاقبان أو أنَّ إحداهما أكثر هيمنة من الأخرى, أو أكثر منها أهمية. إنهما في الحقيقة متبادلتان، والتفاعل المتبادل بينهما يولّد النمو المعرفي, والبيان التفسيري التالي الذي قدَّمه فلافيل flavell "1963 ص59-50" يكشف عن تعقيدات الموضوع وعن أهميته:
"إن التقدُّم المعرفي في نظام بياجيه، ممكن لعدة أسباب، أولهما: إن الأفعال التواؤمية دائمة الامتداد إلى سمات جديدة ومختلفة للبيئة القريبة؛ لدرجة أن سمةً ما تَمَّ التواؤم معها حديثًا, يمكن أن نجد لها مكانًا مناسبًا في التكوين القائم للمعاني،

descriptionنظرية جان بياجه jean piaget  Emptyرد: نظرية جان بياجه jean piaget

more_horiz
وتستوعَب في هذا التكوين, ومتى تَمَّ استيعابها فإنِّها تميل لتغيير التكوين بدرجةٍ ما، ومن خلال هذا التغيير تجعل من الممكن حدوث امتدادات تواؤمية أخرى. كما أنَّ التكوينات الاستيعابية -وكما ستدلل على ذلك مناقشة الموجزات الشكلية- ليست ثابتة أو غير متغيرة، حتَّى في حالة عدم وجود إثارة بيئية. إن نظم المعنى تجرى دائمًا إعادة تنظيمها داخليًّا وإدماجها في نظم أخرى, وهكذا فإنَّ كلا نوعي التغيير إعادة تنظيم الأصول الداخلية, وإعادة التنظيم التي تحدث إلى حدٍّ ما بطريقة مباشرة بوساطة محاولات تواؤمية جديد، يجعلان من الممكن تحقيق تغلغل عقلي مطَّرد في طبيعة الأشياء, ومرة ثانية فإن كلًّا من اللامتغيرين بعد الآخر بطريقة تبادلية, أي: إن التغيرات في التكوين الاستيعابي توجه تواؤمات جديدة، والمحاولات التواؤمية الجديدة تنشّط التنظيمات التكوينية".
وعندما يتحدث بياجيه عن المتعلِّم النشط، فهو يشير إلى عمليتي التواؤم والاستيعاب الخاصة بالتركيب العضوي "الفرد". ولذلك فإن بياجيه ليس في حاجة إلى استخدام مفاهيم مثل: البواعث incentives "المثيرات" أو المعززات reinforces لكي يولّد مصدر طاقة للتغير المعرفي "من المحتمل أن بياجيه لم يكن لينكر أن المثيرات المعززة أو الحاثة ذات أهمية في تشكيل أداء الأطفال، ولكن لا يرى أن مثل هذه المفاهيم لها تأثير حاسم على النمو المعرفي".
ب- اكتساب المعرفة:
إذا اعتبرنا أن الاستيعاب والمواءمة يصلحان كعمليات أساسية تبادلية يمكن من خلالها حدوث النمو المعرفي، فإن تساؤلًا يمكن أن يثار، وهو كيف يتصوَّر بياجيه اكتساب المعرفة؟ وكما أشرنا سابقًا في المثال الخاص بمعرفة الطفل لأسماء الألوان بالمثالية مع معرفته لترتيب الألوان في بعد معين، فإن بياجيه لا يهتم بأي
درجة بالمحتوى. إن ما يهمه، وما تتوصل إليه العمليات المتبادلة هو تنظيم المعرفة التي يسميها بالتكوين. وبتحديد أكثر: فإن بياجيه اهتمَّ بالكيفية التي تتغيِّر بها العمليات السلوكية استجابةً لمتطلبات المعرفة في تحديد الخواص النوعية لهذه التغيرات، وهو يدرس الخواص التكوينية للسلوك في ظروف مختلفة, ومع أطفال في مختلف مستويات النمو, وبذلك يستطيع أن يستخلص "خريطة" للخواص التكوينية للواجبات التي يؤديها أطفالٌ من مختلف الأعمار. إن هذه المهمة شاقة؛ إذ إنها تتطلَّب تحليلًا بالغ الدقة لمختلف الخواص في مجال المعرفة "أو المثيرات التي تدخلت", ثم يجب على الإنسان أن يفحص الكيفية التي تعدَّل بها هذه الخواص مع نضج الطفل, ومهما يكن من أمره يجب على القارئ أن يفهم أن التكوينات هي حصيلة تكوّن معرفة جديدة، وهي تمثّل في أي نقطة من الزمن الطريقة التي ينظِّم بها الطفل فهمه للعالم ويتمثله.
ج- فكرة الموجز الشكلي:
يذكر فلافيل flavell أن فكرة الموجز "المخطَّط العقلي" schemata, أو الصورة الاحتمالية تلعب دورًا هامًّا في نظرية بياجيه, ولا شكَّ في أن تعريف الموجز الشكلي بأنه نمط فعل يحدث في مناسبة خاصة، لهو مبالغة في تبسيط الأمور. هذا وفي مناقشتنا لأنماط الفعل "في الفصل الخاص بالنمو الحركي بالجزء الثاني من هذا الكتاب" اهتممنا بالتأكيد على أنها تتكوَّن من عدد كبير من السلوكيات المترابطة والتي يبدو أنها تحدث في تتابع ثابت، وإن كانت على الأقل تتشارك عن كثب الواحد بالآخر، وبينما نستطيع أن نتحدث عن عدد من أنماط الفعل، فإننا في نظام بياجيه نستطيع التحدّث عن عدد كبير من الموجزات الشكلية, وعلى ذلك فإنَّ الموجز الشكلي في الواقع يمثِّل نمطًا سلوكيًّا. ولكن إذا كان هذا هو كل ما يمثله، أي: إذا كان مجرَّد اصطلاح وصفيّ، فإنه لن تكون هناك ضرورة بنفس الطريقة التي لا ضرورة بها لمفهوم المرحلة. الواقع أن الموجز الشكلي يدل ليس فقط على تتابع سلوكي, ولكنه أيضًا يدل على تغيُّر مصاحب في التكوينات، أي: إن تنظيمًا جديدًا أو معدّلًا أصبح موجودًا الآن لدى الطفل. مثال ذلك: إن طفلًا قد يكون لديه موجز شكلي للإبصار, أو موجز شكلي للإمساك, أو موجز شكلي للوصول، ومع أنه في وقتٍ ما من فترة الطفولة الحديثة، تكون هذه الموجزات مستقلة, إلَّا أنها تنتهي بالتكامل، حتى يصبح مثلًا بالإمكان أن نتكلَّم عن موجز شكلي للإمساك بالشيء. وواضح أن هذا الاصطلاح وصفي, ولكنه أيضًا يعكس اكتساب الطفل لشكلٍ جديد من التنظيم المعرفي أو التكوين المعرفي، أي: تكامل ثلاثة موجزات في موجز شكلي واحد.
مراحل بياجيه:
استنادًا إلى الملاحظة المكثَّفة لأطفاله، وإلى بديهته، رأى بياجيه أنَّ الأطفال يتقدَّمون عبر مراحل أربع، بدايةً من استجابات انعكاسية بدائية, إلى تحقيق النضج الكامل مع الوصول إلى التفكير الاستنتاجي الأساسي. والمراحل الأربع هي: الذكاء, والحسّ الحركي، والعمليات قبل الحسية، والعمليات الحسية، والعمليات الشكلية. والشكل "5" يلخّص هذه المراحل وأقسامها, مع أوصاف سلوكية مختصرة, ومستويات السن التقريبية. والانتقال من مرحلة إلى أخرى يتم تدريجيًّا، ولا يؤثر بالضرورة على كل سمات وظيفية الطفل. وفي إطار كل مرحلة يحدث نمو رأسي "وهو ما أسماه بياجيه بالتغير الرأسي" ينقل الطفل قريبًا من مرحلة تالية، ونمو أفقي "تغيُّر أفقي" وفيه يضم الطفل قدرًا أوسع من السلوكيات إلى نفس المستوى التكويني ومستويات السن المرتبطة بكل مرحلة تقريبية، أي: إن بياجيه لا يؤكد أن كل الأطفال يصلون على مرحلة جديد في نفس الوقت.

- المرحلة الحسية الحركية "0-2 سنة":
تمتد فترة النمو الحسي الحركي sensorimotor من الولادة إلى حوالي السنة الثانية من العمر, وفي البداية يتكوَّن السلوك بدرجة تكاد تكون تامَّة من الحركات الانعكاسية التي تميز الطفل الوليد, وهذه ليست هي الانعكاسية التي ناقشناها في تناول النموّ الحركي في الجزء الثاني من هذا الكتاب، تلك
الانعكاسات التي تختفي في الوقت المناسب، ولكنها سلوكيات انعكاسية لحركات العينين والذراعين والمص وغيرها, وبعبارة أخرى: فإن اهتمام بياجيه ينصبُّ على الانعكاسات التي تكون الأساس لمراحل قادمة في النمو المعرفي, وعندما يصف بياجيه هذه المرحلة المبكرة من النمو تجده يشدِّد على الأفعال الحركية بالمقابلة مع أيِّ نوع من التمثيلات الوصفية أو الرمزية. وتنتهي هذه المرحلة عندما تحل محلها العمليات الرمزية, ومرحلة الذكاء الحسي الحركي تتكوّن من ست مراحل فرعية, وتتمثل مجالات حَظِي ببعض أعمال بياجيه الوصفية بتفصيل بالغ. وتنقسم المرحلة الحسية الحركية إلى ست مراحل فرعية على النحو التالي:
المرحلة الفرعية الأولى: المرحلة الانعكاسية reflexive stage:
وهي تتميز بدرجة كبيرة بالانعكاسات reflexes التي ذكرناها, والطفل يقبل على قدر كبير من التمرين مع هذه الانعكاسات التي يبدو أنها تمر بتغيرات طفيفة في التكوين, مثال ذلك: إن الطفل لا يبدأ بعملية المص عند وجود زجاجة أو حلمة، حتى بدون أن تلمس الزجاجة أو الحلمة شفتيه.
المرحلة الفرعية الثانية: التفاعلات الدائرية الأولية: primary circular reactions "2-4شهور":
وتحدث عندما يزاول الطفل بشدَّة الموجزات الشكلية التي تكوَّنت في المرحلة الانعكاسية, علاوة على الموجزات الشكلية الجديدة التي تبرز في هذه الفترة، بما في ذلك النظر إلى المثيرات، والاستمتاع، والقبض, ويستخدم بياجيه لفظ "دائري" للدلالة على تكرار هذه الموجزات الشكلية, وقد يكون أهم حدث في هذه المرحلة هو تناسق الموجزات الشكلية, فعند سماع صوت مثلًا يدير الطفل رأسه وعينه في اتجاه مصدر الصوت.
كما يظهر التنسيق بين موجز المص وموجز القبض, وكذلك موجزًا لرؤية رد القبض, وهكذا فإن الطفل ينمي القدرة على الإمساك بشيء، ومتى فعل ذلك يدنيه من فمه لمصه. ومع التنسيق بين موجزي الرؤية والقبض، يستطيع الطفل رؤية شيء، ويحدد مكانه في الفضاء، ويمسك به, ثم يتفحصه ببصره، ويجب أن نلاحظ أنه يبدو وكأنَّ موجزًا شكليًّا رؤية -قبض يمكن أن يحدث فقط عندما تكون العين واليد في منظور واحد.
فإذا اختفى الشيء من مجال نظر الطفل، فإن الدليل السلوكي يبدو كأنه يشير إلى أن الشيء لم يعد له وجود بالنسبة للطفل, وبعبارة أخرى: فالطفل في هذه المرحلة ليس لديه مفهوم دوام الشيء object permenancy.
المرحلة الفرعية الثالثة: ردود الفعل الدائرية الثانوية secondary circular reactions": "4-8 شهور", وتدل على أن الطفل أصبح مدركًا لعواقب أفعاله الحركية الخاصة، ولكن وبعكس المراحل السابقة، يقوم الطفل بتكرار هذه الأفعال. وكمثال لهذا السلوك: هز الشخشيخة، وهو فعل يكرره الطفل توقعًا للصوت الناتج عن الهز, وقد افترض بعض الباحثين أنَّ التكرار المستمرّ ينتج عن تعزيز إيجابي "نتيجة الفعل الحركي على الشي", وبذلك فهو يشبه استجابة شرطية، وقد يبدو وصفنا أنه يعني أن بياجيه يستخلص بعض المعرفة بالسبب والنتيجة، أي: إن الطفل يؤدي سلوكه قصديًّا, والواقع أن بياجية يقول: إن الطفل في هذه المرحلة لا يستطيع فعلًا فهم أن فعله يولّد النتيجة البيئية، وفي أثناء الجزء الأخير من هذه المرحلة تظهر
مبادئ مفهوم دوام الشيء

descriptionنظرية جان بياجه jean piaget  Emptyرد: نظرية جان بياجه jean piaget

more_horiz
لمرحلة الفرعية الرابعة:
توصف هذه المرحلة بأنَّها مرحلة تنسيق التفاعلات الدائرية الثانوية coordination of secondary reactions "8-12شهرا".
وأهم إنجاز في هذه المرحلة هو ظهور القصدية، أو سلوك الوسيلة - الغاية, علاوةً على ذلك فإن الطفل يطوّر من الموجزات الشكلية الموجودة, ويضيف أشياء جديدة إلى الموجزات القديمة. إن ما يميز هذه المرحلة عن المرحلة الفرعية الثالثة هي القدرة على أداء عدد من الأفعال الفرعية. "تعدد الوسائل" بقصد الحصول على هدف مرغوب فيه "غاية", وعلى ذلك، فبينما لم يتمكَّن بياجيه من أن يحدِّد بوضوح أن الوسائل قد تفاضلت عن الغايات في المرحلة الثالثة, فإن هذه التفرقة واضحة جدًّا في المرحلة الرابعة, ومن السمات الأخرى الهامة في المرحلة الفرعية الرابعة. إن اللعب يصبح له أهمية واضحة, ويصف فلافيل flavell "1977، ص32" مثلًا لذلك:
"يصبح اللعب أكثر مرحًا بشكلٍ واضح في هذه السن, فمثلًا بعد أن يكون قد ظلَّ لفترة يمارس بجدية, يصبح هناك تداخل بين الوسيلة والغاية الجديدة "مثال على الذكاء التكيفي adapted intellegent"، فقد يهمل الغاية ويتلهَّى مسرورًا بالوسيلة "لعب", كما حدث في إحدى الحالات أن أحد أطفال بياجيه بدأ يحاول مهمة دفع عائق جانبًا ليحصل على لعبة، وانتهى به الأمر بأن تجاهل اللعبة وأخذ يدفع بالعائق جانبًا المرة بعد الأخرى بقصد اللهو. إن اللعب كالتقليد، يبدأ في التفاضل عن الذكاء المتكيف ليصبح أداة متميزة للنمو المعرفي. ومهما كانت الوظائف
لأخرى التي يؤدِّيها اللعب في حياة الطفل "وهناك الكثير منها"، فإن أحدًا لم يشك في أنه وسيلة هامة للتعلّم والنمو العقلي".
المرحلة الفرعية الخامسة:
ردود الفعل الدائرية الثالثة tertiary circular reactions "12-18 شهرا":
وهي تنعكس في استكشاف الطفل لإمكانيات جديدة لتناول الأشياء، وبعبارة أخرى: ينشط في التجارب بالأشياء التي في البيئة, كما أن الطفل يبدي مستوى أكثر نضجًا لدوام الأشياء, وقبل هذه المرحلة يميل الأطفال للافتراض بأن الشيء المخبَّأ عن نظرهم يجب أن يكون
موجودًا دائمًا، ولكنهم لا يفهمون أنَّ بالإمكان إزالته. وفي المرحلة الخامسة يتغلّب الطفل على هذا المفهوم الخاطئ, ويأخذ في الحسبان أفعال الآخرين في تحديد ما إذا كان الشيء ما يزال موجودًا أم لا.
والفرق الأساسي بين التفاعلات الدائرية في المرحلتين 4، 5 هو أنه في المرحلتين السابقتين لا تستمر التفاعلات الدائرية إذا أدَّت إلى نفس النتيجة، وفي المرحلة 5، لا تستمر التفاعلات الدائرية إلّا إذا تباينت نتائجها، ويتوقَّف ذلك على كيفية أداء الفعل. وهكذا، فإن الوليد في هذه المرحلة يبدأ فعلًا في اختيار الأشياء بسلوك مختلف مع الشيء, ويتفحص كيف تؤثر التغييرات في الشيء.
المرحلة الفرعية السادسة:
ترسيخ الموجزات الشكلية the internalization of schemas "18-24 شهرًا" ويعني ذلك أن الأطفال يحققون بعض القدرة التمثيلية reprezentational ability, أي: إنهم يصبحون الآن قادرين على العمل مع واقعية رمزية, وكذلك مع عالم حسي حركي ملموس. كما أنَّ الطفل يبدأ في الكلام وفهم الكلمات, ويقبل على تصنيف بدائي للأشياء. وفي أثناء هذه المرحلة التالية، يستخدم الطفل الأشياء بطريقة رمزية أو تمثيلية، مثال ذلك: يستطيع الأطفال أخذ مكعب واستخدامه كسيارة بكل تحركاتها وأصواتها المميزة لها, وبعد عشر ثوان قد يأخذون نفس المكعب ويمثلون به طائرة, وهذه القدرة
على أخذ أشياء لتمثيل أشياء أخرى تعتبر كسبًا معرفيًّا بالغ الأهمية, وهو يكتسب دورًا رئيسيًّا في لعب الأطفال, وله آثار هامة على العمليات الاستيعابية.
ومن المظاهر الأخرى للمرحلة السادسة التي تستحق التعليق عليها، دور التقليد initation, إننا لم نشر إلى الآن إلى التقليد, ذلك لأنَّ وظيفته المحدَّدة لم تكن واضحة, غير أن التقليد هام, وذلك بسبب دوره في المواءمة. إن السلوك التقليدي كان يحدث منذ المرحلة الثالثة تقريبًا، ولكن في تلك المرحلة كان من المتعذَّر التفرقة بين سماته الاستيعابية وسماته التواؤمية. وهكذا ففي المرحلة الثالثة كانت أنماط الأفعال المقلَّدة متيسرة فعلًا للطفل، ولكنه لم يكن يستطيع حتى المرحلة الرابعة تقليد أنماط سلوكية جديدة، علاوةً على ذلك, فقبل المرحلة الرابعة لا يمكن تمييز الأنماط التقليدية منفصلةً عن جسم الطفل, وهو لا يتمكَّن من إظهار تقليد مؤجل إلّا في المرحلة السادسة، أي: تقليد نماذج ليست موجودة ماديًّا بالقرب منه. علاوة على ذلك, يستطيع الطفل تقليد الأشياء غير البشرية، كيف تبدو الشجرة مثلًا! وعلى ذلك فإن الطاقة القصوى للتقليد واللعب تظهر في المرحلة السادسة والأخيرة من الذكاء الحسي الحركي, وتستمر تعمل كمصدر هام للاستيعاب والتواؤم والتطوير الممتد للوظيفية المعرفية.
ثانيًا: مرحلة ما قبل العمليات preoperational preiod "2-7 سنوات"
يعتبر بياجيه "1951" أن التحوّل إلى إجراءات أكثر تمثيلية تحولًا حاسمًا في النمو المعرفي, وقد عبَّر عن هذا التغيُّر باسم مرحلة ما قبل العمليات, غير أن المرحلة الفرعية السادسة للذكاء الحسي الحركي والمراحل الأولى من مرحلة ما قبل العمليات, تمثّل في الواقع تدرجًا وليس تحديدًا حادًّا.
وتنقسم مرحلة ما قبل العمليات إلى مرحلة التصوّر العقلي concerptual phase "2-4 سنوات" والمرحلة الحدسية intuitive phase "4-7 سنوات", وأهمَّ ما يحدث في مرحلة التصوّر العقلي هو تطوير الإجراءات الرمزية واستخدام المهارات التمثيلية. ويتمثَّل جزء كبير من هذا التغير في ابتداء اللغة. وفي رأي بياجيه أنَّ كلام الطفل يبدأ مع بداية مرحلة ما قبل العمليات، وقد يكون ذلك نتيجة النضج العصبي الجسماني، وبعكس واطسون j.b. watson الذي قال: إن
الإجراءات "العمليات", وإن تكن مجرد حركات عضيلات صغيرة في الحنجرة، فإن بياجيه يعتقد أن اللغة نظام رمزي ينقل المفاهيم, ولكنه لا يتضمَّن المفهوم نفسه, وكما لاحظنا في تعليقاتنا على المرحلة الفرعية السادسة، فإن الطفل يبدي زيادة في اللعب الخيالي علاوةً على اللعب الحركي بأشياء حقيقية. وفي أثناء المرحلة ما قبل العمليات الإجرائية تتّسع هذه الموجزات الشكلية "المخططات العقلية"؛ بحيث يصبح للمثيرات معنى فطري لدى الأطفال، وهي حقيقة كثيرًا ما تسبب صعوبات في التواصل بين الأطفال والراشدين. إن أنماط السلوك المعرفي، أي: التكوينات والموجزات الشكلية أو المخططات العقلية للأطفال في مرحلة التصور العقلي من هذه الفترة، يعكس فرقًا نوعيًّا كبيرًا عن التكوينات والموجزات الشكلية المتيسرة لدى الطفل في المرحلة الحسية الحركية.
ولسوء الحظ, فإنه لا توجد أبحاث منهجية مكثَّفة عن مختلف سمات سلوك الطفل الحابي، ونشك في أن السبب في ذلك يرجع بالأكثر إلى أنَّ الصغار في هذه السن يصعب الحصول عليهم مفحوصين للبحث. وأيضًا لأنه من الصعب العمل معهم "ومن أسباب ذلك ما يتَّسم به تفكير الطفل من الفطرية والأنانية". وتدل الأبحاث التي أجريت على أنَّ الطفل التصوري يختلف عن الأطفال الأكبر منه سنًّا من عدة نواحي ذات دلالة. مثال ذلك: إن الأطفال المفكرين في سن 2، 4 سنوات يتميزون بعدم وجود تصورات حقيقية, وذلك فلو أنها قد تحل بعض المشاكل، إلَّا أنها لا تستطيع أن توجد تفسيرات دقيقة, ولا تستطيع التنسيق مع أكثر من بعد واحد، أي: إنها تتركَّز على سمة واحدة "تسمَّى المركزية centration" بدلًا من السمات العديدة التي للأشياء والمسائل, والمركزية هي أحد الأسباب التي تجعل الأطفال كثيرًا ما يعجزون عن فهم مشاكل تتعلّق بثبات الخواص conserration, كما أنَّ الأطفال في طور التصور العقلي لا يستطيعون تعميم مثل واحد لمفهوم ما على الأشياء والأحداث الأخرى. والواقع أن تفكير الطفل في هذا المستوى النمائي يقع في خير ما بين التفكير الاستدلالي والتفكير الاستقرائي deductive and inductive, والطفل لا ينتقل من الاستدلال العام deduction إلى الاستدلال الخاص, أو من الاستقراء induction الخاص إلى الاستقراء العام، ولكن ينتقل من
حالة معينة إلى حالة أخرى معينة, ويسمي بياجيه هذا الإجراء بالتفكير التحولي transductive reasoning.
ومن أهم الخصائص المميزة لهذه المرحلة ما يلي:
1- الانعكاسية Reversibility: إن الطفل في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية لا يستطيع أن يلمس مفهوم الانعكاسية, ويعتبر بياجيه الانعكاسية عملية عقلية يدرك فيها الشخص أنَّ الأشياء يمكن أن تتحوَّل من شكل إلى آخر, وتعود إلى شكل سابق، أو بلغة المعادلات: 6 + 3=9، و9 - 3= 6. إن المسائل العديدة لثبات الخواص كما وضعها بياجيه وزملاؤه تبسط المفهوم المعرفي. والشكل "77" يوضح مسألة ثبات خواص السوائل conservation of liquids, ويُسأل الأطفال: "أيّ الكأسين به ماء أكثر من الآخر، هل هو الطويل أم الأقصر؟ " أو "هل بهما نفس كمية الماء؟ ", وفي أثناء المرحلة، قبل العمليات الإجرائية، يختار الأطفال عادة الكأس الطويل أو الكأس القصير؛ لأنه أوسع, "والواقع أنهم يختارون الكأس الطويل؛ لأنهم يقرنون بين الطويل والكمية". وإذا قدم الطفل
ثبات خواص السوائل
أ- يصب ماء من أحد الكأسين في مخبار طويل "أو طبق مسطح", ويطلب من الطفل أن يذكر ما إذا كان كل من الإناءين يحتوي على نفس القدر من الماء.
ب- كأسان من الزجاج بهما ماء بارتفاع واحد, ويلاحظ الطفل أنهما متساويان.

descriptionنظرية جان بياجه jean piaget  Emptyرد: نظرية جان بياجه jean piaget

more_horiz
استجابة غير صحيحة, أو قدَّم تفسيرًا غير صحيح لاختياره أحد الكأسين، فإن القائم بالتجربة يأخذ عندئذ الماء من الكأس الطويل ويصبه في الكأس الصغير, ويمكن بعد ذلك السماح للطفل بصب الماء من الكأس القصير في الكأس الطويل, ويلاحظ أن الكأس الطويل أصبح الآن مملوءًا إلى حافَّته. وعادة يعلق الطفل على ذلك بأنَّ الكأس الطويل مملوء, أو أن الكأس القصير مملوء, وبعد إجراء هذه العملية يطلب من الطفل ثانيةً أن يوضِّح أي الكأسين به ماء أكثر, وأن نفسِّر أسباب اختياره, ورغم أنهم في الحقيقة قد أجروا العمليات الحركية، فإن أطفال مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية يصرّون على ذكر أن الكأس الأطول "الأقصر" به ماء أكثر, وعند تفسير سلوكهم هذا يركِّزون على طول أو اتساع الكأس على أنه السبب في أن أحد الكأسين به ماء أكثر من الآخر. وواضح أن الطفل لكي يقدم الاستجابة الصحيحة، يجب أن يعرف أنه لم يضف أو يسحب ماء في أثناء عمليات صب الماء من كأس إلى آخر. وثانية: يجب أن يدرك الطفل أن زيادة اتساع أحد الكأسين يعوّض زيادة الطول في الكأس الآخر. وهنا نجد لدينا سمتين هامتين من سمات العمليات العقلية لمفهوم الانعكاسية, وتوضحه حقيقة أن صب الماء من كأس إلى آخر يعادل صب الماء في الاتجاه المضاد. وثانية: فإن الطفل يجب أن يلاحظ بُعْدَيْن في وقت واحد، الارتفاع والاتساع، ويجب أن نفهم أنهما يتغيران معًا في علاقة ثابتة. وإذا فشل الطفل في حل هذه المسألة فإنه ينحصر في سمة تصورية واحدة للمادة المثيرة, سواءً طول الكأس أو اتساعه. إن ظاهرة الانتباه لبُعْدٍ واحد فقط أو لخاصة واحدة، سبق أن أشرنا إليه وهو يسمَّى بالتمركز.
وثمة اختيار آخر عن ثبات الخواص, يوضع في كفتي ميزان كرتين من الصلصال "بنفس" الارتفاع, وذلك لمعرفة ما إذا كان الطفل يفهم معنى كلمة "نفس", وبالعمل أمام الطفل، يقوم القائم بالتجربة بإعادة تشكيل إحدى الكرتين إلى شكل آخر، كما في الشكل "77", فإذا أخبر القائم بالتجربة الطفل إن الكرة الأطول قد تحولت إلى صاروخ، فإن طفل المرحلة ما قبل العمليات يقول الآن: إن الكرة الأطول تزن أكثر؛ لأن الصوايخ تزن أكثر, وإذا لم يعلق القائم بالتجربة على ما يمثله الشكل المستطيل لكتلة الصلصال، فإن الطفل سيقول: إن الشكلين الصلصالين
ليسا سواء؛ لأن الصلصال الذي يغير شكله أصبح الآن أطول وبالتالي أكبر، أو أنَّ الكرة المستديرة أطول ولذلك فهي أكبر، وبعد أن يعاد تشكيل كتلة الصلصال المستطيلة إلى شكلها الكروي الأول، يقول الطفل: إنَّ كلًّا من الكرتين تحتوي على نفس كمية الصلصال.
أ- يقدم القائم بالتجربة كرتين متساويتين من الصلصال, ويقر الطفل بأن الكرتين بهما نفس الكمية.
ب- تبرم إحدى الكرتين ويسأل الطفل ما إذا كانا لا يزالان يحتويان على نفس الكمية.
2- التركيز centration:
في كلا المثالين عن ثبات الخواص، أخذ الأطفال بخاصية إدراكية للمثيرات، وهي ظاهرة أسميناها بالتركيز, وقد توضح التركيز في دراسة تصورية قام بريان وبورسما bryan & boersma "1971" الذي سجَّل حركات العينين وتثبيتهما للأطفال القائمين بمهمة ثبات خواص السوائل. وكان أفراد التجربة من أطفال صغار وأطفال أكبر. كان الأطفال الصغار أكثر احتمالًا بالانحصار في سمة إدراكية أو أخرى للاختبار، ولذلك لم يتمكَّنوا من حل المسألة حلًّا صحيحًا, وكان الاحتمال أكثر في أنَّ أطفال المجموعة الأكبر سنًّا يستطيعون حل اختبار ثبات الخواص. وقد وجد القائمون بالتجربة أن الأطفال الذين ذكروا أن الكأس الأطول يحتوي على كمية أكبر من المال يميلون إلى تنظيم تثبيتات بصرهم المتتابعة على المحور الرأسي "بُعْد الطول"، في حين أن الأطفال الذين فهموا انعكاسية الاختبار ثبَّتوا أعينهم على كلا البعدين.
وبإعداد اختبارات لتقييم قدرة الأطفال على إدماج الأجزاء المميزة في الكل، قام الكيند elking "1969" بإجراء فحص مكثَّف للتركيز وعدم التركيز كأمثلة على التكامل الإدراكي والمعرفي.
والشكل "79" يوضح الأدوات المستخدمة في اختيار تكامل الصورة "pit" picture intergration test. لاحظ أنَّ الطفل يستطيع أن يسمي الأجزاء المنفصلة أو يدمجها في صورة كاملة، أو كلا الأداءين. ومن السمات الهامَّة للسلوك التكاملي "الإدماجي" عمل تصنيفات متعددة وتنسيق الأجزاء إلى كل. وتدل معطيات الكنيد Elkind على أن أطفال مرحلة ما قبل العمليات أقل احتمالًا لعرض سلوكيات تكاملية من الأطفال الأكبر سنًّا, والأطفال الأصغر أكثر احتمالًا لتسمية الأشياء الفردية بدلًا من رؤية النموذج التصوري كوحدة كاملة.
- التمركز حول الذات Egocentricity:
من سلوكيات مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية التي لاقت اهتمامًا كبيرًا سلوك الطبيعة الأنانية, أو التمركز حول الذات لتصورات الأطفال للعالم. وبالتحديد فإن الأطفال في مرحلة النمو هذه لا يستطيعون النظر من وجهة نظر الآخرين, وهذا المظهر من الإجراءات العقلية للطفل يشبه تحويل الطفل لمكعب إلى دبابة أو طائرة، ثم لا يفهم لماذا لا يفهم أحد سلوكه وتلفظاته.
ويمكن تقديم أمثلة أخرى على التمركز حول الذات في تفكر الأطفال, ويصف بياجيه "1955" طرح الأطفال للأسئلة في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية بأنه يعكس التمركز حول الذات بصورة أساسية. وعلى ذلك, فعندما يسأل الأطفال في هذه السن: "لماذا تمطر السماء؟ " فإن الأكثر احتمالًا أنهم يسألون: "لماذا هي تمطر, بينما أنا أريد أن أخرج لألعب؟ " أكثر من السؤال عن السبب المادي للمطر. والأسئلة المميزة التي يطرحها الأطفال في هذه السن تبدأ بحرف الاستفهام "لماذا؟ " وهي غالبًا طلبات إيضاح لأحداث طبيعية مثل: الرياح والمطر "myers & shane" 1973"، ومعظم مثل هذه الأسئلة عندما يطرحها الأطفال تبرز استجابات غير منطقية تفرض مثلًا أن الرياح والمطر أشياء حية. إن إسناد الحياة لأشياء غير حية، ويسمَّى بالإحيائية animism، هو من الأسئلة والأجوبة للطفل في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية. "من أين تأتي الرياح؟ "، "هل السحب حية؟ " "أين تذهب الرياح عندما يهدأ الجد؟ " أمثلة لنوع التفكير الذي تتضمَّنه هذه المرحلة, ويقدّم بياجيه أربعة مراحل للإحيائية:
1- الأطفال بين الرابعة والسادسة يفكرون "يظنون" أن كل شيء حي.
2- الأطفال بين السادسة والسابعة يعتبرون أن الأشياء التي تتحرك حية.
3- الأطفال بين الثامنة والعاشرة يعتبرون أن كل شيء يتحرّك من تلقاء نفسه حي.
4- الأطفال في الحادية عشرة وما بعدها يسندون الحياة للحيوانات والنباتات فقط.
والسلوك الإدراكي للطفل في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية يبدو عادةً بمظهر الحذق الناضج, غير أن الأطفال عندما يسألون بحذر أو تعرض عليهم سائل تولد صراعًا بين الاستجابات التصورية والإدراكية, فإن مستوى استجاباتهم غير الناضج يصبح واضحًا, ومثل هذا الصراع هو المسئول عن المزيد من النمو المعرفي.
وحديثًا، أثارت بورك Borke "1973" مسألة ما إذا كان الأطفال في هذه المرحلة من العمر لا يستطيعون فعلًا فهم مشاعر الآخرين, وتدل معطياتها على أنَّ الأطفال في سن الرابعة يستطيعون تمييز الاستجابات السعيدة في الأطفال الآخرين, وفيما بين الرابعة والسابعة يصبحون أكثر كفاءة في تمييز الخوف والحزن والغضب, وهناك بعض الاختلاف في الرأي حول النتائج التي توصّل إليها بورك bork, فنجد أن شالندر وجرينسبان chandler & greenspan مثلًا "1972" يريان أن المعطيات بدلًا من أن تدل على قدرة تأكيدية، تدل على أنَّ الإجراءات النفسية التي تضمنتها أكثر شبهًا بالتعيين identification؛ حيث يعزو الفرد مشاعره بشكل دقيق إلى استجابة شخص آخر. وإذا كان شاندلر وجرينسبان مصيبان فإن تفسيرهما يكون أكثر انطباقًا على التمركُز حول الذات التي وجدها بياجيه, ويظل هذا الموضوع مفتقرًا إلى الوضوح, ويتطلَّب إمعانًا أكثر تحديدًا.
لقد طرقنا ثلاث مظاهر فقط من الإجراءات العقلية في الفترة المبكرة من مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية.
- الانتقال transiton:
الجزء الثاني من المرحلة قبل الإجرائية يسمَّى المرحلة الحدسية intuitive phase, وفيها يبدأ سلوك الطفل في إظهار علامات على الذكاء التكيفي adaptive intelligence لا بقولة فلافيل flavell س"1963 صـ162-163".
"أولًا: يصبح الطفل أكثر قابلية للاختبار في التجارب الشكلية من سن 4 أو 5 سنوات وما بعدها, وهو أكثر قدرة على مواجهة اختبار محدَّد, وعلى تطبيق الذكاء التكيفي بدلًا من مجرَّد تشبيه هذا الاختبار بموجز شكلي أناني, أو مخطط عقلي متمركزًا حول الذات، وليس من قبيل الصدق أن الحد الأدنى للسن في معظم تجارب بياجيه هو 4 سنوات، ولا يقتصر الأمر على قابلية الطفل للاختبار في حد ذاته في أواخر مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية، ولكنه يصبح أيضًا قادرًا على التفكير في مسائل تجريبية تزداد تعقيدًا واتساعًا في استعراضات الموقف الاختباري".

descriptionنظرية جان بياجه jean piaget  Emptyرد: نظرية جان بياجه jean piaget

more_horiz
إن الطفل الحدسي يمر بمرحلة انتقالية تتجه نحو إجراءات ملموسة. وكما هو الحال بالنسبة لكل المراحل الانتقالية، فإن الأطفال يظهرون أحيانًا سلوكيات غير ناضجة في بعض المجالات، ومع أن الأطفال في المرحلة الحدسية يظهرون نموًّا كبيرًا في نوعية إجراءاتهم العقلية، فإن هذه الإجراءات ما تزال محدودة. إن الأطفال يظلون غير قادرين على مواجهة أكثر من بعد واحد, ولذلك فهم يعجزون عن مواجهة واجبات التصنيف المتعددة, علاوة على ذلك فإنَّهم لا يملكون بعد إدراكًا للانعكاسية.
ثالثًا: مرحلة العمليات المحسوسة "7-11" concrete operations:
في أثناء مرحلة العمليات المحسوسة، يحقق الطفل فهمًا لثبات خواص الكتلة، والوزن والحجم، ويسيطر على مجموعة بالغة المرونة من الاستجابات لمواجهة المتطلبات البيئية. إن الإجراءات العقلية للطفل تشتمل الآن على الانعكاسية، والقدرة على مواجهة أكثر من بعد واحد "الارتفاع والاتساع مثلًا"، ومفهوم النوعية. كما أنه يحقق أيضًا القدرة على ترتيب المثيرات تبعًا للطول, وبالتالي يستطيع أداء واجبات التسلسل derration. علاوة على ذلك، فإن قدرة الطفل على استيعاب المزيد من الرموز التجريدية مما يدل على تقدّم ملحوظ.
وقرب نهاية مرحلة العمليات المحسوسة، يصبح الطفل قادرًا على تناول مسائل الانتقالية Transitivity. وتتميز مرحلة العمليات المحسوسة بأنها الفترة التي يبدأ فيها الأطفال بإظهار فهم ناضج للعالم, ويبدءون في إدراك أنَّ باستطاعتهم حل كثير من المسائل باستخدام التفكير المنطقي وعن طريق القياسات, ويقل اعتماد الطفل على الصفات التصورية، ويزداد اعتماده على المفاهيم الرمزية.
ومن أهم خصائص هذه المرحلة العمليات التالية:
1- التصنيف المتعدد multiple classification: هو أحد السلوكيات الجديدة الهامَّة التي يحتاج الطفل إليها في مراحل العمليات المحسوسة.. ومن الواجبات المثالية التي قد تتضمَّن مثيرات تتغير في الحجم "كبير، متوسط, وصغير"، واللون "أحمر، أزرق، وأخضر، أو أسود، ورمادي، وأبيض"، والشكل "منشور، وكرة, ومكعب": ويطلب من الأطفال تجميع الأشياء تبعًا لتوافقها بعضها مع بعض. يمكن أن يجمعوا المثيرات تبعًا لأي من أبعاد المثير أو خواصه: اللون, الشكل، أو الحجم، وبعد فرز المثيرات أول مرة يعاد ترتيبها, ويطلب من الأطفال فرزها بطريقة أخرى، والأطفال في الجزء الأخير من مرحلة ما قبل العمليات يقومون عادة بفرز المثيرات تبعًا للشكل، والقليل منهم من يفرزها تبعًا للون، والأقل بعد ذلك من يفرزها تبعًا للحجم. ومن المفيد أن نلاحظ أن الشكل يميل لأن يكون أكثر الأبعاد بروزًا بالنسبة للأطفال, ولكن إذا ما سألنا الأطفال أن يصنِّفوا المثيرات تبعًا لأكثر من بُعْدٍ واحد، فهم عادة يعجزون عن ذلك. إن الأطفال في مرحلة العمليات المحسوسة لا يجدون صعوبة تذكر في إجراء التصنيفات على أساس بعد واحد، ومعظمهم يقومون تلقائيًّا بإجراء التصنيف على بعدين، مثال ذلك: كل المثيرات الخضراء الكبيرة، والمثيرات الحمراء المتوسطة الحجم، والمثيرات الزرقاء الصغيرة، كما أن الأطفال يمكنهم بقليل من الصعوبة إجراء التصنيف باستخدام الأبعاد الثلاثة في وقت واحد.
2- البعدية distancing: يوضح الشكل "81" نوعًا آخر من مسائل التصنيف. فاختبار وضع المثيرات الذي أعدَّه إرفنج وسيجل irving & sigel "1968" كان اهتمامه بالطريقة التي يتَّسق بها الأطفال المثيرات, وكذلك باختيار مفهومهم للافتراض البعدي، وبموجبه يمكن تمثيل الواقع عن بعد من المسند إليه. والبعدية مظهر للقدرة على الاستجابة الصحيحة للتمثيل الخارجي, والاستجابة من واقع الموجزات الشكلية "المخططات العقلية". لاحظ أنَّ كل الأشياء في هذه المجموعة كلها مألوفة, والواقع أن الدراسة التي قام بها سيجل sigel, وتلك التي أجراها ماير meyer "1972" أظهرتا أن الأطفال استطاعوا تسمية كل الأشياء. ويتكوَّن الاختبار من أخذ أحد الأشياء من المجموعة، وعرضه على الطفل، ثم يُطْلَب منه العثور على أشياء أخرى من المجموعة من نفس النوع. وبعد أن يجري الطفل اختباراته يطلب منه أن يفسِّر وجه التشابه بين الأشياء المختارة, وتسجيل السلوك يتضمَّن تصنيفات عدة: الخواص الإدراكية "الشكل، اللون، أو التكوين"؛ الخواص الوظيفية "الكتابة بالقلم على الدفتر؛ الخواص التجمعية "أنت تشعل اللفافة بالثقاب، وفي أثناء التدخين تشرب قدحًا من القهوة"؛
طاقات التصنيف "وهي كل اللعب" ومرتبة قرينية "حدوث الأشياء في نفس المكان". وهناك مرتبة لا يوجد تسجيل للدرجات فيها اشتملت على تفسيرات لا تناسب أي من المراتب الأخرى.
وتوضح نتائج الدراسات عدة فروق بين مرحلة ما قبل العمليات ومرحلة العمليات المحسوسة, فقد كان أطفال تجربة ماير meyer من الطبقة المتوسطة في سن ما قبل المدرسة, وقد تَمَّ اختبارهم في مناسبتين: عندما كان سنهم 4 سنوات وشهرين, ثم 4 سنوات وتسعة شهور. وكان الأطفال على مستوى قدرة ذكاء عالية. وتدل نتائج التصنيف في المرتبة التي لا تسجيل للدرجات فيها على أنَّ حوالي 51 % من استجابات الأطفال على الاختبار الأول, ولكن 20% فقط من استجاباتهم على الاختبار الثاني, كانت غير صالحة لتسجيل نقط أو درجات, وبعبارة أخرى: فإن الأطفال قد تغيروا كثيرًا في فترة الشهور التسعة فقط, والسبب في ارتفاع نسبة عدم تسجيل الدرجات على الاختبار الأول هو أنَّ استجابات الأطفال لم تكن ذات معنى، أي: إنهم غالبًا كانوا غير قادرين على الانتباه إلى خواص المثيرات. وهذا من خصائص الأطفال في المرحلة قبل الإجرائية. أمَّا العدد المنخفض للاستجابات التي تحرز درجات قبل سن الخامسة, فإنها تعكس حقيقة أن هؤلاء الأطفال كانوا متسارعين عقليًّا؛ وقدرتهم على مواجهة الاختبار في سن 4 سنوات و11 شهرًا لا تعني بأيِّ حالٍ أيَّ تحدٍّ للمفاهيم النظرية. والواقع أننا عندما نحلل الأساس الذي بنى عليه هؤلاء الأطفال تصنيفاتهم، نجد أنه يتفق ورأي بياجيه اتفاقًا سليمًا. مثال ذلك: إن معظم الاستجابات التي أحرزت نقطًا "درجات" في الاختبار الأول, كان تقريبا في المرتبة الحسية, ومعظم عمليات تحديد التصنيفات تَمَّت على أساس الشكل أو اللون, وليس على خاصة أخرى أكثر تجريدًا للمثيرات. مثال ذلك: إن المرتبة التالية الأكثر صعوبة ستكون هي الأساس الأدائي للتصنيف, وقد انطبق ذلك على 4% فقط من الاستجابات في الاختبار الأول, ولم تستخدم هذه النسبة من الأطفال أيًّا من المراتب الأخرى.
وفي دراسة متابعة لنحو 80% من هذه العينة بعد سنتين، استطاع الأطفال أداء هذا الواجب بسهولة كبيرة، وفي سن الثامنة كانوا يقدّمون بطاقات التصنيف، تصنيف يجري عند انتقائهم للمثيرات. وهذه النتائج تتفق تمامًا مع واجب آخر
صمَّمه سيجل sigel, ويدل على أنَّ الأساس في التصنيف يبدأ من خاصة إدراكية واحدة، إلى خواص إدراكية متعددة، إلى تصويرية متزايدة في التجريد.
وثَمَّة مظهر آخر هام لهذه الدراسة, وهو الطريقة التي اقترحها سيجل sigel لتقييم الكفاءة التمثيلية representational competence. عرضت مجموعة المثيرات الواردة بالشكل "81" على الأطفال باستخدام الأشياء الفعلية أو صور ملونة لها بالحجم الطبيعي, وفي الدراسة التي أجراها ماير meyer عرض على نصف الأطفال الأشياء الفعلية أولًا, ثم التمثيلات الصورية لها ثانية، في حين عرضت نفس المثيرات على النصف الآخر بترتيب عكسي، وطبقًا للافتراض البعدي لسيجل sigel، كان المفروض أن يجد الأطفال الأصغر صعوبة أكبر في ترتيب مراتب الصور "التمثيلات" من الأشياء نفسها, وهذا في الواقع هو ما حدث فعلًا, فكان مؤيدًا ليس فقط لافتراض البعدية, ولكن للتنبؤ بأن الأطفال يستطيعون مواجهة سمات تمثيلية للمثير تتزايد تجريدًا.
3- تضمين النوع Class inclusion: نوع ثالث من وسائل التصنيف يسمَّى اختبار تضمين النوع، وفي هذا الاختبار يعرض القائم بالتجربة صورًا لثلاثة رجال وامرأتين, ويطلب من الأطفال أن يذكروا عدد الرجال، ثم عدد الأشخاص، وأخيرًا ما إذا كان هناك رجلًا أكثر من الناس، ويمكن تشكيل أي عدد من التشكيلات من هذا الاختبار، ولكن الفكرة الأساسية هي تقديم اختبار يتضمَّن مرتبة متميزة ومرتبتين أو أكثر ثانويتين، ثم نحدِّد هل يستطيع الأطفال التمييز بين النوعين. إن طفل مرحلة ما قبل العمليات يحتمل أن يقول: إنه يوجد 3 رجال و5 أشخاص، ولكن هناك من الرجال أكثر مما يوجد من الناس "على كل حال فكلنا نملك الانعكاسية". والطفل في مرحلة العمليات الملموسة "المحسوسة" يمكن أن يفهم إسهامات الخواص: رجال ونساء، التي تكوّن المرتبة المتميزة من الناس, على ذلك فالأطفال في فترة العمليات المحسوسة يمكنهم حلّ المسائل التي تتضمَّن الجنس, وهي مسائل لها أهمية غير عادية في تحديد تكوين العالم.
- التسلسل والانتقالية Serration & Transitivity: في واجب التسلسل يعرض على الطفل عصيّ في ترتيب عشوائي, ويطلب منه أن يصنع منها درجات، فطفل مرحلة ما قبل العمليات يحتمل أن يركز على علاقة واحدة فقط داخل الترتيب العام للأحجام, ويتجاهل النواحي الأخرى للاختبار، وبذلك يكون ترتيبًا عشوائيًّا إلى حدٍّ ما. والطفل لا يستطيع أن يفهم مدلول تدرج العصي في سلسلة متصلة إلّا عندما يصل إلى مرحلة العمليات الملموسة المحسوسة. وبالمصادفة فإن هذا الاختبار يتضمَّن مسألة أخرى يستطيع طفل العمليات المحسوسة أن يحلّها, وهو اختبار على شيء من الصعوبة يعرف باسم الانتقالية؛ فالمسألة اللفظية في الانتقالية هي: "إذا كان زيد أطول من عمرو، وعمرو أطول من طارق، فإيهم أطول: زيد أم طارق؟ والفرق بين هذه المسألة ومسألة التسلسل هو أنَّ الأولى أيضًا تتطلَّب تحولًا عقليًّا للمعنى "أكبر من" و"أصغر من" كأساس لترتيب المثيرات.
رابعًا: مرحلة الإجراءات أو العمليات الشكلية 11 + formal poerations:
في مرحلة الإجراءات الشكلية يستطيع الطفل أن يستخدم بسهولة تفكيرًا وتصورًا عقليًّا تجريديين, ويطور القدرة على الاختبار المنهجي للافتراضات، وافتراض بياجيه يبدو طبيعيًّا بسبب استخدامه للحساب والمنطق كأساسٍ يقوم عليه النمو المعرفي، مع اعتبار أنَّ التفكير الاستدلالي هو المستوى النهائي للتفكير المنطقي, ويتميز تفكير المراهق في هذه المرحلة بالعديد من الصفات, أهمها:
1- الحرية والمرونة في التفكير:
إذ يستطيع المراهق أن يفكِّر في الأمور المختلفة مستخدمًا الرموز المجرَّدة, ويتحرر في تفكيره من معوقات الزمان والمكان، فيحلق بتفكيره في الفضاء, ويمكنه أن يجوب أنحاء العالم، ويجد متعة في المفاهيم التي لم يمر بخبرة واقعية تتعلق بها, مثل مفهوم اللانهائي inanity، فهو حر في التنقل بين أفكاره بمرونة.
2- التحكُّم أو الضبط Control:
يتطلَّب التفكير الشكلي تحكُّمًا دقيقًا لما يقوم به الفرد من نشاط عقلي, فعند تعامل المراهق مع مشكلة ما فإنه يضع كل المقدمات التطبيقية في اعتباره، وينظّم المعلومات ويربطها بكل جوانب هذا الموقف قبل أن يصل إلى نتيجة.
3- تفسير الظواهر وتعليلها:
فمعنى أن المراهق يقوم بربط الظاهرة وأجزائها بالظواهر الأخرى، ثم يبيِّن العلاقة بين هذه الظاهرة والظاهرات الأخرى، وقد يستخدم عدة مفاهيم في ذلك، كما أنه يستطيع أن يستنبط القانون العام الذي يفسِّر الظاهرة.
4- التفكير في الاحتمالات ووضعها في الاعتبار:
فالمراهق يهتم بما هو محتمل, أي: بما يمكن أن يكون بالإضافة إلى ما هو كائن، ويستخدم نسقًا يمكنه من اكتشاف طريقة كل التركيبات والعلاقات المحتملة، ثم يتأكَّد من أنه قد وجد هذه التركيبات والعلاقات جميعًا. "عادل عبد الله
وقد أثير سؤال عمَّا إذا كانت الناس كلهم يحققون إجراءات شكلية، بل وهل هذه الإجراءات ضرورية فعلًا لكل الناس؟ وهناك أيضًا بعض التساؤل عمَّا إذا كانت الإجراءات الشكلية تمثل ذروة النمو التي لا يمكن للكائنات البشرية أن تتجاوزها.
وقد اقترح بياجيه "1972" أن هذه المرحلة قد تكون قاصرة على الأشخاص الذين تتطلَّب أنشطتهم العقلية تفكيرًا منطقيًّا، مثل الرياضيين والفيزيائيين, وقد فحص بياجيه pieget "1973" هذا الاقتراح على ضوء التفاعل المتبادل بين الفرد وبيئته "المجتمع بالمعنى العريض"، واستخلص أن بلوغ الإجراءات الشكلية ليس بالضرورة هو نقطة النهاية, غير أنه يقترح أن الفرد إذا واجه متطلبات تحتاج تفكيرًا استدلاليًّا منطقيًّا، فإنه يستطيع تنمية القدرة على مواجهتها.

descriptionنظرية جان بياجه jean piaget  Emptyتقييم نظرية بياجيه

more_horiz
دون أن نجري تقييمًا منهجيًّا كاملًا لإجمالي نظرية بياجيه, سوف نعلّق على بعض المسائل العامة التي أثيرت حول النظرية, والتي دأبت على إعطاء دفعة هامَّة للبحث والتحسينات, وسوف نتناول هذه المسائل بشكل عام، وإن كانت المراجع الرئيسية سوف تهيئ للقارئ المصادر الأساسية للحصول على إيضاحات أكثر للموضوعات.
وبصفة عامة, فإن الانتقادات تنحصر في أمرين:
1- الموضوعات المتعلقة بالتصوّر العقلي التي في داخل النموذج, والتي تحدث عادة على النماذج النظرية التي تصور بشكل عام.
2- موضوعات التصوّر العقلي المستقاة من تعارض أو صراع أساسي, مع التوجيه التركيبي أو العضوي للنظرية.
1- الموضوعات الداخلية في النظرية:
قدَّم بياجيه عددًا من التأكيدات حول نظريته، والتي كان من نصيبها إمَّا أن تفضَّل في الحصول على تأييد تجريبي ملائم, أو أنها كانت غير ملائمة منطقيًّا على النحو التالي:
أ- من هذه التأكيدات ما يختص بالتتابع غير المتغير في اكتساب العمليات العقلية، والتساؤلات لا تتركز على ما إذا كان التتابع متغيِّر من عدمه, بالنسبة للمراحل في الحاسة الحركية، ما قبل العمليات، العمليات المحسوسة، والإجراءات الشكلية، فلا أحد يشك جديًّا في هذا التتابع. والمسألة تتعلّق بالتتابعات التي افترض حدوثها في إطار ضيق ومحدود, والتي يصعب اختبارها تجريبيًّا, ومن أهم الموضوعات في هذا الصدد هي صعوبة التقييم الدقيق لمستوى نمو الطفل, فمن المحتمل مثلًا أن يخطئ في تقييم مستوى ما من النمو المعرفي، مثل: الإجراء العقلي "أ"، ولكننا قد نجري تقييمًا دقيقًا للإجراء العقلي "ب". فإذا قلنا: إن "ب" تتوقّف على "أ"، وإذا كان الطفل لديه "ب", ولكنه يفتقر إلى "أ"، فإن التتابع التصوري في هذه الحالة يبدو غير دقيق, في حين أن الواقع قد يكون نتيجة خطأ في القياس، وتذكر أبحاث فلافيل flavell "1977" العديد من الأمثلة لمثل هذه الأخطاء في التقييم.
وقد نشر فلافيل flavell "1972، 1977" تحليلًا مفصّلًا لمفهوم المراحل, وحدَّد مفاهيم التكوين والتغيّر النوعي والفجائية والإجماع، على أنها سمات مطلوبة إذا كنَّا سنتقبَّل نظرية بياجيه عن المراحل. مثال ذلك: استنتج فلافيل flavell أن نظرية المراحل قد تكون أكثر إقناعًا إذا كان الانتقال من مرحلة معرفية إلى أخرى انتقالًا فجائيًّا, واستنادًا إلى أبحاث سابقة، أظهر بشكل مقنع أنَّ الانتقال من مرحلة
إلى أخرى هو في الواقع انتقال تدريجي، مثال ذلك: إن الطفل عندما يحقق ثبات خواص الوزن، فإن هذا الإنجاز ليس مطلقًا. إن أوَّل بوادر التوصّل إلى ثبات خواص الوزن لا تعني أن الطفل لا يمر بنمو آخر في هذه المجموعة من الإجراءات العقلية. إن عددًا من أنماط النموّ المتزامنة تدل على أن المفاجأة ليس في الواقع من سمات المراحل، كما أنه من الصعوبة بمكانٍ تبيان أن النمو المعرفي يتضمَّن شبكة من الاقتدارات المتشابكة, وإذا كنَّا عاجزين عن إجراء مثل هذا البيان، فلا بُدَّ وأن مفهوم المرحلة إنما هو مفهوم أجوف. ويلخص فلافيل flavell "1977ن 249" استنتاجاته على النحو التالي:
"إن حدسي الخاص هو أنَّ مفهوم المرحلية لن يبرز في الواقع بشكل هام مستقبلًا في الأعمال العملية عن النمو المعرفي, وليس معنى ذلك عدم الاقنتاع بوجود اعتماديات نمائية غير موجَّهة أو ثنائية التوجيه؛ حيث يساعد نمو ما نموًّا آخر, وربما العكس. كما أنه لا يعني عدم وجود وحدة أو ثبات في العمل المعرفي عبر المواقف، ولكنه يعني أنه قد تكون هناك وحدة وثبات واستقلالية نموّ أقل مما تطالب به نظريات مثل نظرية بياجيه".
وهناك علماء نفس آخرون في مجال النمو، منهم: وهلويل wohlwill "1973"، وكولبرج kohlberg "1969", من المؤكَّد أنهم لا يوافقون على هذا البيان، كما أنه لا يجب على القارئ أن يفهم من البيان الذي اقتبسناه عن فلافيل
l أننا نوافق عليه تمامًا. إن ما يبدو لنا هو أن هذا التحليل تحليلًا ثاقبًا, ولا شك في أنه سيطعي دفعة لمزيد من البحث في طبيعة وفائدة مفهوم المرحلية كما وصفه بياجيه.
ب- والسمة الداخلية الثانية لنظرية بياجيه التي تتعرَّض الآن للتساؤل الجدِّي تتعلّق بتأكيداته حول دور اللغة في المعرفة, ولعل القارئ يتذكَّر أن بياجيه وبرونر يختلفان في هذا الصدد؛ حيث يعتبر برونر أن اللغة نظام رمزي ثابت داخليًّا، في حين يعتبرها بياجيه وسيلة اجتماعية لانتقال العمليات العقلية الملائمة لمرحلة معينة، وقد واجه رأي بياجيه تحديًّا على أساس أنه إذا كان الطفل لا يفهم التعليمات اللفظية، فإنه لن يستطيع حل المسألة. مثال ذلك في مسألة "ثبات خواص الحجم"، يطلب من الطفل أن يحدِّد ما إذا كان أحد الآنية يحتوي على نفس الكمية أو أكثر أو أقل من إناء آخر. وهذه الأسئلة تفترض أنَّ الطفل يفهم معاني الاصطلاحات المجرَّدة "نفس، أكثر، أقل", ولكن الطفل قد لا يفهمها, ولذلك يحق للإنسان أن يسأل: هل اللغة تعوق الأداء؟ ولكنها لا تعوق المقدرة؟
وقد لاقت أعمال بياجيه تأييدًا قويًّا من هانز فورث hans furth "1970", فقد عمل فورث furth وزملاؤه مع أطفال صمّ، في محاولة لتحديد ما إذا كانت إصابة السمع لديهم تغيِّر مسار النمو العقلي, أو تعدّل بأي شكل كان تتابع النمو المعرفي. وتؤيّد الدلائل الناتجة من أنَّ نقص السمع، الذي يؤثِّر على اللغة، لا يؤثر بشكل بالغ على معدَّل النمو العقلي, وهو قطعًا لا يؤثر على النمو المعرفي، إلّا عندما يتدخَّل ذلك في الاتصال بالطفل.
ومن آثار رأي بياجيه أيضًا أن توفير التكوين الرمزي "إعطاء الطفل الكلمات الضرورية" لا يكفي لتسارع النمو المعرفي أو التأثير عليه. وحديثًا قام بيلين beilin "1976" بمراجعة شاملة لمنطق الجوانب اللغوية في الإجراءات المعرفية, ويضفي تحليله الدقيق للأبحاث المتاحة شيئًا من التأييد لرأي بياجيه، وبالتحديد فيما يتعلّق يكون إمداد الأطفال بمعنى الكلمات لا يؤثِّر كثيرًا على أداء
تلك الواجبات المعرفية التي لها ارتباط بالنظرية. ومهما يكن من أمر, فإن عددًا من التجارب يدل على أن التعليم الشفوي يؤثّر فعلًا على الأداء, وبالتالي قد يؤثر على نمو العمليات العقلية. وبالنسبة للدليل على تأثير التعليم الشفوي، فإن بياجيه في الواقع قد عدَّل موقفه حول دور اللغة, وسنقدم ملخَّصًا مقتبسًا عن بيلين beilin "1976: 100" يدل بمزيد من البساطة والمباشرة على طبيعة التفسيرات التي اقترحها بياجيه وزملاؤه:
"يدل البيان على ما يأتي:
1- إن العمليات المعرفية وما قبلها لا توجه اللغة أو اكتساب اللغة كعلاقة ذات اتجاه واحد "كما سبق لعلماء النفس بمعهد جنيف أن أكدوا".
2- إن ما يوجّه اكتساب اللغة هو آلية منظَّمة لها مقابل في الآليات المنظمة في مجالات أخرى "غير لغوية" للسلوك. وهذه الآليات المستقلة جزئيًّا وفي نفس الوقت تناسقية، هي مظاهر نظام أكثر تجريدًا.
3- إن الإجراءات اللغوية الحسابية وما قبلها تظهر هذه التكوينات الأكثر تجريدًا عندما تكون هناك حاجة لها, وهذه التكوينات التجريدية تبدو واضحة في التصنيف والتسلسل, وغيرهما من السلوكيات التي تضمّ الإجراءات المنطقية الحسابية للإدماج وعلاقات الترتيب ... إلخ.
4- إن التكوينات المعرفية لا تنبثق الآن من التكوين اللغوي، كما أنَّ التكوينات اللغوية لا تنبثق ظاهريًّا من الأنظمة المعرفية. إن كليهما ينبثق من نظام أكثر تجريدًا من تعليمات وتنظيمات تسري على كل المجالات".
إن هذه المجموعة الهامَّة من التعديلات تدل على مستوى أعلى من الإجراءات العقلية تنسِّقُ الإجرءات العقلية السابقة واللغة. وذلك فإن النظام اللغوي والنظام المعرفي ينشآن في تكوينات منطقة تجريدية ويكمِّل أحدهما الآخر, فإذا كان هذا التعديل النظري صحيحًا فعلًا، فإنه يسمح بتناول الإجرءات العقلية بالوسائل اللفظية.
الموضوعات المنبثقة من النظرية:
إن علماء السلوك ينتقدون تأكيدات بياجية حول الدور غير النشط نسبيًّا للتغيرات الثقافية، وتجاهله الظاهر للمبادئ السلوكية الأساسية للتعلم.
وفيما يختص بعدم تغيُّر التتابع والإجراءات العقلية وعلاقته بالتغيرات الثقافية, فقد سبق أن بَيَّنَّ برونر وزملاؤه bruner et al "1966", وجودناو goodnow "1969" يقدمون الدليل الأكبر على تأثيرات التغيرات الثقافية على
العمليات العقلية، ويدل تلخيص التراث النظري أساسًا على مساهمات جرينفيلد " bruner, et al, 1966grienfild؛ حيث أشار إلى بعض التأثيرات الثقافية على خواص الأداء, وربما على الإجراءات العقلية للأطفال. ويبدو أن التعليم المدرسي له تأثير أهم وأكثر مما إذا كانت ثقافة معينة هي أكثر بداءة من المجتمع الغربي. وحتى هنا، إن المعطيات تدل -طبقًَا لتحليل جودناو goodnow- على أن كثيرًا من اختبارات بياجيه لم تتأثر فعلًا بعوامل المدرسة أو اللا مدرسية، أو بصفة أكثر عمومية، بالعوامل الثقافية, ويذكر جودناو goodnow عددًا من الأمثلة لمهام "واجبات" يبدو فيها أن الأطفال غير الغربيين أكثر تأثيرًا، وأن هذه التأثيرات يبدو أنها من طابع القيمة التمثيلية أو الرمزية للرسوم والكلمات. إن الفروق الثقافية، من جهة أخرى، يبدو أن لها تأثيرًا ضئيلًا على واجبات ثبات الخواص.
إن وجهة النظر القائلة بأنَّ العمليات العقلية المطلوبة لتناول الواجبات الهامَّة التي يستخدمها البياجيون "أتباع بياجيه" لتباين نموذجهم, وتجري على أساس أنَّ المتطلبات السلوكية للواجبات "المهام" يجب أن تحدد بوضوح. وبعد تحديد الواجبات اللازمة يقوم المدرِّب بتعليم الطفل المهارات الضرورية التي حددتها تحليلات الاختبارات. وواضح أن هذه المعالجة لا تقدّم أيَّ افتراض حول كيفية ترتيب القدرات العقلية أو الآليات التكاملية، ولكنَّها تقتصر على بيان أنه إذا كانت حصيلة الطفل من الاستجابات تشتمل على السلوكيات المحددة المطلوبة، فعندئذ يمكن حل الاختبار, والأبحاث الناجمة عن هذه المعالجة، والتي لخصها تفصيلًا بيلين beilin "1976" قد ولدت قدرًا كبيرًا من الجدل حول المنهجية. ومن ذلك أن الأطفال يحسون دون انتباه بالاستجابة المطلوبة منهم، ولذلك فإن أداءهم يدل على أن تعديلات كبيرة حدثت في إجراءاتهم العقلية. بعبارة أخرى: فإن الوسائل الفنية المتَّبعة قد عدّلت الأداء أكثر مما فعل الاقتدار "القدرة المعرفية". ويدلل البياجيون على أن مثل هذه الدراسات لا تبلغ مدى بعيد في إثبات أن الإجراءات العقلية قد تعرَّضت لتعديل كبير, وبالتحديد فإنَّهم يشكون من أن الوسائل التدريبية سوف تؤثر هي الأخرى على عدد من السلوكيات المختلفة المترابطة إدراكيًّا إذا كان الاقتدار قد تعدّل فعلًا. وفي تلك الحالات التي أجريت فيها الواجبات المناسبة، فإن النتائج لم
تكن مُرْضِيَةً بصفة عامة. والواقع أنَّ باستطاعتنا القول بأنَّ تحليل الاختبار قد أدَّى إلى مجموعة من النجاح والفشل على قدرٍ كافٍ من الاختلاط, مما يدل على أنَّ هذه المعالجة لم تحدث تهديدًا خطيرًا لموقف بياجيه. وقد قامت جيلمان gelman "1969" بتدريب أطفل على مواجهة بعدين إثاريين, ونجحت في التوصُّل إلى تعديل ملحوظ في سلوكهم, غير أن عملها كان موضع نقد على أساس أن أطفال تجربتها كان من الممكن أن يكونوا بسبيلهم في مرحلة انتقالية, ولذلك كانوا أسهل تقبلًا لإجراءات التدريب, ودراسات كالتي قامت بها جيلمان glman كانت أيضًا محل انتقاد على أساس أنَّ الاختبار المسبق لتحديد مستوى وظيفية الأطفال قد يكفي في حدِّ ذاته لتعديل الوظيفية المعرفية. ولذلك يجب أن يستخلص أن تأثيرات برامج التدريب من نوع تحليل الاختبار من المحتمل أنَّها لم تؤد إلى نتائج حاسمة، بسبب تعرُّضها لعدة عيوب منهجية معقدة, غير أنه يبدو من الممكن أن نستخلص أن دراسات ظروف القاعدة اللفظية تؤثر فعلًا على الاقتدار.
وعند فحص السمات الأساسية لنموذج بياجيه في النمو المعرفي، كان غرضنا أن نوفر للقارئ الجوانب الموضوعية الهامَّة في النظرية، وكذلك، وهو ما لا يقل أهمية وإحساسًا بطريقة المعالجة العامة, غير أنَّ هذه النظرية كمعظم النظريات الأخرى لا تخلو من مشاكلها, لقد رأينا كيف أنَّ الدارسين من أنصار
بياجيه, وغيرهم يطرحون الآن تساؤلات عن بعض الافتراضات الداخلية في النظرية التي قد تؤدي إلى تعديلات هامة, ولا شكَّ في أنَّ هذه التحديات سوف تستمرُّ وستطرأ على النموذج تعديلات أخرى. وبالرغم من كل هذه المشاكل التي لا يمكن تجنبها، فإن النظرية تبدو من المكانة بحيث تستطيع مواجهة هذه التحديات, ومن المحتمل أنها ستستمر في فرض تأثيرها القوي على تفكير العلماء والمعلمين والعاملين مع الطفل لفترة طويلة قادمة.
تكوين المفاهيم:
لننظر إلى مراحل بياجيه للنموّ من وجهة نظر كيف أنَّ سلوك الطفل الأخذ في النضج ليصبح أكثر كفاءة بشكل مطَّرد, وفي أثناء المرحلة الحسيِّة الحركية تتطلَّب معرفة الطفل للأشياء فعلًا حركيًّا مباشرًا يلاحظ في الأفعال والنتائج. إن الطفل يطلب حدًّا أقصى من الاحتكاك المباشر, ويعتمد بشكل يكاد يكون كليًّا على الإشارات الحسية, وفي أثناء الجزء الأول من هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى وجود الشيء قبل أن يتمكَّن من أداء سلوك مع هذا الشيء, وعندما يأتي الوقت الذي يستطيع فيه الطفل التعامل مع مسائل التحول والإجراءات الشكلية، يصبح في موقف يمكنه من مواجهة أعلى مستويات التجريد التي يستطيع توصليها شفاهة. ومعنى ذلك: إن كمية المعلومات التي يستطيع الفرد استيعابها في فترة زمنية محدَّدة قد ازدادت كثيرًا، وبنفس الطريقة يستطيع الشخص الناضج أن يفهم بسهولة أكبر مكونات البيئة. إنَّ القدرات الكاملة للمخِّ البشري الناضج قد نسخت بالحاسبات السريعة.
إن مادة هذا القسم مستقاة من العديد من التقاليد المختلفة في علم النفس، بما في ذلك السلوكية وما يعرف الآن باسم تنسيق المعلومات "تجهيز المعلومات" information processing. إننا لا نحاول إدماج المواقف النظرية إلّا إذا كانت واضحة التطابق، ولكن هدفنا هو إمداد القارئ بنظرة أكثر شمولًا عن قدرات الأطفال في مختلف مستويات العمر، وبوصفٍ أشمل للإجراءات المعرفية والحسية المتعلقة بها. وبعض المناقشات هنا مستقاة مباشرة من موادٍّ أشرنا إليها في الفصل

descriptionنظرية جان بياجه jean piaget  Emptyرد: نظرية جان بياجه jean piaget

more_horiz
الخاص بنمو الإدراك الحسي "في الجزء الثاني من هذا الكتاب". والواقع أن العمل في النظرية السلوكية تحتاج من القارئ إلى أن يتذكَّر مبادئ الارتباط الشرطي الإجرائي والتقليدي, وفي هذا القسم سوف نتوسَّع في نموذج الارتباط الشرطي الإجرائي في محاولةٍ منَّا لإيضاح كيف حاولت النظرية السلوكية مواجهة تجهيز وتنسيق المعلومات, كما سنتفحَّص كيف تعدل التغيرات في قدرات الطفل من معاني المسائل، وذلك على النحو التالي:
1- اختبار الافتراضات:
في الفصل الخاصِّ بنمو الإدراك الحسي سوف نناقش عددًا من الدراسات التي تقيم القدرات الحسية للأطفال حديثي الولادة, وكثير من تلك الدراسات استخدمت ارتباطًا شرطيًّا إمَّا تقليديًّا أو إجرائيًّا، وكلا الطريقتين تستندان على المفاهيم السلوكية لتعلم مثير/ استجابة "S/R". وعند مراجعة الدراسات حول الارتباط الشرطي للطفل حديث الولادة تلاحظ أنَّ العملية بالغة الصعوبة؛ والواقع أن بعض الباحثين لا يعتقدون أنَّه من الممكن فعلًا تكييف هذا الطفل, ومن العقبات المحتملة لمثل هذا الارتباط الشرطي هو نقص نمو في التكوينات العصبية الأساسية والمايلين "انظر النمو الجمسي في الجزء الثاني من هذا الكتاب"، كما يلاحظ أنه من العسير وضع سلوك الطفل حديث الولادة تحت سيطرة المثيرة, ذلك لأنَّ أنماط سلوكه شديدة الحساسية لمثل هذه الحالات الجسمية كالجوع والتعب والإثارة العامة, ومع أنَّ الاستعداد للارتباط الشرطي يزداد مع النضج العصبي، إلّا أنه لا يواصل التحسُّن مع السن رغم التحسن البالغ في النمو العصبي للأفراد الأكبر سنًّا, والواقع أن الاستعداد للارتباط الشرطي يتحسَّن إلى نحو السادسة فقط. وقد لاحظ رازران razran "1933" أنه بعد هذه السن تزداد مقاومة الأطفال للارتباط الشرطي, ومع أنَّه توجد تفسيرات متبادلة لهذه الظاهرة، فإن هوايت white "1965" يقترح تفسيرًا نمائيًّا مقبولًا -هو في رأينا- يتناسب مع ملاحظات برونر وبياجيه bruner & piaget وأبحاث علماء النفس السلوكيين، ولكنه أكثر اشتمالًا. وبالتحديد فهو يرى أنه بعد سن السادسة يجري الأطفال تنسيق المعلومات عن طريق استخدام الافتراضات, وهذه الافتراضات تعترض الارتباط الشرطي الذي هو أولًا ارتباط تلقائي لاستجابة مع مثير من مستوى منخفض, وقد توجد آثار معترضة مثل: "ما
لذي يريده القائم بالتجربة فعلًا؟ " أو بيان قدمه طفل لامع الذكاء في السادسة من عمره إلى أحد المؤلفين كان يجري مهام اختبار تعلم المفاضلة discrimination learning task, وعجز هذا الطفل عن حله، قال الطفل: "لم أكن لأصدق أبدًا أنه الأيسر دائمًا؛ لأن ذلك كان يبدو بالغ البساطة لدرجة ظننت معها أنك كنت تحاول خداعي", وهكذا فإنَّ ما يبدو أنه يحصل هو أنَّ الأطفال عندما يبدأون في معالجة إجراءات ملموسة, ويصبحون قادرين على تكوين افتراضات, فإن هذه الافتراضات تكون مادة بعيدة كل البعد عن متطلبات الاختبار.
ومن أبرز سمات رأي هوايت white أن تنسيق المعلومات يمر بانتقالية بين الخامسة والتاسعة, وفترة الانتقال تتضمَّن تغيرًا من مستوى ارتباطي إلى مستوى معرفي, والتعليم الارتباطي associative learning يتميِّز بمعدَّل سريع للاستجابة, ويمكن تشبيهه بسلوك إنسان آلي. ويقترح هوايت white، ويؤيده في ذلك بعض أبحاث علماء النفس الروس، أنه في هذا المستوى من الوظيفية المعرفية فإنَّ الآليَّات المثبَّطة "المانعة" inhibitory mechanisms اللازمة للتحليل الدقيق لموقف المثير تكون أقل نضجًا مما يسمح بوظيفة معرفية مجردة, ومع تقدُّم الطفل في المعلومات أكثر قصدية وتجريدًا. وفي ظروف معينة يستجيب الراشدون تلقائيًّا وبسرعة، ولكن عندما تعرض عليهم مسائل تجريدية، يميل الأشخاص الناضجون للاستغراق في تفكير بطيء وتأملي, وهذه القدرة لا تظهر بسهولة في سلوك الأطفال دون الخامسة, وقد لخص هوايت whit "1965: 215-216" موقفه على النحو التالي:
"والخلاصة: أرى أنَّ المعطيات عن الأحداث الزمنية في التعلُّم, والمادة عن مختلف التحولات فيما بين الخامسة والسابعة، قد تحدد شيئًا عن تكوين الإجراءات العقلية للراشدين. إن الراشدين قد يكون متاحًا لهم مستوى ارتباطي وُضِعَ أساسه في وقت مبكِّر من النمو، وهو على درجة نسبية من سرعة الفعل، على أثر المبادئ الارتباطية المتعارف عليها، وفي حالة الراشد الطبيعي توجد عادةً على شكل محدد محتمل للسلوك، ولكنه مثبّط. إن "الأساس المعرفي" الذي وضع بعد الأسلوب الارتباطي للاستجابة يعتبر أبطأ نسبيًّا في الفعل وفي تنسيق المعلومات بطرق لا تزال في بداية فهمها".
ويصف هوايت white حوالي 18 نوعًا من الدراسات أجريت معظمها في إطار السلوكية، ويعتقد أنها تؤيد موقفه. وقد اخترنا دراستين من هذه الدراسات كمثالٍ على نوع التحولات التي يصفها هوايت, وبالمصادفة فإنَّ التحول الذي قدَّمه هوايت من التعلُّم الارتباطي إلى المعرفية الارتباطية يقترب كثيرًا من التحوّل الكبير من التفكير الإجرائي قبل الحسي إلى التفكير الإجرائي الحسّي كما يراه بياجيه. ويبدو لنا أنَّ الدليل على أنَّ هوايت قد رتَّب لتأييدٍ افتراضًا, وأن أنواع الحوادث الانتقالية التي يصفها بياجيه ليست من قبيل المصادفة. إن كليهما يقترح أن الفترة التي تبدأ حوالي الخامسة من العمر, وتستمر خلال العامين إلى أربعة أعوام التالية, تمثل في الواقع سلسلة من التغيرات العظمى في الكفاءة المعرفية المعرفي, وتنظيم الكائنات البشرية.
2- تعلُّم تغيير الوضع Transpostition learning:
ذكرت التجارب التي أجرتها مرجريت كون هارلو mergaret kuenne harlow "1946"، ألبرت وإهرنفروند alberts & ehrunfrund "1951" أنهم استخدموا مسألة تغيير الوضع. والشكل "87" يبين الترتيب المادي للمهمة, فقد كانت المثيرات التدريبية تتكوَّن من اسطوانة كبيرة وأخرى صغيرة، وتضمَّنت العملية التدريبية المبدئية تعلمًا مباشرًا للتمييز، وكان المفحوص يكافأ على
ستجابته للمثير الصحيح, وفي التجربة التي قامت بها مرجيت margartet k، دُرِّبَ المفحوص على الاستجابة للأصغر من المثيرين، وكان المثيران يتغير وضعهما بالتبادل من اليسار إلى اليمين؛ لتجنُّب أي وضع تحيزي، وبزيادة فحص المثيرين في الشكل "87" نلاحظ مجموعة من أسطوانات
كبيرة إلى حدّ ما يمثل اختبارات لتغيير الوضع "القريب"، ومجموعة من اسطوانات أصغر تمثّل تغيير وضع "بعيد". لاحظ المثيرات في اختبار تغيير الوضع القريب؛ فالمثير الأصغر أصبح الآن بنفس حجم المثير الذي كان غير صحيح في مجموعات التدريب. إن تغيير الوضع أو التعلُّم العلاقي، وليس المطلق، واجب توجد به أزواج من المثيرات تُجْعَل أصغر بوحدات متدرجة في الصغر, ومتساوية تقريبًا, سواء إلى أعلى أو إلى أسفل المقياس "بنفس الطريقة التي يغير فيها الوضع على السلّم الموسيقى", وبعد أن يتعلّم المفحوص انتقاء المثير الصحيح "يحدد التعلم عداة بنسبة 10 من 10 اختيارات صحيحة". يعطى اختيار تغيير الوضع القريب؛ وحيث إن المثير الصحيح الأصلي هو الآن أكبر الاثنين، فهو يصبح الاختيار الخطأ، والمثير الأصغر الجديد هو الاختيار الصحيح. وبعد الاختبار القريب يعطى اختبار تغيير الوضع البعيد, تبقى نفس علاقات الطول "الأكبر والأصغر"، ولكن
المثيرات تكون أصغر كثيرًا عن التي استخدمت قبل ذلك, ونحن نفترض أنَّ الاستجابة العفوية هي 50% تقريبًا، أي: إن الأطفال يمكنهم أن يخمِّنوا الاستجابة الصحيحة في 50% من المرات، دون أن يكونوا قد ميَّزوا المثير الصحيح, والمعطيات في الشكل "87" تدل على أنَّ الأطفال بين الثالثة والخامسة يميلون لاخيار المثير الصحيح على مستوى أفضل من العفوية في اختبار تغيير الوضع القريب، ولكنهم في اختبار تغيير الوضع البعيد يؤدون مستوى عفويًّا. أما مع الأطفال الأكبر سنًّا، وهم في هذه الحالة ذوو عمر عقلي 7 سنوات فما فوق، فإن انتقاء المثير في كلا الاختبارين القريب والبعيد يكاد يكون مطابقًا لأدائهم في الجزء الأخير من مجموعة التدريب, وعلى ذلك يقال: إنهم يظهرون تغييرًا في الوضع.
3- التحوّل الانعكاسي - اللانعكاسي: reversal-nonreversal shift:
ابتكر تراس وهاورد كيندلر tracy & howard kendler "1962" في سلسلة من التجارب قاما بها واجبًا "مهمة" عرف باسم "التحوّل الانعكاسي - اللانعكاسي" ومن طرق استخدام هذا الواجب الطريقة الموضَّحة بالشكل "88". لاحظ أن موادّ المثيرات تتكوّن من شكل هندسي, إمَّا أسود أو أبيض أو كبير أو صغير. هذا، ولمعان المثيرات وأحجامها تمثّل أبعاد المثير, وثَمّة بعد إضافي، "الموضع" يجب إدماجه هنا، ولكن الموضع لا يدخل في الواجب، ذلك لأنَّ موضع المثير الصحيح في أثناء التدريب المبدئي, ولتجارب الاختبار يتغير عشوائيًّا بالتبادل, والتصميم العام في هذه التجربة على قدر من التعقيد يحتاج لعدد متنوع من مجموعات متوازنة تبادليًّا, ويتعلم أحد مجموعات أفراد التجربة أن ينتقوا المثير الأكبر من بين المثيرين "وتكرَّر أن المعيار هو 10 اختيارات صحيحة من 10 محاولات", وبعد التوصّل إلى المعيار يعرض نفس الزوج من المثيرات على المجموعة, غير أن نصف أفراد التجربة قد كوفئوا الآن على اختيارهم أصغر المثيرين "أي: التحول الانعكاسي"، أما باقي الأطفال فيجري تعزيزهم لانتقال المثير الأسود أو الأبيض "أفراد التجربة يخصص لهم عشوائيًّا إما المثير الأسود أو الأبيض"، ويعرف ذلك بالتحول اللانعكاسي. وفي التحول الانعكاسي ينتقي الطفل المثير الذي كان خطأ من قبل، ولكن المثير موجود في نفس البعد كالمثير الصحيح
أصلًا، وبعبارة أخرى، يظلّ البعد كما هو في حالة التحوّل الانعكاسي، ولكن القيمة الدالة للمثير تنعكس "كبير وعكسه صغير، أو أسود وعكسه أبيض". وفي التحوّل اللانعكاسي يتغيِّر كل من بعد المثير المختص والقيمة الدالة, وعلى ذلك فبدلًا من الاستجابة لبعد الحجم، يجب على أطفال التجربة الآن أن يتحوَّلوا إلى بعد اللمعان. ومرة أخرى فإن نصف الأطفال مدرَّبون على انتقاء المثير الأسود, والنصف الآخر على انتقاء المثير الأبيض, ونتائج الدراسات العديدة التي أجريت باستخدام هذه المعالجة التجريبية تدل على أن الأطفال الأصغر سنًّا يتعلَّمون التحوّل الَّلانعكاسي أسرع من التحول الانعكاسي, وبالعكس فإنَّ الأطفال الأكبر من السادسة وكذلك الراشدين يتعلمون التحوّل الانعكاسي أسرع من التحول الَّلانعكاسي.
4- افتراض التوسط mediation hypothesis:
تفسَّر نتائج التجارب على التحول الانعكاسي والتحول الَّلانعكاسي, وعلى مسائل تغيير الموضع بأنها دليل على افتراض التوسط, وبعبارة أكثر تحديدًا: تؤكد نظرية التوسط mediation hypothesis أن المثيرات تحدث فعلًا ليس فقط سلوكًا ظاهرًا، ولكن استجابات داخلية أيضًا، بما في ذلك ردود فعل عضلية, وردود فعل لفظية واضحة. وقد افترض أيضًا في واجب "تغيير الموضع" أنَّ الطفل الذي يتلفظ بعبارة "أكبر من" كان يستجيب لعلاقة الحجم size relationship أكثر مما يستجيب
لقيمة المطلقة للمثيرات Absolute value of the stimuli. وفكرة القيم المطلقة للمثيرات تشير إلى الخواصّ المادية التي تؤثِّر على المستقبلات الحسية, وفي الارتباط الشرطي المباشر والأدائي أو التقليدي، فإن الخواص المادية للمثيرات ترتبط بالاستجابة, وعلى ذلك فإن نظرية التوسُّط تبتعد عن هذا الاعتماد على القيم المادية للمثيرات، وبدلًا من ذلك تختص بالعلاقات بين المثيرات والاستجابات في حلقات، مستوى أعلى من الوظيفية المعرفية.
وطبقًا لافتراض التوسُّط: فإن الأطفال الأكبر سنًّا والمفترض أنَّهم أكثر قدرة لفظية, يتعلَّمون التمييز المبدئي, ثم الدليل الوسيط المتربط بالأحجام النسبية للمثيرات, ومن الدلالات "الإشارات" الوسيطة التوفيقية المبدئية نذكر اللغة. إن الإشارة الوسيطة تستخدم لتمثيل البعد المعزز reinforced dimension, وفي الدِّراسات التي نحن بصددها فإن هذا البعد هو الحجم، وعندما يتغير المثير الصحيح من كبير إلى صغير، كما في تجارب كندلر kendler، أو عندما يتغيِّر موضع المثيرات كما في تجارب كين هارلو kuenne harlw، فإنَّ البعد المختص يظل كما هو، وكذلك الإشارة الوسيطة المعززة, وعندما يتغيِّر المثير الصحيح من بُعْد الحجم إلى بُعْد اللمعان "يحدث ذلك فقط في تحول لا انعكاسي"، فإن الطفل يجب أن يتعلَّم تمييزًا جديدًا ثم يربطه بوسيط جديد, والأطفال الأصغر والأقل حركة يتعلَّمون التحول الَّلانعكاسي أسرع؛ لأنه من المفترض أنه لا توجد إشارة وسيطة يفترض تعلم الاستجابة الجديدة، علاوةً على ذلك فإنَّ هؤلاء الأطفال قد عزّزوا من أجل الاستجابة الصحيحة الجديدة, ولم يعززوا مطلقًا للاستجابة غير الصحيحة أصلًا. وتدل ملاحظات عرضية على أن افتراض التوسط كان صحيحًا، والأطفال الذي حققوا التحول الانعكاسي بسهولة, والذين تمكَّنوا من معالجة كل من واجبي تغيير الموضوع القريب والبعيد كثيرًا ما يتلفَّظون تلقائيًّا بالبعد الصحيح. "هو دائمًا الأكبر"، في حالة الدراسة الخاصة بتغيير الموضع أو "ما يزال هو الحجم، ولكنه الآن أصغر".
وعند النظر إلى نتائج هذه الدراسات في ضوء نظرية التوسُّط، نجد أنَّها تدل على أن الأطفال إذا حصلوا على تدريب لفظي، أو أتيح لهم بطريقة ما الحصول
على إشارة وسيطة، فإنه باستطاعتهم الأداء أفضل في مسالة التحول الانعكاسي عن الأطفال الذين لم يحصلوا على مثل هذا التدريب, ولكن هذا لم يحدث! لقد علم الأطفال أن يتلفَّظوا بوسيط، ولكنهم لم يستخدموه في أثناء التجربة الفعلية, وقد اقترح ريس Reese "1962" أن عدم قدرة الطفل على استخدام بيان لفظي لدليل على قصور التحكم control deficiency, ومعنى هذا أن الأطفال رغم أنهم يستطيعون التلفظ بمفهوم ما، إلّا أن تلفظهم لا يستطيع بعد التحكم في سلوكهم. وقد اقترحت دراسات أخرى أن التوسّط لا يتحكم في السلوك إلّا إذا كان الطفل الأصغر يستطيع إنتاج الوسيط، وتعرف هذه المسألة باسم قصور الإنتاج production deficiency "flavell , beach & chinsky, 1966".
وقد أثار افتراض التوسُّط اهتمامًا كبيرًا لدى علماء نفس النمو واستخدامه كأساس تصوري لعدد كبير من الدراسات البحثية, ومع أنَّ نظرية التوسُّط تستخدم لتفسير استراتيجيات الذاكرة، فإن استخدامها في تفسير سلوك التحول الانعكاسي والتحول الَّلانعكاسي قد تعدل بعض الشيء, وما يزال علماء النفس متَّفقين على أنَّ نوعًا من التوسط يحدث، ولكنه ليس لفظيًّا تمامًا. إن افتراض السلوك اليقظ الذي سنناقشه في الفصل الخاصّ بنمو الإدراك الحسي "في الجزء الثاني من هذا الكتاب"، يعتبر بديلًا للتوسُّط اللفظي, على ذلك فإن مثيرًا ما "s" يصبح مرتبطًا باستجابة واضحة "r"، وهي قد تكون لفظية, ولكنها يمكن أن تكون أيضًا إشارة للبحث عن أبعاد إثارية ملائمة. وعندئذ يختار المفحوص من بين المثيرات المثيرة, ويؤدي استجابة واضحة, والوسيط في هذا التحليل هو اختيار المثير الذي يمكن أن تعاونه استجابة لفظية, ولكنه لا يعتمد عليها.
5- افتراض التيقظ الانتباهي: attentional hypothesis:
قدَّم زيمان وهوس zeaman & house "1963" نظرية التيقُّظ، انبثاقًا من اهتمامهما بإجراءات التعلّم للأطفال المتخلِّفين عقليًّا, وتدل معطياتهما على أنَّ الأطفال المتخلفين عقليًّا يتعلمون ببطء أشد, بسبب عدم قدرتهم على الانتباه إلى أبعاد المثير الملائمة أو يميزونها تمييزًا صحيحًا, ويشبه هذا السلوك الاطفال الأصغر سنًّا الذين لا يدركون الأبعاد الملائمة الممكنة في الواجب.

descriptionنظرية جان بياجه jean piaget  Emptyرد: نظرية جان بياجه jean piaget

more_horiz
من كتاب
علم نفس النمو حسن مصطفى عبد المعطي هدى محمد قناوي
hotfile
http://adf.ly/LofII

ميديافير

http://adf.ly/LqCn6

descriptionنظرية جان بياجه jean piaget  Emptyرد: نظرية جان بياجه jean piaget

more_horiz
كتب في علم نفس النمو

22علم نفس النمو - مريم سليم.pdf - 13.8 MB
11576240001.pdf - 37.6 MB
12381930001.pdf - 3.4 MB
اتجاهات نظرية في نموالطفل والمراهق.pdf - 23.4 MB
إحتساب الطفولة المبكرة.pdf - 1.8 MB
أطفال ومراهقون بدون حوار ـ د. محمد زيعور.pdf - 7.8 MB
الاسس النفسية للنمو.pdf - 9.0 MB
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد