علم النفس الصحي
مرحبا بك
نتمني ات تجد بالمنتدي مايفيدك واذا رغبت في المشاركة فالتسجيل للمنتدي مفتوح

ولك الشكر


علم النفس الصحي
مرحبا بك
نتمني ات تجد بالمنتدي مايفيدك واذا رغبت في المشاركة فالتسجيل للمنتدي مفتوح

ولك الشكر

علم النفس الصحي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

علم النفس الصحيدخول

الصحة النفسية علم النفس الطب النفسي


descriptionالفروق الفردية Emptyالفروق الفردية

more_horiz
الفصل الأول
الفروق الفردية
يهتم علم النفس بدراسة الفروق بين الأفراد. وعلى الرغم من أن الفروق الفردية في السلوك، توجد بشكل منتظم في كل التجارب النفسية، وينظر إليها فيها على أنها مصادر للخطأ، ينبغي أن يتم ضبطها أو على ألأقل  تحييد أثرها على المتغير الناتج، بغية الوصول إلى تعميمات تنطق على جميع الأفراد، فإن هذه الفروق تصبح في حد ذاتها هدفا وموضعا للدراسة في ميدان على النفس الفارق، أو ما يعرف بسيكولوجية الفروق الفردية.
ولا يهتم علم النفس الفارق بدارسة هذه الفروق، لمجرد الرغبة في فهم الإنسان فحسب، وإنما لأن المجتمع المعاصر قد بلغ درجة عالية من التعقيد، وتنوعت فيه التخصصات والأدوار التي ينبغي أن يقوم بها أفراده. ومن هنا نشأت مشكلة اكتشاف الأفراد، الذي يلائمون الأدوار والاحتياجات المختلفة التي يتطلبها المجتمع. وفي هذا ما يحقق الكفاية للمجتمع، والتوافق للفرد.
إننا نعرف من دراستنا لظاهرات النمو النفسي والدافعية والتعليم والإدراك والاتجاهات، وغير ذلك من الظاهرات النفسية، أن كل شخص يختلف عن الآخرين، لأن له خصائصه المميزة، ولأنه يمر بخبرات في المنزل، والمدارسة والمجتمع، لها خصائصها ومميزاتها، ومن ثم يكتسب عادات واتجاهات ومفاهيم تميزه عن غيره من الناس.
وعلم النفس الفارق يهتم بالإنسان كشخصية متفردة، تعتبر نتاجاً لهذه المؤثرات وكثير غيرها، ويهدف إلى معرفة: مال الذي يختلف فيه الأفراد، ومدى هذه الفروق، وكيف يمكن قياسها، فعلم النفس الفارق، باعتباره أحد الميادين الرئيسية لعلم النفس المعاصر، يتهم بالدراسة العلمية الموضوعية للفروق بين الأفراد، كما أنه يهتم بدراسة الفروق القائمة بين الجماعات والشعوب أيضاًًًًً.
وقد فطن الإنسان منذ بداية وعيه بوجوده إلى الفروق القائمة بين الأفراد، واهتم في مراحل تاريخية المختلفة، بملاحظة هذه الفروق ووصفها، وقد حاول في مراحل حياته البدائية تفسير هذه الاختلافات على أساس معارفه المحدودة، أو بردها إلى عوامل وأسباب خرافية، ومهما يكن فقد تقبل وجودها كحقيقة واقعة وتقدم لنا عناصر التراث الإنساني نماذج لشخصيات فردية متميزة، صورة في القصص أو اللوحات الفنية، كما نجد في كتابات الفلاسفة القدماء أمثال أفلاطون وأرسطو، إدراكا لمفاهيم الفروق الفردية، ودعوة إلى ضرورة مراعاتها في التربية، وفي توزيع الأدوار في المجتمع كما أن كثيراً من المفكرين العرب فطنوا إلى معنى الفروق الفردية وأهميتها في بناء المجتمع وقسموا الناس بالنسبة لأية صفة من الصفات إلى ثلاث مستويات: الأعلى، والأوسط، والأدنى.
إلا أن هذه الملاحظات لم تصبح علما له أصوله ومناهجه في الدراسة والتحليل، إلا حينما خضعت هذه الفروق للقياس الدقيق، ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر.
عمومية الفروق الفردية:
ولا تقتصر ظاهرة الفروقََُ الفردية على الجنس البشري، بل نستطيع أن نتبينها في الكائنات الحية، فطالما وجدت الحياة، وجدت الفروق الفردية، وإذا تتبعنا السلسلة الحيوانية، ابتداء من الكائنات البسيطة، وسرنا معها في ترقيها حتى نصل إلى الإنسان، لوجدنا أن الفروق الفردية ظاهرة عامة في جميع الكائنات الحية، صحيح أن لكل نوع من الكائنات الحية خصائصه المميزة، التي يشترك فيها أفراد النوع، بل لا بد من توافرها في كل فرد منه، ولكن في داخل هذه الحدود، لا نجد فردين يستجيبان بنفس الطريقة بالضبط للمثيرات التي يتعرضان لها. فلكل فرد من أفراد النوع الواحد، أساليبه الخاصة في التكيف مع البيئة المحيطة وظروفها المتغيرة.
وتكشف ملاحظاتنا المباشرة لسلوكك هذه الكائنات الحية عن الفروق بين أفرادها. فحينما نلاحظ سربا من الطيور أو قطيعا من الحيوانات، نجد أن بعض أفرادها يقومون  بدور قيادي في تنقلاتها وأنشطتها المختلفة. بل نجد في بعض الأفراد، كما أن التجارب التي أجريت على حيوانات مختلفة مثل الفئران والقطط والكلاب والقرود وغيرها، أثبتت وجود فروق في قدراتها على حل المشكلات والتعلم ومستوى النشاط والدوافع، كالجنس والجوع والعطش، وأحوالهم الانفعالية كالخوف والعدوان وغيرها، فإذا ما انتقلنا إلى الإنسان وجدنا الفروق الفردية في أبرز صورها ومظاهرها.
فما هي النواحي أو الصفات التي يختلف فيها أفراد الجنس البشري
الفروق الفردية في الشخصية:
إن ما يهمنا في الدراسة السيكولوجية هي الشخصية الإنسانية فالشخصية الإنسانية هي نقطة البداية في جميع الدراسات النفسية، وهي في نفس الوقت تمثل الهدف الذي نهدف للوصول إلى فهمه. وسبيلنا إلى دراسة الشخصية هو نشاطها، أي ما تقوم به من أعمال، وما يصدر عنها من استجابات لغوية أو حركية. وقد تفرع علم النفس وتنوعت ميادينه كنتيجة حتمية لتعقد الشخصية،وتنوع المجالات التي تزاول فيها نشاطها، فالشخصية من حيث كائن اجتماعي، يعيش في جماعات متنوعة يتفاعل معها، ويؤثر فيه، وله اتجاهاته  وقيمه، يدرسها علم النفس الاجتماعي والشخصية من حيث هي عامل في مصنع، يتعامل مع آلة أو جهاز، يتكيف لظروفها يطرأ على نشاطها وخصائصها وإمكانيتها من تغيرات مع تقدمها في السن هي موضوع دراسات النمو والشخصية من حيث هي كائن ينمو ويتعلم ويكتسب من الخبرات والمهارات ما يراه المجتمع ضرورياً، يتناولها علم النفس التربوي هكذا نجد أن فروع علم النفس تتفرع وتتعدد نتيجة لتنوع المجالات التي تزاول فيها الشخصية نشاطها.
وتمتد الفروق الفردية لتشمل جميع جوانب النشاط الذي يصدر عن الشخصية فما هو المقصود بالشخصية؟ وما هي أهم النواحي أو الجوانب التي يختلف فيها الأفراد.
نحن نقصد بالشخصية نظاما متكاملا من السمات الجسمية والنفسية، الثابته نسبياً والتي تميز الفرد عن غيره، وتحدد أساليب نشاطه وتفاعله مع البيئة الخارجية، المادية والاجتماعية وقد أثار تفرد الشخصية مشكلة إمكان دراستها دراسة علمية فقد وجدت وجهة نظر ترى أن تفرد الشخصية وغناها يجعل من المستحيل دراستها دراسة علمية موضوعية بهدف الكشف عن القوانين العامة التي تنطبق على جميع الأفراد لهذا يرى هؤلاء أنه ينبغي أن يتولى وصف الشخصية الفنانون لا العلماء، فهم يستطيعون تصويرها في تفردها وتميزها، وأوضح أن تقبل وجهة النظر هذه يعني استبعاد سيكولوجية الشخصية من الدراسة العلمية.
والواقع أن مشكلة التفرد في الشخصية ليست أصعب من مشكلة التفرد البيولوجي. فحينما يتفاعل عدد كبير جداً من المتغيرات المستقلة، الوراثية والبيئية في إحداث أثر معين فإن النتيجة الحتمية هي التفرد، مثال هذا التفرد يوجد في بصمات الأصابع ومع ذلك فهذا لا يمنع من تصنيفها ودراستها. ونحن في دراستنا للشخصية نتناولها من زوايا أو جوانب مختلفة نقوم بتحليلها إلى مجموعة من الصفات أو السمات، هذه السمات ما هي إلا عبارة عن تجريدات أو  أوصاف نصف بها سلوك الفرد فالسمة- كما يعرفها بعض العلماء-هي طريقة السلوك، متميزة وثابتة نسبياً يختلف فيها الشخص عن الآخرين.
على أن النواحي التي يختلف فيها الناس كثيرة ومتعددة بحيث لا يمكن حصرها، إلا أنه بالبحث الإحصائي الموضوعي، تبين أن الفروق بين الأفراد تميل لأن ترتبط فيها بينها بشكل يجعل من الممكن تحديد أبعاد أو سمات أكثر عمومية. ويمكن تصنيف هذه السمات في مجموعتين رئيسيتين :
أولا: مجموعة الصفات الجسمية، وهي تلك التي تتعلق بالنمو الجسمي العام والصحة العامة ويمكن أن نميز فيها بين السمات العامة مثل الصحة العامة، وبين الصفات الخاصة، مثل الطول والوزن أو بعض العاهات الجسمية.
ثانياً: مجموعة الصفات التي تتعلق بالتنظيم النفسي في الشخصية وهي ما يهمنا في دراسة الفروق الفردية والتنظيم النفسي عبارة عن نظام متكامل من السمات النفسية، التي تميز الفرد في تفاعله مع مواقف الحياة. والتي تحدد أهدافه، وتميز سلوكه في تكيفه وتوافقه مع الظروف المادية والاجتماعية كما تحدد أساليب تعامله مع الناس المحيطين به.
ويميز العلماء في التكوين النفسي للشخصية بين تنظيمين رئيسيين:
أولها: يعرف بالتنظيم العقلي، وهو ما يتعلق بإدراك الفرد للعالم الخارجي وفهم موضوعاته وإدراك ما بينها من تشابه أو اختلاف أو تضاد، وقدراته على حل المشكلات التي تواجهه.
وثانيهما: يعرف بالتنظيم الانفعالي وهو ما تجتمع وتنتظم فيه كل أساليب النشاط الانفعالي، وهي تلك التي تعتبر عن دوافع الفرد وميوله واتجاهاته وتميز طريقة مواجهته للمواقف المختلفة.
وقد يكون في تصنيف كرونباك لمظاهر الفروق الفردية ما يعطي توضيحا أكثر لهذا التمييز بين التنظيمين العقلي والانفعالي، إذ يميز كرونباك بين نوعين من الأداء (ويقصد بالأداء ما يلاحظ ويقاس من نشاط الفرد): أداء أقصى، وأداء مميز، ويقصد بالأداء الأقصى ذلك النشاط الذي يصدر عن الفرد حينما يحاول أن يقوم بأفضل أداء ممكن أي أنه يبذل أقصى ما يستطيع من جهد، مستخدماً كل ما لديه من إمكانات ومهارات في حل المشكلة التي تواجهه. ومثال ذلك إجابة الطالب في الامتحان، أو حله لمشكلة عقلية. أما الأداء المميز فيقصد به ما يؤديه الفرد بالفعل وطريقة أدائه له، وأسباب ذلك. ولذلك فهو يكشف لنا عن دوافع الفرد وميوله وسماته الانفعالية المختلفة.. ونحن عندما نهتم بدراسة التنظيم العقلي لدى الفرد يكون السؤال الأساسي الذي نحاول الإجابة عليه هو: ماذا يستطيع هذا الفرد أن يفعله؟ ما هي استعداداته وقدراته؟ أما عندما نهتم بالتنظيم الانفعالي، فإننا نحاول الإجابة عن مثل هذه الأسئلة: لماذا يسلك بهذه الطريق؟ أو ما درجة ثقته في نفسه؟ إلى غير ذلك.
وتوجد الفروق الفردية في جميع السمات الجسمية والنفسية للشخصية. فلو أخذنا سمة الطول مثلا، وجدنا أن نبين الناس الطويل جداً، والتطويل، ومتوسط الطول، والقصير جداً، وكذلك الحال في الذكاء وهو سمة عقلية، نجد من الناس من هو ذكي جداً، ومتوسطة الذكاء، ومن هو أقل من المتوسط، والغبي.
ويختلف الناس كذلك في سماتهم الانفعالية، فلو أخذنا سمة أو بعداً، مثل بعد الانطواء- الانبساط_ لوجدنا بين الناس ومن هو منطوي منعزل دائماً، ومن منبسط اجتماعي، وبين هذين الطرفين توجد درجات متفاوتة من هذه السمة.
أنواع الفروق الفردية:
ميز العلماء بين نوعين من الفروق الفردية: فروق في النوع وفروق في الدرجة. فالفرق في النوع يوجد بين الصفات المختلفة، فاختلاف الطول عن الوزن، فرق في نوع الصفة، ولهذا لا يمكن المقارنة بينهما لعدم وجود وحدة قياس مشتركة بين الصفتين فالطول يقاس بالأمتار أو السنتيمترات، أما الوزن فيقاس بالكيلو جرام أو بالجرام.
كذلك الحال في الصفات النفسية: فالفرق بين الذكاء والاتزان الانفعالي، هو فرق في نوع الصفة، ولا يمكن المقارنة بين ذكاء فرد واتزان آخر، لأنه لا يوجد وحدة قياس واحدة مشتركة والفروق بين الأفراد في أية صفة واحدة، هي فروق في الدرجة وليست في النوع، فالفروق بين الطويل والقصير هو فروق في الدرجة، ذلك لأنه توجد درجات متفاوتة من الطول والقصر، ويمكن المقارنة بينهما باستخدام مقياس واحد.
كذلك الحال في سمة عقلية مثل الذكاء الفرق بين العبقري وضعيف العقل فرق في الدرجة، وليس فرقاً في النوع، لأنه لا توجد درجات متفاوتة بينهما، ولأنهما يقاسان بمقياس واحد، ولذلك كان التقسيم الثنائي لبعض الصفات تقسيماً غير علمي، لأنه قائم على تصور أن الفروق بين الأفراد في الصفة فروق في النوع،أو أنه يقوم على تصور أن الصفة المدروسة تمثل كميات منفصلة. والواقع أننا نستطيع تتبع أي صفة في درجاتها المختلفة عند الأفراد، أي  نستطيع أن نتتبعها في مستوياتها المتدرجة المختلفة من أدناها إلى أقصاها.
مظاهر الفردية:
يميز العلماء بين مظهرين رئيسين للفروق الفردية:
الفروق داخل الفرد، وهو أن الفرد الواحد لا تتساوى فيه جميع القدرات. فلو قسمنا السمات العقلية المختلفة لدى الفرد ما وجدناها على درجة واحدة أو مستوى واحد، فقد يكون مستوى القدرة اللغوية متوسطاً، بينما يكون ممتازاً في القدرة العددية، وضعيفاً في القدرة الميكانيكية كذلك الحال فيما يتعلق بالسمات الانفعالية المختلفة هذا باٌلإضافة إلى أن هناك تغيرات تطرأ على سمات الفرد المختلفة مع مرور الوقت. وهذه التغيرات تجعله يختلف عن نفسه من مرحلة لأخرى في مختلف السمات النفسية. فلو قسنا قدرات الفرد العقلية وهو في العاشرة مثلاً، وجدناها تختلف عن قدراته وهو في الخامسة عشر. والاختلاف في الدرجة أيضاً.
الفروق بين الأفراد: وهي تلك الاختلافات التي نلاحظها بين الأفراد في مختلف السمات الانفعالية والعقلية، وهي فروق في الدرجة لا في النوع.
تعريف الفروق الفردية:
تعرف الفروق الفردية، بأنها الانحرافات الفردية عن متوسط المجموعة وقد يكون مدى هذه الفروق كبيراً وقد يكون صغيراً.

الخصائص العامة للفروق الفردية:
1- مدى الفروق الفردية:
يعرف مدى الفروق الفردية في معناه العام بأنه الفرق بين أقل درجة وأعلى درجة في توزيع أي صفة من الصفات والمدى هو أبسط مقاييس التباين في علم الإحصاء، و يمكن القول- بصفة عامة- أن أكبر  تشتت للفروق الفردية( أي أكبر مدى لها) يوجد في سمات الشخصية الانفعالية، وتليها الفروق في السمات العقلية المعرفية، وأقل مدى يوجد في الفروق في الصفات الجسمية.
2- درجة ثبات الفروق الفردية.
تخضع الفروق الفردية للتغير مع مرور الوقت وخاصة أثناء مراحل النمو، على أن مقدار التغير في الفروق الفردية ليس على درجة واحدة في مختلف صفات الشخصية.
إذ تشير نتائج البحوث إلى أن درجة ثبات الفروق الفردية في الصفات العقلية، أكبر من درجة ثبات الفروق في السمات الانفعالية. وقد يرجع هذا إلى عاملين: أولها، أن مدى التشتت في السمات الانفعالية أكبر منه في الصفات العقلية المعرفية- كما أشرنا سابقاً- مما يجعل فرصة التغير في الفروق الانفعالية أكبر.
وثانيهما أنه من المحتمل أن تكون الصفات الانفعالية أكثر تأثراً بالعوامل الثقافية البيئية من الصفات العقلية.
3- التنظيم الهرمي للفروق:
تؤكد نتائج الدراسات الإحصائية في مجال الفروق الفردية في الصفات النفسية المختلفة، وجود تنظيم هرمي لنتائج قياس تلك الفروق. في قمة الهرم توجد أعم صفة. تليها صفات أقل عموميتها، وفي قاعدة الهرم نجد الصفات الخاصة، التي لا تكاد تتجاوز الموقف الذي تظهر فيه.
ففي الصفات العقلية المعرفية، نجد أن الذكاء، وهو القدرة العقلية العامة أو أعم الصفات العقلية يقع في قمة التنظيم الهرمي، تليه القدرات العقلية الكبرى التي تقسم النشاط العقلي المعرفي إلى قدرات لفظية تعليمية وقدرات عملية ميكانيكية والقدرة الكتابية، ثم مستوى القدرات الطائفية الأولية فالقدرات الطائفية البسيطة وأخيراً في قاعدة الهرم توجد القدرات الخاصة.
ويوجد نفس التنظيم الهرمي في الصفات الانفعالية أيضاً. فنجد في قمة الهرم الانفعالية العامة. ثم تليها الصفات الانفعالية التي تقل في عموميتها ويزداد عددها حتى نصل إلى الاستجابات الانفعالية الخاصة بكل موقف على حدة في قاعدة الهرم.
توزيع الفروق الفردية:
إذا كانت الفروق بين الأفراد في كل سمة من السمات فروقاُ في الدرجة لا في النوع.
- فكيف تتوزع درجات الناس في كل سمة من هذه السمات؟
- هل يتجمع الأفراد عند نقط معينة على طول مدى السمة؟
أو يتوزعون بشكل منتظم على هذا المدى؟
تتبع الفروق في السمات المختلفة توزيعاً محدداً بين الأفراد. ويتلخص هذا التوزيع في أن أكثر المستويات انتشاراً، هو المستوى المتوسط من درجات السمة التي نقيسها بينما يقل عدد الحالات كلما اتجهنا نحو المستوى الممتاز أو المستوى الضعيف.
ويمكن أن يتضح ذلك إذا ما استمعنا بجداول التوزيعات التكرارية والرسوم البيانية التي تلخص هذه التوزيعات. فمن المعروف أن التوزيع التكراري وسيلة لتخليص البيانات الكمية وتنظيمها حتى يسهل فهمها واكتشاف الاتجاهات الدالة فيها. فهدف التوزيع التكراري ترتيب البيانات وتقسيمها تقسيما ييسر إدارك ما بينها من علاقات. ويقوم الباحث في عمل التوزيع التكراري بتجميع البيانات في جدول.
بحيث يضم القيم المتجاورة في فئة واحد تنفصل عن غيرها من الفئات ويمكن إبراز الصورة العامة للتوزيع التكراري، إذا ما تم تمثيل البيانات في رسم بياني فذلك يساعد على زيادة الوضوح والمقارنة السريعة. ويمكن أن يستخدم في ذلك أحد الرسوم البيانية الشائعة، مثل المضلع التكراري أو المنحنى التكراري، فإذا قمنا بقياس سمة من السمات عند عدد كبير جداً من الأفراد على أن يتم هذا بصورة موضوعية تماماً. بحيث تخلو نتائج القياس من أي عوامل ذاتية. وتم تجميع البيانات في جدول تكراري. وتحويلها إلى منحنى تكراري، فإن المحنى يتخذ شكلاً معيناً يطلق عليه اسم المنحنى ألاعتدالي.
يتضح من المنحنى أن العدد الأكبر من الأفراد يتجمع عند المستوى المتوسط بينما يقل العدد تدريجياً كلما اتجهنا نحو الطرفين ويلاحظ على المنحنى أنه لا توجد به أية ثغرات أو أجزاء منفصلة وهو متماثل الطرفين، بحيث لو أننا أسقطنا عموداً من قمته إلى المحور الأفقي، فإنه يقسمه على نصفين متطابقين تماماً.
على أن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن فعل الصدفة هو المسئول عن توزيع السمات الإنسانية، وإنما يعني أن هناك عدد كبيراً من العوامل المتشابكة المستقلة لا نعرف بالضبط تأثيرها. فوزن الشخص أو طوله أو أداؤه على اختبار للذكاء يعتمد على عدد كبير جداً من العوامل المستقلة المختلفة.
كما يحدث بالضبط أثناء إلقاء العملة إذ يؤثر في النتيجة النهائية عدد كبير من العوامل مثل الارتفاع الذي تلقى منه قطعة العملة ووزنها وحجمها، وثنية اليد المستخدمة وعدد كبير من العوامل ألأخرى.
العوامل التي تؤثر في شكل المنحنى:
على أنه في قياس السمات النفسية المختلفة قد نحصل من وقت لأخر على منحنى يبتعد كثيراً عن المنحنى ألاعتدالي. فقد نحصل مثلاً على توزيع ملتو skewed  وهو توزيع تنحرف فيه قمة المنحنى إلى أحد الجانبين، ومثل هذا التوزيع لا يكون متماثل الطرفين كما هو الحال في المنحنى الاعتدالي، وقد نحصل على  التوزيع المستطيل أو على توزيع ذي قمم متعددة ويرجع ذلك على بعض العوامل مثل العينة، أو أداة القياس المستخدمة أو بعض الظروف العارضة.
فبالتحكم في اختيار العينة، يمكن الحصول على أي نمط يمكت تصوره من التوزيعات التكرارية وقد يحدث التواء في المنحنى أو وجود قمتين له نتيجة لبعض الخصائص الموجودة في العينة، والتي لا يعرفها الباحث فقد يحصل على منحنى متعدد القمم، إذا كانت العينة لم تختر بطريقة عشوائية من المجتمع الأصل، بل كانت تتكون من أفراد اختيروا من مستويات مختلفة، ثم ضمنوا في مجموعة واحدة. فلو قسنا ذكاء مجموعتين من التلاميذ أحدهما في سن العاشرة والأخر في سن الخامسة عشر فإننا نحصل في الأغلب على توزيع ذي قمتين، كذلك الحال بالنسبة للسمات الأخرى.
وإذا أدمجنا مجموعتين موزعتين كل منهما على حدة توزيعاً اعتدالياً في توزيع واحد فإننا قد نحصل على توزيع ملتو إذا كان متوسطهما والتباين داخلهما مختلفين بشكل ملحوظ. وقد نحصل على توزيع مدبب، إذا كان حجم العينة صغيراً وكان التجانس بين أفرادها كبيراً ولهذا ينصح دائما باستخدام عينات كبيرة الحج، غذ كلما زاد حجم العينة كلما اقترب التوزيع من الاعتدال.
وتؤثر أداة القياس أيضا في التوزيع الناتج، ويبدو هذا واضحاً في الحالات التي يتركز فيها مدى صعوبة أسئلة الاختبارات على المستويات العليا أو الدنيا، أو إذا طبقنا اختبارا على مجموعة لا يناسبها، فإذا كان لدينا اختبار للذكاء أعد بحيث يناسب تلاميذ المرحلة الإعدادية، وطبقناه على طلبة الجامعة مثلا، فإن الغالبية العظمى من الطلاب سيحصلون على درجات عالية جداً، كما سيكون عدد الحاصلين على درجات منخفضة قليلا جداً، ومعنى هذا أن المنحنى الناتج سيكون ملتويا التواء سالبا أي قمته ستنحرف في جانب الدرجات العليا. وبالعكس صحيح إذا طبقنا نفس الاختبار على تلاميذ المدرسة الابتدائية إذا سيكون التوزيع الناتج ملتويا إلتواء موجباً، أب نحو الدرجات المنخفضه، وقد بحصل على توزيع شديد الالتواء أو ذي قمتين نتيجة لعدم تساوي وحدات الاختبار المستخدم. ومهما يكون الأمر، فإن الالتواء في هذه الحالات يكون صناعياً، نتيجة لعيوب في أداة القياس نفسها.
وقد تؤدي بعض الظروف المرضية إلى حدوث التواء في التوزيع خاصة، إذا أدت مثل هذه الظروف إلى الإخلال بالتوازن في تفاعل العوامل المختلفة المتعددة التي تؤثر في السمة المقيسة. فقد تؤدي ظروف مرضية ما في مجتمع سكاني معين إلى زيادة نسبة ضعاف العقول، ومن ثم ينتج توزيع ملتو للذكاء الأفراد.
كما أن القيود التي يفرضها المجتمع على أنشطة أفراده، تنتج توزيعها مختلفا يشبه حرف L  ، ذلك أن الغالبية العظمى من الأفراد يطبقون القواعد التي يفرضها المجتمع على سلوكهم بينما يخالف تلك القواعد قلة من الأفراد فقط. وخير مثال لذلك اتباع سائقي السيارات والمشاة لتعليمات وإشارات المرور أما لو تصورنا تقاطعا للشوارع لا توجد فيه إشارات مرور، فإننا نجد أن سلوك السائقين يقترب من التوزيع الاعتدالي، إذ نجد أن قليلا ججاً منهم يتوقفون عند التقاطع ويبدون درجة عالية من الحذر، بينما الغالبية تبطئ نوعا  ما، وتبدي قدراً متوسطاً من الحذر. وقليل منهم تسير بنفس السرعة غير مبدية إلا قليلا جداً من الحذر. وينطبق نفس الوضع على معظم أنواع السلوك التي يحددها المجتمع، ويفرض عليها نوعاً من القيود أو التنظيم.
وينبغي أن نشير إلى أن المنحنى الاعتدالي منحنى تجريبياً. بمعنى أننا نحصل عليه من قياسنا للظاهرات النفسية. وإنما نحن نستخدمه في عملية إعداد الاختبارات النفسية. إذ حينما نقوم بوضع اختبار ما ونطبقه على عدد كبير من الأفراد عن الاعتدال فإننا نقوم بتعديل الاختبار كأن نزيد من عدد مفرداته أو تغير فيها، ا, نحذف بعضها. ونحن نستند في اتخاذنا للتوزيع الاعتدالي أساساً في الحكم على العوامل التي تحدد درجة الفرد في السمة وتعقيدها. كما يدعم هذا الافتراض أن السمات الجسمية التي نقيسها بمقاييس مادية متساوية الوحدات تخضع لنفس هذا التوزيع.
خلاصة الفصل:
يختلف الافراد في صفاتهم المتعددة على الرغم من اشتراكهم في خصائص عامة ويهتم علم النفس الفارق بدراسة هذه الفروق وأساليب قياسها.
وظاهرة الفروق الفردية ليست قاصرة على الإنسان فهي موجودة في جميع الكائنات الحية.
والجوانب التي يختلف فيها أفراد الجنس البشري متعددة فالفروق موجودة في جميع جوانب الشخصية الإنسانية.
ويهتم علم النفس الفارق بدراسة الفروق في التكوين النفسي للشخصية وفيه يميز العلماء بين مجموعتين من الصفات:
الصفات التي تتعلق بالتنظيم العقلي.
الصفات التي تتعلق بالتنظيم الانفعالي.
ويميز العلماء بين نوعين من الفروق:
فروق في النوع                                وفروق في الدرجة
فالفروق في النوع يوجد بين الصفات المختلفة، أما الفروق في الدرجة، فهو ما نلاحظه من اختلافات بين الأفراد في الصفة الواحدة، وهذا النوع الأخير هو موضوع الدراسة في سيكولوجية الفروق الفردية.
وللفروق الفردية مظهران: فروق داخل الفرد أو بين الفرد ونفسه وفروق بين ألأفراد.
تعرف الفروق الفردية بأنها الانحرافات الفردية عن متوسط الجماعة فالفرد يتحدد مستواه في أية صفة، عن طريق مقارنته بمتوسط المجموعة التي ينتمي إليها.
وتوصف الفروق الفردية بخصائص ثلاث: المدى، وهو درجة تشتت الأفراد بالنسبة للصفة المقيسة. كما توصف الفروق من ناحية درجة ثباتها. وأخيرا تنتظم أقل عمومية واتساعاً.
وتتبع الفروق الفردية المنحنى الاعتدالي في توزيعها، حيث نجد أن أكثر المستويات انتشارا هو المستوى المتوسط من درجات السمة، بينما يقل عدد الحالات كلما اتجهنا نحو المستويات العليا أو الدنيا.
وقد يختلف شكل المنحنى الذي نحصل عليه أو قد يبتعد عن الاعتدال، نتيجة لعوامل معينة، منها طبيعة العينة التي استمدت منها البيانات وكيفية اختيارها وكذلك أداة القياس المستخدمة وبعض الظروف العارضة.


















الفصل الثاني
الوراثة والبيئة
مقدمة:
إذا كان الافراد يختلفون في سماتهم الجسمية والنفسية فما هي العوامل التي تؤدي الى هذا الاختلاف؟
أثار هذا السؤال مناقشات نظرية وفلسفية طويلة. ذلك ان الاجابة عليها ذات اهمية مزدوجة فهي أولا تساعدنا على فهم السلوك الانساني, وطبيعة الفروق بين الأفراد وأسبابها, وهي ثانيا تمكن المربين والمعلمين من توجيه التربية الوجهة السليمة.
وقد كانت القضية الاساسية, التي تركز حولها التفكير النظري والفلسفي حقبة طويلة من الزمن, تتعلق بالإجابة على السؤال: ما هو الاكثر أهمية في تحديد الفروق بين الافراد: الوراثة ام البيئة؟ وقد انقسم العلماء في الاجابة عليه الى فريقين: فريق دعاة البيئة, ويطلق عليهم البيئيون, وفريق دعاة الوراثة. وقد وصف الفريق الاول في بعض المؤلفات بأنهم تقدميون , ذلك أنهم باعتقادهم ان البيئة هي المحدد الاساسي للفروق بين الافراد , يرون ان وظيفة التربية الاساسية ان تنتج في الافراد السمات المرغوب فيها من المجتمع, ويرجعون كل تخلف او انحراف في سلوك الافراد الى قصور او عجز في النظام التعليمي و الاجتماعي الذي نشأوا فيه, فهم يؤكدون مبدأ المساواة بين الناس فيما لديهم من إمكانيات, اذا ما أتيحت لهم فرص متكافئة لتنميتها.
اما دعاة الوراثة فيعتقدون ان العامل الاساسي في تحديد الفروق الفردية هو الوراثة. ذلك ان هذه الفروق حقائق بيولوجية لا يمكن تجاهلها , وانتقال الخصائص الوراثية من الوالدين الى الابناء امر مؤكد, ومن ثم فإن وظيفة التربية الاساسية, أن تتيح الفرصة للطفل لنمو إمكانياته . كما ان النظام التعليمي يجب ان يقوم على الاقل في مراحله العالية على انتقاء التلاميذ الذين تتوافر لديهم بحكم الوراثة مواهب عقلية خاصة.
والواقع ان العلماء يدركون اليوم ان طرح المشكلة في صورة تقابل بين الوراثة والبيئة امر خاطئ ذلك ان الانسان شأنه شأن أي كائن حي, يحمل خواص سلالته, تنتقل اليه عبر الاجيال بواسطة الوراثة, فتؤثر في سلوكه, ولكنه في نفس الوقت يعيش في مجتمع له معالمه ومميزاته المحددة, ومن ثم فهو يخضع لتأثير البيئة, ويتأثر بما فيها. وباستثناء بعض الخصائص الجسمية القليلة جدا, مثل لون العينين, الذي يعتمد على اساس وراثي فقط, فإن كل السمات الانسانية التي يختلف فيها الافراد تعتبر نتاجا لتفاعل المؤثرات الوراثية والبيئية.
ولهذا فقد تحول السؤال من محاولة تحديد الاثر النسبي لكل من الوراثة والبيئة في تكوين السمات النفسية, الى محاولة معرفة, إلى أي حد تخضع السمه النفسية المعينة للتغير, وفي ظل أي الظروف يمكننا ان نتوقع حدوث هذا التغير.
وقد كان من التصورات الخاطئة الشاعة في هذا المجال, اعتقاد ان الخصائص الوراثية ثابتة ولا تقبل التغيير, وان الصفات المتكونة بفضل البيئة يمكن تغييرها دائما. اذ ثبت من الدراسات ان كثيراً من الصفات الوراثية يمكن تغييرها بدرجة كبيرة, كما ان بعض السمات المكتسبة يصعب في كثير من الاحيان تغييرها. فبعض الافراد الذين يرثون قابلية للإصابة بمرض معين, قد يتجهون الى الرياضة ويكونون أجساماً قوية لا يكون فيها للإصابة بالمرض موطئ قدم. ومن ناحية أخرى, ثبت من الدراسات ان بعض التلاميذ الذين يعانون من انخفاض في القدرة اللفظية يظلون يعانون من انخفاض هذه القدرة في مرحلة الرشد, على الرغم من ان هذا التخلف يرجع الى قصور في التربية أثناء الطفولة, أكثر من أن يكون راجعا الى نقص فطري في الذكاء اللفظي. ويرى العلماء ان معظم الصفات النفسية يمكن ان تخضع للتغير طالما ان الانسان يتمتع بقدرة عالية على التعلم.
ومن هنا , فإن السؤال عن أثر البيئة في إحداث الفروق الفردية قسم بواسطة الباحثين الى عدد من الاسئلة الضيقة مثل: ما هو مقدار الفرق الذي يمكن ان نتوقع حدوثة كنتيجة لإحداث تغيير معين في البيئة؟ ماهي السمات النفسية التي تتأثر أكثر من غيرها بتغير البيئة؟ أي جوانب البيئة أكثر تأثيراً في الانسان؟ ما هو مقدار الفرق الذي تحدثه خبرات ما قبل المدرسة في النمو العقلي للطفل, وفي خصائصه الانفعالية والاجتماعية؟ ما هو أثر الحرمان الثقافي في الطفولة على نمو الانسان؟ في أي مرحلة من مراحل النمو يكون هذا التأثير أكبر؟
هذا الانتقال من المشكلات العامة الى الخاصة, هو أبرز سمة للبحوث المعاصرة, في أثار البيئة والوراثة, ولا يتسع المقام لعرض تفصيلي لهذه الدراسات, وإنما سنحاول ان نعرض بعض الدراسات العريضة, التي حاولت إثبات اثار الوراثة والبيئة في السمات النفسية.
على أنه قبل ان نعرض لهذه البحوث نقوم بتعريف مختصر لكل من الوراثة والبيئة.
معنى الوراثة:
تتكون وراثة الفرد اساساُ من المورثات النوعية, التي يتلقاها من كل من والديه عند الحمل. فالفرد يبدأ حياته باتحاد خليتين: خليه من كل الابوين, ومن هذا الاتحاد تنشأ البويضة الملقحة. وتحتوي كل خلية على مئات الالاف من جزئيات دقيقة جداً تسمى بالمورثات, وهي المسئولة عن انتقال الصفات الوراثية من الاب والام والاجيال السابقة الى الفرد.

معنى البيئة:
ليس المقصود بالبيئة, البيئة الجغرافية أو مكان السكن, وانما يقصد بها البيئة السيكولوجية, وهي مجموع المثيرات التي يتعرض لها الفرد طوال حياته, أي من بدء وجوده في الحم كبويضة مخصبة, حيث بداية الحياة, حتى مماته.
ولا يبدأ مفعول البيئة بعد الولادة فقط , وانما يبدأ تأثيرها مع بدء وجود الجنين في الرحم, فقد ثبت أهمية البيئة قبل الولادة في تحديد نمو الفرد. فأساليب التغذية وأنواعها ونظامها والشروط الفيزيقية والنفسية للأم , تحدث تأثيرات على نمو الجنين وحياته فيما بعد.
دراسة التوائم:
تعتبر دراسة التوائم من أهم الطرق التي استخدمت لدراسة أثر البيئة والوراثة في تحديد مستويات الافراد وسماتهم الانفعالية وغيرها. فالتوائم المتماثلة تقدم لنا الفرصة الوحيدة, التي يمكن ان ندرس فيها فردين لهما تكوين ورثي متماثل تماما. فالتوائم المتماثلة تنتج من بويضة واحدة ملقحه, تنقسم الى جزأين عند الانقسام الاول للخلية. وبذلك يكون للتوأمين نفس التركيبة من الجينات, أي أنهما يتماثلان في جميع صفاتهما الوراثية. اما التوائم غير المتماثلة فهي تنشأ من بويضتين اثنتين ملقحتين.
ودرجة التشابه في خصائصهما الوراثية لا تختلف عن درجة التشابه بين الاشقاء العاديين. وتعرف التوائم المتماثلة, عن طريق اجراء بعض الاختبارات العلمية على عدد من الخصائص الفيزيقية التي تتحدد بالوراثة، مثل فصيلة الدم، وبصمات الأصابع، وتركيب الشعر والجلد، ولون العينين.
وفي دراسة أثر الوراثة والبيئة، استخدمت أنماط متعددة من البحث على التوائم، ويختلف البحث باختلاف المشكلة التي يواجهها الباحث. فإذا كان الباحث يهدف إلى الكشف عن أثر، فإنه يعمل على تثبيت عامل الوراثة، ويتم ذلك عن طريق مقارنة توأمين متماثلين ثم فصلهما بعد الولادة، حيث نشأ في بيئتين مختلفتين. أما إذا كان هدف الباحث معرفة أثر الوراثة، فإنه يدرس فردين، يختلفان في صفاتهما الوراثية، ولكنها يعيشان في بيئة واحدة. وهنا تتم المقارنة بينهما وبين التوائم المتماثلة التي ربيت معا، وبذلك يمكن رد الفرق الذي يوجد في درجة التشابه إلى أثر الوراثة. وسنعرض فيما يلي أمثلة لبعض هذه الدراسات.
قام نيومان وفريمان وهولزنجر (1937) بدراسة شاملة على 19 زوجاً من التوائم المتماثلة، التي ربيت في بيئات مختلفة، ويوضح الجدول رقم (1) متوسط الفروق التي وجدت بين كل زوج من التوائم المتماثلة، مقارناً بمتوسط الفروق التي وجدت بين التوائم غير المتماثلة.


جدول رقم (1) متوسط الفروق بين التوائم
الصفة التوائم غير المتماثلة توائم متماثلة ربيت معا توائم متماثلة ربيت في بيئات مختلفة
الطول بالسنتيمتر 4.4 1.7 1.8
الوزن بالرطل 10.0 4.1 9.9
نسبة الذكاء 9.9 5.9 8.2


ويوضح الجدول رقم (2) معاملات الارتباط بالنسبة لهذه الصفات.
جدول رقم (2) معاملات الارتباط بين التوائم
الصفة التوائم غير متماثلة توائم متماثلة ربيت معا توائم متماثلة ربيت في بيئات مختلفة
الطول 0.65 0.92 0.97
الوزن 0.63 0.92 0.79
نسبة 0.63 0.88 0.77

ويتضح من الجدولين السابقين، أن الفروق البيئية ليس لها أثر كبير على الصفات المختلفة، وأن أقلها تأثراً بالبيئة والوزن، بينما أكثرها الذكاء. إلا أن مدى هذا التأثير لازال ضئيلاً.
إلا انه بدراسة الفروق بين كل زوج من التوائم على حدة, وجدت فروق كبيرة في نسبة الذكاء في بعض الحالات.
ومهما يكن فإننا يمكن ان نخرج بنتيجتين أساسيتين من البحث على التوائم وهما:
1- ان الفروق الكبيرة في ظروف البيئة, وظروف التنشئة والتربية يمكن ان تنتج فروقاً جوهرية في الذكاء.
2- ان الفروق العقلية التي نلاحظها في المجتمع ككل , أكبر من ان تفسر على أساس الفروق البيئية وحدها.


دراسة الاطفال في بيوت التبني والمؤسسات:
لما كانت حالات التوائم المتماثلة, وخاصة التي تم فصلها في الطفولة المبكرة, نادرة نسبياً, لجأ العلماء الى الحصول على بيانات إضافية عن أثر البيئة, من أنماط أخرى من الدراسات. وقد أجريت مجموعة من البحوث لمعرفة, ماذا يحدث للأطفال الذين يتبنون في منازل جيدة.
والنتيجة المنطقية التي يمكن استخلاصها من هذه الدراسات, ان المنزل الجيد يمكن ان يؤدي الى تحسن ملحوظ في ذكاء الاطفال, ولكنه لا يمكن ان يوصلهم الى مستوى الافراد الذين يتمتعون بوراثة جيدة وبيئة جيدة أيضاً.

بعض الاثار البيئية المحددة:
حاول العلماء دراسة العلاقة بين بعض المتغيرات البيئية المحددة وبين الذكاء ومن هذه الدراسات تلك المحاولات التي اجريت بهدف الكشف عن العلاقة بين المستوى الاقتصادي – الاجتماعي للاسرة وبين ذكاء الطفل , وقد استخدم العلماء في تقدير المستوى الاقتصادي- الاجتماعي , مقياسا يعطي وزنا اكبر لمهنة الوالدين ودخل الاسرة وبعض النواحي الاخرى مثل المميزات الثقافية للمنزل.
كما درست بعض المتغيرات البيئية الاخرى المحددة في علاقتها بالذكاء مثل الاتجاهات والقيم السائدة في الاسرة
مهن الوالدين :
من أشهر الدراسات التي أجريت في هذا الموضوع بحث طومسون ود تناول فيه اكثر من 100 فئة مهنية وكانت النتائج التي توصل اليها فيما يتعلق بمتوسطات نسب ذكاء الاطفال بعض هذه المهن كما يأتي:
رجال الدين 121
المهنيون 112
رجال التجارة والأعمال 110-105
العمال الصناعيون 103-100
العمال المهرة والزراعيون 98-96
العمال غير المهرة 91


مستوى تعليم الآباء :-

كذلك اهتمت بعض الدراسات ببحث العلاقة بين مستوى تعليم الوالدين وذكاء الأطفال , ومن هذه الدراسات ما قامت به بيلي من دراسة العلاقات بين مستوى التعليم الرسمي الذي تلقاه الآباء . وبين ذكاء أطفالهم , وقد تبين من هذه الدراسة وجود ارتباط مرتفع بين مستوى تعليم الآباء وذكاء الأبناء وخاصة بعد سن 5 سنوات .

المستوى الاقتصادي الاجتماعي :-

descriptionالفروق الفردية Emptyرد: الفروق الفردية

more_horiz
أثبتت الدراسات التي أجريت على العلاقة بين المستوى الاقتصادي الاجتماعي للأسرة وبين ذكاء الأطفال , وجود ارتباطات دالة تراوحت بين 0.35 , 0.40 للمفحوصين من سن 3 سنوات حتى 18 سنة . وبصفة عامة كانت الارتباطات أعلى بالنسبة للاختبارات اللفظية الأكاديمية , وأقل بالنسبة للاختبارات غير اللفظية . وتؤكد هذه النتائج الدراسات المتعددة التي حاولت إيجاد الفروق بين نسبة ذكاء أطفال الطبقات الاجتماعية المختلفة , فقد سجل الباحثون منذ بداية البحث في النشاط العقلي وحتى الآن وجود فروق بين متوسط نسب الذكاء في الجماعات ذات المستويات الاقتصادية الاجتماعية المختلفة .

الريف والحضر :-
تعتبر البحوث التي حاولت الكشف عن الفروق في نسب الذكاء بين سكان الريف وسكان الحضر , من أهم البحوث المقارنة التي توضح أثر الظروف البيئية في الفروق الفردية . وقد كشفت المقارنات التي أجريت بين الفئات المهنية المختلفة أثناء الحربين العالميتين , أن نسب ذكاء أصحاب الأراضي وعمال الزراعة كانت منخفضة نسبياً بين قائمة المهن الأخرى .

التعليم :-

أن حقيقة وجود فروق فردية في الذكاء مرتبطة بمقدار التعليم الرسمي الذي حصل عليه الأفراد , ثبتت أهمية التعليم المدرسي في تحديد الفروق الفردية , فقد أثبتت دراسات متعددة مثل بحث سميث ( 1924) وبحث هويلر ( 1942) أن مستوى الذكاء في مجتمع الأطفال في سن المدرسة يرتفع في الإقليم , إذا ما حدث تحسن واضح في الفرص التعليمية المتاحة في هذا الإقليم أو الحي .
ويؤكد أثر التعليم أيضا الدراسات التي أوضحت أن كثيرا من الأفراد الذين كانوا يطلق عليهم متخلفون عقليا استطاعوا أن يعملوا كمواطنين أسوياء في مجتمعاتهم بعد تلقيهم النوع المناسب من التعليم .

وهكذا يتضح من استعراضنا لهذه الدراسات حقيقة هامة , وهي أنه على الرغم من أن الوراثة تلعب دورا في تحديد الفروق بين الأفراد وبالتالي في تحديد ذكائهم , فإن الباحثين يتفقون جميعا على تأثر النمو العقلي للطفل بالخصائص والمؤثرات البيئية التي ينشأ فيها الطفل تأثرا كبيرا . فالحرمان الثقافي , وقلة الاستثارة البيئية التي يتعرض لها الطفل , خاصة في طفولته المبكرة , وقلة الفرص التعليمية المتاحة . من العوامل التي تعوق النمو العقلي , كما أن تحسين هذه الظروف يساعد على تنمية ذكاء الأطفال . والفروق الكبيرة في الظروف البيئية وظروف التنشئة والتربية التي يمر بها الأفراد , تعتبر مصدرا أساسيا للفروق بينهم في الذكاء وفي مختلف السمات النفسية .
وإذا كان تحسين ذكاء الأفراد ورفع مستواهم العقلي عن طريق التحكم في العوامل الوراثية أمرا عسير التحقيق , إن لم يكن مستحيلا , فإن ذلك يمكن أن يتم عن طريق توفير الظروف البيئية والثقافية المناسبة لتنمية الذكاء والقدرات العقلية . وإلى هذا الاتجاه ينبغي أن توجه كل الجهود الإمكانيات .

ثبات نسبة الذكاء :-
ربما كان من المشكلات التي أثارت ولا زالت تثير الجدل مشكلة ثبات نسبة الذكاء . فهل الدرجة التي يحصل عليها الفرد في مقياس للذكاء في سن معينة يمكن أن تتنبأ بشكل جيد بدرجته في سن متأخرة ؟ بعبارة أخرى , هل يتغير وضع الفرد بالنسبة لأقرانه في الذكاء مع مرور الوقت , أم يظل هذا الوضع ثابتا ؟ أي هل يتغير مستوى ذكاء الفرد بالمقارنة بأقرانه بزيادة العمر ؟ .
إن الإجابة على هذا السؤال ذات أهمية كبيرة , نتيجة لما لها من تضمينات نظرية وتطبيقية . فمن الناحية النظرية , يمكن أن تمدنا ببعض البيانات عن مدى ما تسهم به العوامل البيئية في تنمية الذكاء , ومن الناحية العملية التطبيقية في تحديد ما إذا كان ممكنا رفع مستوى ذكاء الأفراد , أي مستوى الثروة العقلية في المجتمع , أم أن ذلك أمر مستحيل .

لقد ساد اعتقاد بين علماء النفس لفترة طويلة ( وربما بين عامة الناس حتى الآن ) خلاصته أنه طالما أن نسبة الذكاء مؤشر مستقل عن العمر , فإنها تظل ثابتة دائما , ما لم يحدث إصابة للجهاز العصبي , ومع الأخذ في الاعتبار أخطاء القياس . وقد كان لهذا الاعتقاد مصدر أساسي , وهي فكرة أشاعها جودارد , ولكن لم تؤديها البحوث حتى اليوم , وهي أن الفروق في الذكاء تعتمد كلية على الفروق الوراثية .
تبين نتائج الدراسات أن الاختبارات التي طبقت على الأطفال في العام الأول وحتى سنة ونصف من عمرهم , لا قيمة لها في التنبؤ بذكاء الطفل فيما بعد . فقد كانت الارتباطات بين درجات الأطفال في هذه السن ودرجاتهم في اختبارات الذكاء في الأعمار التالية , ارتباطات صفرية , بل كانت تميل لأن تكون سالبة أكثر منها موجبة .

والنتيجة الهامة الثانية أن درجة الارتباط بين اختبارات الذكاء التي طبقت في مستويات عمرية مختلفة تعتمد على السن الذي تم فيه القياس الأول , وعلى طول المدة بين التطبيقين . فمثلا كان الارتباط بين درجات الأطفال في العمرين 2و5 سنوات ارتباطا ضعيفا , لا يزيد على 0.32 ولكن في فترة زمنية متأخرة , مابين سن 3 وسن 0.34 فقط . بعبارة أخرى , كانت الارتباطات بين الأعمار المتقاربة مرتفعة حتى في الطفولة المبكرة . وهكذا نجد أنه يمكن أن نلخص بأنه :-
1/ كلما قل الفاصل الزمني بين التطبيقين , كلما كان الارتباط بين درجات الاختبارين أقوى .
2/ كلما كان الأطفال أكبر سنا , كلما كان الارتباط أكبر أيضا .

وقد حاول بعض الباحثين تفسير عدم الثبات النسبي لدرجات الأطفال الصغار جدا في الذكاء . ولعل من أكثر التفسيرات شيوعا , أن اختبارات الذكاء تقيس مهارات مختلفة في الطفولة المبكرة عنها في الطفولة المتأخرة . فالأسئلة التي تقيس المهارات الحس_حركية والتي تشكل قدرا كبيرا من اختبارات ذكاء الأطفال الصغار تختلف اختلافا تاما عن الأسئلة اللفظية التي تستخدم في قياس ذكاء الأطفال في المراحل العمرية التالية .
ومن هنا يلخص العديد من الباحثين إلى أن ذكاء الأفراد يتصف بالثبات النسبي طيلة حياتهم , وأن البرامج المكثفة والتي تستمر فترات قصيرة من الوقت لا تعطي تأثيرا طويل المدى فيما يتعلق بزيادة درجات الأطفال في الذكاء . ومع ذلك فإن نسبة الذكاء يمكن أن تتغير نتيجة للتأثيرات التراكمية للتعليم المدرسي خاصة بالنسبة للأطفال الذين ينتمون إلى بيئات محرومة ثقافيا , أو نتيجة لتغيرات كبيرة في ظروف حياتهم وتنشئتهم الأسرية .

خلاصة الفصل :-
يعتبر تحديد العوامل الأساسية التي تؤثر في الفروق الفردية , من المشكلات التي أثارت مناقشات نظرية وفلسفية طويلة , وقد تركز الجدل فترة طويلة على الدور الذي تلعبه كل من الوراثة والبيئة في تحديد الفروق بين الأفراد .
وقد حددت الوراثة بأنها انتقال الصفات من الآباء والأجداد إلى الأبناء عن طريق المورثات أثناء تكوين البويضة المخصبة . أما البيئة فقد حددت بأنها مجموع المثيرات التي يتعرض لها الفرد طوال حياته .
وقد استخدمت مناهج متعددة في دراسة أثر كل من الوراثة والبيئة دراسة موضوعية . ومن أهم هذه الطرق المقارنة بين التوائم المتماثلة وغير المتماثلة , وقد كانت معظم النتائج تؤكد الدور الأكبر للعوامل الوراثية في تحديد الفروق بين الأفراد.
على أن هذه النتيجة يجب أن ننظر إليها بحذر شديد, فتربية التوأمين بعيدا عن بعضهما لا يعني بالضرورة أنهما يعيشان في بيئتين مختلفتين اختلافا كبيرا .
وقد أجريت دراسات أخرى على الأطفال في بيوت التبني والمؤسسات , وقد أثبتت هذه الدراسات أن البيئة الجيدة تساعد على النمو العقلي للأطفال .
كذلك تناولت بعض الأبحاث بالدراسة العلاقة بين ذكاء الأطفال وبين بعض الظروف البيئية المحددة مثل مهن الوالدين , مستوى تعليم الآباء , والمستوى الاقتصادي _ الاجتماعي للأسرة كما أجريت مقارنات بين سكان الريف والحضر لكشف عن الفروق في الذكاء , كما درست العلاقة بين مستوى التعليم الذي حصل عليه الأفراد ومستوى ذكائهم , وكانت النتائج كلها مؤيدة للأثر الهام الذي تلعبه العوامل البيئية في تحديد الفروق بين الأفراد .
وهكذا اتضح لنا أنه على الرغم من أن الوراثة تلعب دورا في تحديد الفروق بين الأفراد , وبالتالي في تحديد ذكائهم , فإن الباحثين يتفقون على تأثر النمو العقلي ونسبة الذكاء تأثرا كبيرا بالخصائص والظروف البيئية التي ينشأ فيها الطفل .
أما فيما يتعلق بثبات نسبة الذكاء , فقد أثبتت البحوث أنها تتميز بالثبات النسبي , على الرغم من أن برامج الإثراء يمكن أن يكون لها تأثير في زيادة نسبة ذكاء الأطفال , كما أن الآثار التراكمية للتعليم المدرسي , يمكن أن يكون لها تأثير في رفع نسبة الذكاء , خاصة بالنسبة للأطفال الذين يأتون من بيئات محرومة ثقافيا .





الفصل الثالث
معني الذكاء
مقدمة:
لم يحظ موضوع بالدراسة في ميدان الفروق مثل موضوع الذكاء. فقد كانت الدراسات الأولي في سيكولوجية الفروق الفردية تدور حول الفروق في الذكاء ، كما  أن نشأة القياس النفسي وتطوره كانت، في ميدان الذكاء. حتي أن علماء النفس ظلوا لفترة من الوقت يسلكون في بحوثهم ، كما لو كانت الفروق في الذكاء هي الفروق الوحيدة الموجودة بين الناس ، ولما ثبت خطأ هذا الأفتراض ، نقلت الطرق التي اتبعت في أعداد اختبارات الذكاء إلى إعداداختبارات الذكاء إلى إعداد اختبارات القدرات الأخري وسمات الشخصية.
وعلى الرغم مما تجمع لدينا من معلومات نتيجة لتقدم حركة القياس العقلي، وعلى الرغم من أن طبيعة الذكاء كانت موضوع تأمل ومناقشة لسنوات طويلة من رجال التربية وعلماء النفس والوراثة  والاجتماع ، فإنه لا يوجد اتفاق على طبيعة الذكاء ، أو على تحديد     واحد متفق عليه، لمفهومه ومعناه ، فالوضع بالنسبة لتعريف الذكاء ما زال كما كان عليه منذ ثمانين عاما تقريبا. وتلك المشكلة منهجية خطيرة ، ذلك أن التنوع والاختلاف في فهم طبيعة الذكاء ، يؤدي بالضرورة إلى الاختلاف في كيفية دراسته وقياسة ، ولا يقلل من خطورتها ما يقال ، من أن التعريف الواضح الدقيق لأي سمة من السمات ، إنما يأتي قياسها ودراستها .
وقد يرجع هذا الاختلاف في تعريف الذكاء، إلى أن الذكاء ليس ماديا محسوسا كما أنه لا يقاس قياسا مباشراً ، وقد يرجع إلي أن العلماء تناولوه من زوايا ومنطلقات مختلفة ، وسنحاول أن نعرض فيما يلي أهم الإتجاهات التي ظهرت منذ نشأة مفهوم الذكاء وخلال تطوره ، والتي حاولت أن تقدم تحديداً له ، أو تفسيرا لطبيعته.
المفهوم الفلسفي للذكاء
إن مصطلح الذكاء أقدم في نشأته من علم النفس ودراساته التجريبية. فقد أشار بيرت Burt إلى أن مصطلح الذكاء intelligence  يرجع إلى الكلمة اللاتنية Intelligentia ، والتي ابتكرها الفليسوف الروماني سيشرون. ولهذا فإن تناول النشاط العقلي لم يكن قاصرا على علماء النفس، وإنما تناوله الفلاسفة قبلهم، وكان منهجهم في ذلك ، هو منهج التأمل العقلي أو الاستيطان .
ولعل أول ملاحظة لتناول النشاط العقلي بالتحليل ، ترجع إلى الفيلسوف اليوناني أفلاطون، فقد توصل أفلاطون نتيجة تأملاته إلى تقسيم النفس الإنسانية إلى ثلاثة مكونات أو ثلاثة مظاهر رئيسية: العقل والشهوة والغضب ، وتقابل هذه  المظاهر فى علم النفس الحديث الإدراك ، وهو الذي يؤكد الناحية المعرفية لنشاط الإنسان، والانفعال أو الوجدان وهو الذي يؤكد الناحية العاطفية، والنزوع وهو الذي يؤكد الفعل، وقد شبه أفلاطون في أحدى محاوراته قوى العقل بعربة يقودها سائق ما هر هو العقل ، ويجرها جودان هما الإشارة والرغبة.
أما أرسطو ، فقد أضاف إسهاما آخر ، فكما يشير بيرت ، قابل أرسطو بين النشاط العقلي أو الملموس ( وهو ما يعرف في الفلسفة بالوجود بالفعل، وبين الإمكانية المحتملة ( وهو الوجود بالقوة التي يعتمد عليها النشاط الفعلي ، وهي تحمل معنى مصطلح القدرة في علم النفس الحديث. أما التقسيم الثلاثي لقوى العقل الذي قدمه أفلاطون فقد أختزله أرسطو إلى مظهرين رئيسين فقط، الأول عقلي معرفي ، والثاني خلقي أنفعالي.
وهكذا نجد أن الفلسفة اليونانية القديمة ، قد أكدت على أهمية الناحية الادراكية في النشاط العقلي للفرد. ثم أتى شيشرون ، ليقدم مصطلح  الذكاء كتسمية لهذا النشاط العقلي ، كما ترجم أيضا مصطلح الاستعداد أو القدرة إلى اللغة اللاتينية ، ثم انتقلت هذه المصطلحات غلى اللغات الأوربية الحديثة ، فأثرت في الفلسفة الإسلامية وفي العصور الوسطي في أوربا ، واعتبر العقل أو الذهن الخاصية المشتركة في الإنسان، والتي تميزه عن الحيوان.
وعلى الرغم من أن هذه التصورات الفلسفية قد أكدت أهمية الناحية الإدراكية في النشاط العقلي ، إلا أن الأفكار التي ظهرت فيها لا يمكن الأخذ دون إخضاعها للدراسة العلمية ، التي تعتمد على التجربة والقياس.
المفهوم البيولوجي للذكاء
أشار سبيرمان إلى أن الفضل في إدخال مصطلح الذكاء في علم النفس الحديث يرجع إلى هربرت سبنسر Spencer في أواخر القرن التاسع عشر. فقد حدد سبنسر الحياة بأنها التكيف المستمر للعلاقات الداخلية مع العلاقات الخارجية ، ويتم التكيف لدي الحيوانات الدنيا بفضل الغرائز، أما لدي الإنسان فإنه يتحقق بواسطة الذكاء وبهذا يري سبنسر أن الوظيفة الرئيسية للذكاء هي تمكين الإنسان من التكيف الصحيح مع بيئته المعقدة والدائمة التغيير.
ونظرا لن سبنسر كان متأثرا إلى حد بعيد بنظرية الرتطور ، فقد قرر أنه خلال تطور المملكة الحيوانية ، وأثناء نمو الطفل ، يحدث تمايز في القدرة المعرفية الأساسية، فتتحول إلى تنظيم هرمي من القدرات الأكثر تخصصا: الحسية والإدراكية والترابطية وغيرها، شأنها في ذلك شأن جذع الشجرة ، الذي يتفرع إلى أغصان عديدة. ويتفق سبنسر مع الاتجاهات الفلسفية القديمة من حيث تمييزه بينم مظهرين رئيسين للحياة العقلية : الجانب المعرفي والجانب الوجداني أو الانفعالي ويتمن الجانب المعرفي عملييتين رئيسيتين : التحليل أو التميز الذى يتمثل في القدرة على التمييز بين الأشياء وإدراك أوجه الاختلاف بينها ، وعملية التركيب أو التكامل، وهي إعادة تكوين الأشياء في مركب جديد.
وقد أكدت البحوث الإكلينيكية، ودراسات علم النفس المقارن ، والدراسات التجريبية الفسيولوجية أهمية التنظيم الهرمي التكاملي لوظائف الجهاز العصبي، وهي تلك الوظائف التي تنبع من النشاط العقلي العام، ثم تتشعب أثناء نموها الى نواحيها المتخصصة المتنوعة.
وقد حاول بعض العلماء الذين ساروا في ذات الاتجاه ، تفسير الذكاء تفسيرا فسيولوجيا ، برده إلي نشاط الجهاز اللعصبي ، ومن هؤلاء علي سبيل المثال ثورنديك الذي حاول أن يفسر الذكاءؤ في عبارات الوصلات أوة الروابط العصبية التي تصل بين خلايا المخ فتؤلف منها شبكة متصلة ، وبقدر عدد هذه الروابط بقدر ما يكون ذكاء الإنسان.
وهكذا نجد أن هؤلاء العلماء يحاولون الربط بين الذكاء وبين التكوين العضوي للكائن الحي، فالكائنات الحية تختلف في إمكانياتها السلوكية باختلاف موضعها في سلم الترقي للسلسلة الحيوانية ، وكلما زاد تعقد الكائن الحي ، وبوجه خاص ، تعقيد جهازه العصبي ، كلما زادت قدرته علي التكيف مع البيئة وتعلم أعمال جديدة.
ومعني هذا أن الذكاء ، كإمكانية نمط معين من السلوك الكامن في التكوين الجسمي للكائن الحي ، موروث وليس مكتسبا ، إذ أنه يتحدد أساسا بخصائص النوع الذي ينتمي إليه الكائن ، ويمكن أن يتخذ من ظهور الجهاز العصبي ودرجة تعقيده معيارا لذكاء الكائن الحي، ولما كان الإنسان يتميز بجهازه العصبي الأكثر تعقيداً  فهو بذلك أذكي الكائنات الحية.
المفهوم الاجتماعي للذكاء:
إن الإنسان لا يعيش في فراغ ، وإنما يعيش في مجتمع يتأثر به ويؤثر فيه. ولكل مجتمع حضارته بجانبيها المادي والروحي، ولكل مجتمع عاداته وتقاليده في التفكير وأساليب السلوك.
ولهذا فقد حاول بعض العلماء ، الربط بين الذكاء وبعض العوامل التي تعتبر نتاجا للتفاعل الاجتماعي ، أو المرتبطة بنظم المجتمع أو مدي نجاح الفرد في هذا المجتمع.
فقد ميز ثورنديك Thorndike ، على سبيل المثال ، بين ثلاثة أنواع أو مظاهر للذكاء: الذكاء المجرد ، وهو القدرة على معالجة الألفاظ والرموز، والذكاء الميكانيكي ، وهو القدرة على معالجة الأشياء والمواد العيانية كما يبدو في المهارات اليدوية الميكانيكية ، والذكاء الاجتماعي وهو القدرة على التعامل بفعالية مع الأخرين ، ويتضمن القدرة على فهم الناس والتعامل معهم والتصرف في المواقف الاجتماعية .
كذلك يؤكد بعض العلماء دور الذكاء فى النجاح الاجتماعي ، ويرون أن النجاح في المجتمع يحتاج إلى نسبة عالية من الذكاء .

التعريفات النفسية للذكاء:
حاول الكثير من علماء النفس تعريف الذكاء عن طريق الربط بينه وبين ميدان أو أكثر من ميادين النشاط الإنساني. ، ونتيجة لذلك ، تعددت التعريفات وتنوعت باختلاف الجانب الذي يركز عليه عالم النفس من جوانب النشاط ومن أهم هذه التعريفات :
تعريف بينيه Binet : رغم أن بينيه يعتبر واضع أول اختبار للذكاء ، الا أنه كما قرر بيترسون، لم يضع مطلقا تعريفا محددا للذكاء ، ولكن له بعض الآراء التي تعكس تصوره لطبيعة الذكاء. لقد استبعد بينيه ، كما رأينا سابقاً ، استخدام الاختبارات الحسية والحركية في قياس الذكاء ، وقد ركز في تصوراته المبكرة على التذكر والتخيل. ثم على الانتباه الادارى . إلا أنه تحول فيما بعد إلي التأكيد على التفكير أو عملية حل المشكلات، وحدد فيها ثلاث خطوات : الاتجاه ، والتكيف ، والنقد الذاتي.
الذكاء هو القدرة على التعلم:
لعل من أكثر التعريفات شيوعاً ذلك الذي يعتمد على ربط الذكاء بالقدرة على التعلم . فقد كان واضحا منذ بينيه ، أن الأفراد الذي يحصلون على درجات مرتفعة في اختبارات الذكاء ، يكون تحصيلهم أعلى من أولئك الذين يحصلون على درجات منخفضة في اختبارات الذكاء.
الذكاء هو القدرة على التكيف:
وتوجد مجموعة أخري من التعريفات توحد بين الذكاء وبين القدرة على التكيف أو التوافق مع البيئة التي تحيط بالفرد. ومن أمثلة هذه التعريفات تعرييف جودانف Goodenough بأن الذكاء هو القدرة على الإفادة من الخبرة للتوافق مع المواقف الجديدة ، أو تعريف بنتنر Pintner بأنه قدرة الفرد على التكيف بنجاح مع ما يستجد في الحياة من علاقات.
الذكاء هو القدرة على التفكير:
وتؤكد بعض التعريفات على أهمية التفكير وخاصة التفكير المجرد في تكوين الذكاء، ومن أمثلة ذلك تعريف سبيرمان Spearman بأن الذكاء هو القدرة على إدراك العلاقات ، وخاصة العلاقات الصعبة أو الخفية ، وكذلك القدرة على إدراك المتعلقات.
فعندما يوجد أمام الفرد شيئان أو فكرتان فإنه يدرك العلاقة بينهما مباشرة. وحينما يوجد شيء وعلاقته ، فإن الفرد يفكر مباشرة في الشيء الآخر المرتبط معه بهذه العلاقة.
ومنها أيضا تعريف تيرمان Terman للذكاء بأنه القدرة على التفكير المجرد.
التعريف الإجرائي للذكاء
الواقع أن جميع التعريفات النفسية السابقة تعاني – كما أشار جيلفورد Guilford – من عيب خطير ، هو أنها تحتوي على ألفاظ أو مصطلحات غير محددة ولا يمكن تحديدها غالبا. فمثلا تحتوى على ألفاظ أو مصطلحات غير محددة ولا يمكن تحديدها غالبا. فمثلا تحتوي جميعها على مصطلح القدرة وه في حد ذاته في حاجة إلى تعريف ، فما هو المقصود بالقدرة؟ وما هو المقصود بالتكيف أو التفكير ؟
إن التعريف الجيد هو الذي يفي بشروط الاتصال الجيد، ومن ثم ينبغي أن تشير المصطلحات المستخدمة فيه إلي أشياء موجودة فى الواقع الخارجي.
بعبارة اخري ، التعريف الجيد ينبغي أن يكون تعريفا إجرائيا وهو ذلك التعريف الذي يصاغ في عبارات العمليات التجريبية والإجراءات التي قام بها العالم للحصول على ملاحظاته أو قياسه للظاهرة التي يدرسها. وبهذا يؤكد التعريف الإجرائي لأية ظاهرة ، أهمية الخطوات التي تجري لجمع المعلومات المتصلة بالظاهرة ، كثر مما يهتم بالوصف اللفظي المنطقي لها.
وقد حاول جاريت Garret وضع تعريف إجرائي آخر للذكاء ، فعرفه بأنه القدرة على النجاح في المدرسة أو الكلية وقد دفعة إلى ذلك ، حقيقة أن درجات النجاح في الدراسة كثيرا ما اتخذت أساسا للحكم على صدق اختبارات الذكاء. كما أن له ما يبرره من اعتقاد المعلمين ورجال التربية من أن هناك علاقة قوية بين الذكاء  والتحصيل. إلا أن هذا التعريف يقصر الذكاء على مجال واحد من مجالات النشاط الانساني ، ويوحد بينه وبين ما يعرف بالاستعداد الدراسي.
والواقع أن أكثر التعريفات الاجرائية شيوعا بين علماء النفس يتمثل في تعريف بورنج E. G. Boring حينما قرر أن ... الذكاء كقدرة يمكن قياسها ، ينبغي أن يعرف منذ البداية بأنه القدرة على الأداء الجيد في اختبار الذكاء. وإذاما أعدنا صياغة هذه العبارة في صورة أخري ، فإنها تصبح الذكاء هو ما تقيسة اختبارات الذكاء.
خلاصة الفصل:
حاول الفلاسفة والعلماء تحديد طبيعة الذكاء ووضع تعريف له ، وقد اختلفوا في ذلك ، نتيجة لاختلاف الزوايا التي نظروا منها إليه.
فقد اعتمد الفلاسفة في تناولهم للذكاء ، على منهج التأمل الباطني، وكان أفلاطون أول من تناول النشاط العقلي بالتحليل ، فقسم النفس الانسانية إلى تلاثة مكونات رئيسية: العقل والشهوة والغضب، أما أرسطو فقد ميز بين النشاط العقلي والإمكانية المحتملة ، وهي التي تحمل معني القدرة كما ميز بين مظهرين رئيسين للنفس : المظهر العقلي المعرفي والمظهر الخلقي الانفعالي.
أما الاتجاهات البيولوجية والفسيولوجية فقد كانت متأثرة بنظرية التطور واعتبرت الذكاء وسيلة الإنسان للتكيف مع ظروف البيئة المتغيرة ، وقد أدخل سبنسر فكرة التنظيم الهرمي للقدرات العقلية.
وقد وجد اتجاه ثالث حاول الربط بين الذكاء والحياة الاجتماعية وتأكيد أهمية النجاح الاجتماعي كمحك لذكاء الإنسان.
أما من الناحية النفسية فقد حاول كثير من العلماء تعريف الذكاء برده إلى جانب أو أكثر من جوانب النشاط الإنساني ، فقد عرف الذكاء بأنه  القدرة علي التعلم ، أو بأنه القدرة على التكيف مع البيئة أو بأنه القدرة على التفكير.
إلا أنه وجهت انتقادات كثيرة إلى هذه التعريفات ، وبدأ العلماء يبحثون عن تعريف إجرائي للذكاء ، وقد قدم بورنج هذا التعريف إلي يقرر، أن الذكاء هو ما تقيسه اختبارات الذكاء ، وقد وجه هذا التعريف الباحثين نحو دراسة الاختبارات دراسة علمية دقيقة ، وقد أدي هذا الاتجاه إلى نظريات التكوين العقلي المختلفة.
وقد اختتمنا مناقشة التعريفات المختلفة بتقرير حقيقتين أساسيتين تتعلقان بطبيعة الذكاء وهما: أن الذكاء كما نقيسه صفه وليس شيئا موجودا وجودا حقيقيا، وأنه محصلة للخبرات التعليمية للفرد.
الفصل الرابع
طرق البحث في الذكاء
*مقدمة :
- على الرغم من أن المفكرين قد فطنوا منذ عصر الإنسانية إلى وجود الفروق الفردية بصفة عامة , والفروق بالذكاء بشكل خاص . فإن الدراسة العلمية لهذه الظاهرة , لم تصبح علما له أصوله وقواعده ومناهجه إلا عندما خضعت هذه النواحي للدراسة العلمية الموضوعية ابتداء من أواخر القرن الماضي .
- وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه الموضوعي في دراسة الفروق الفردية في الذكاء أصبح اتجاها عاما بين علما علم النفس فإنهم مازالوا مختلفين بشأن أنسب الطرق لفهم الاختلاف هذه الظاهرة ودراستها دراسة علمية .,ويرجع هذا الاختلاف بالدرجة الأولى  إلى الاختلاف في فهم الظاهرة النفسية , والمنطلقات الفلسفية التي يبدأ منها الباحث .ولعل  الشيء المثير للدهشة , أن نجد أن ميول العلماء المنهجية تكاد تتوزع جغرافيا واضحا , فمعظم العلماء الأميركيين والانجليز يتبعون في دراستهم للفروق في الذكاء ما يعرف بالمنهج الإحصائي , بينما يستخدم جان بياجيه عالم النفس السويسري المشهور والذي يعتبر علامة بارزة في في تاريخ علم النفس في وسط أوربا وفرنسا منهجا مختلفا سمي بالمنهج الإكلينيكي  , وفي روسيا ودول أوربا الشرقية , يميل العلماء إلى استخدام الملاحظة الموضوعية والتجربة في دراسة الذكاء والقدرات العقلية .
- أولاً: المنهج الإحصائي :
- يعتقد علماء النفس الأمريكان والانجليز أن منهج دراسة الفروق الفردية بالذكاء , يجب أن يختلف اختلافا كليا جوهريا عن المنهج التجريبي الذي تعتمد عليه الدراسة العلمية لكثير من الظاهرات النفسية الأخرى , مثل الإدراك والتعلم وغيرها . فالمنهج التجريبي يعتمد على دراسة العلاقة بين المستقلة والمتغيرات التابعة أو بين المثيرات و الاستجابات - أما حينما تصبح الفروق الفردية ذاتها هدفا للدراسة العلمية , فإن المنهج المستخدم يجب أن يختلف, على الباحث أن يستخدم المنهج الإحصائي الذي يهدف إلى دراسة ومعرفة نوع الاحتمالات المختلفة التي تنتظم بها الفروق القائمة بين الأفراد . وهو في دراسته لهذه الفروق لا يحاول الكشف عن العلاقات بين المتغيرات المستقلة والمتغيرات الثابتة ,أو بين المثيرات والاستجابات أنماء يدرس العلاقات القائمة بين مجموعة من المتغيرات التابعة ,أي بين مجموعة من الاستجابات المختلفة , كأن يدرس العلاقة بين أداء الأفراد على اختبار الذكاء , وبين أدائهم على اختبار للتحصيل في مادة الحاسب مثلا و وواضح أن أداء الأفراد في كل من الاختبارين , هو استجابات أو متغيرات , وليست بين مثيرات واستجابات.
- لهذا نجد أن الباحث في دراسته للذكاء  باستخدام المنهج الإحصائي  , يتبع عادة الخطوات التالية :
1- إعداد مجموعة من الاختبارات العقلية , التي تقيس استجابات الأفراد أو أدائهم , في مجموعة من المواقف التي تمثل النشاط العقلي , وعن طريق هذه الاختبارات يحصل الباحث على تقديرات كمية لأداء الأفراد أو استجاباتهم .
2- يطبق الباحث هذه الاختبارات على عينات كبيرة العدد من الأفراد , تمثل المجتمع  الأصل الذي يريد الباحث دراسته .
3- يحسب الباحث العلاقات القائمة بين درجات الأفراد في هذه المتغيرات عن طريق حساب معاملات الارتباط بينهما . ومعامل الارتباط هو , مقياس كمي للعلاقة بين متغيرين , أو تقدير كمي يوضح إلى حد يرتبط التغير في أحدهما بالتغير في الآخر .
4- تنظيم معاملات الارتباط الناتجة في جدول خاص , يعرف بمصفوفة معاملات الارتباط , ثم تخضع مصفوفة معاملات الارتباط لنوع خاص من التحليل الإحصائي يعرف بمنهج التحليل العاملي .

descriptionالفروق الفردية Emptyرد: الفروق الفردية

more_horiz

- فالتحليل العاملي ليس نظرية , وإنماء هو طريقة للتحليل الإحصائي يمكن استخدامها في ميادين متعددة . والعامل أساس لتصنيف المتغيرات .فإذا وجدنا مثلا أن مجموعة من الاختبارات تقيس شيئا واحدا بدرجات مختلفة . وهناء نلجاء إلى تلك الاختبارات للبحث عن الصفة المشتركة بينهما والتي تميزها عن غيرها من الاختبارات . فإذا وجدنا مثلا , أن مجموعة الاختبارات المشبعة بعامل واحد , تشابه في أنها جميعا تعتمد على التعامل مع الأعداد , بصرف النظر عن الاختلاف الموجود بينها , فيما يتعلق بنوع وطبيعة العمليات الحسابية المتضمنة فيها , و أن الاختبارات الأخرى غير المشبعة بهذه العامل لا تتضمن تعاملا مع الأعداد , فإننا نستدل من هذا , على أن العامل المسئول عن الارتباط الموجب بين مجموعة الاختبارات هو القدرة على العددية , وفي هذه الحالة نكون قد فسرنا العامل تفسيرا نفسيا .
- وعلى هذا , فالتحليل العاملي وسيلة إحصائية للحصول على وصف مختصر بسيط للظواهر , والفروق بين الأفراد فيها .
إذ أن عدد المتغيرات التي نصفها نصف ضوء النشاط العقلي , تختصر إلى عدد أصغر نسبيا من العوامل المشتركة . وبذلك يمكن وصف الفرد في ضوء درجاته في عدد قليل من العوامل . ويرى علماء النفس الأميركيين والانجليز أن لمنهج التحليل العاملي فوائد ومميزات أساسية فيما يلي , كما عبر عنها جيلفورد أحد علماء النفي الأميركيين البارزين بأنها :
1- الاقتصاد في عدد المتغيرات :
2- يعطي قدرا أكبر من المعلومات :
3- يعطي مفهوما أوسع لمفهوم الذكاء :
4- تمدنا العوامل بإطار مرجعي :


-هذا المنهج الإحصائي , والذي يعتمد على أساسا على التحليل العاملي , نشأ وتطور في إطار دراسة الفروق الفردية في الذكاء . ونتيجة لاستخدامه بواسطة علماء النفس الإنجليز و الأمريكيين ظهرت عدة نظريات عن التكوين العقلي للإنسان نتناولها بشكل من التفصيل فيما بعد .

-ثانياً: المنهج الأكلينيكي :
- لم يكن اهتمام بياجيه منصبا على دراسة الفروق الكمية في الذكاء بين الأطفال أو بين الراشدين , وإنما اهتم أساسا بالمتغيرات الكيفية (النوعية ) التي تحدث في النشاط العقلي للطفل , وفي تفكيره , مع مراحل النمو المختلفة . فقد كان اعتقاد الراسخ , أن فهم سلوك الكبار وتفكيرهم لا يمكن أن يتم دون فهم المتغيرات النمائية , التي تحدث في الوظائف والأبنية العقلية للطفل منذ ميلاده حتى يبل مرحلة النضج العقلي . ولم يتصور النمو له=عقلي على انه زيادة في مقدار الذكاء أو كمه عند الطفل , وإنما تصوره على أنه زيادة تعقيده في التراكيب العقلية , تصاحبه تغيرات كيفيه في النشاط العقلي . ومن هنا لم يهتم بياجيه بإعداد اختبارات مقننة للحصول على تقديرات كمية لذكاء الأطفال , ولا بمعالجة النتائج معالجة إحصائية , وإنماء بالوصف اللفظي التفصيلي لتفكير الطفل .
- ولقد سمي منهج بياجيه بالمنهج الكلنيكي نظرا لأن دراساته كانت شبيهة في طريقتها بما يحدث بالعيادات النفسية . فقد كانت ملاحظاته للأطفال تتم بدلا من أن بطريقة تجريبية مضبوطة .فقد كان يلاحظ الطفل غالبا في مواقف طبيعية , في المنزل أو المعمل على حد سواء , وكان يعطي الأطفال الكبار نسبيا في السن , مشكلات بسيطة لكي يحلوها وفقا لدرجة نموهم , ويشجعهم على الحديث , ويوجه إليهم بعض الأسئلة . وبيانات بياجيه , مكتوبة عادة في شكل تقارير وصفيه , دون معالجة إحصائية , كتلك التي يقوم بها الباحثون التجريبيون غالبا .
وقد اختار بياجيه هذا المنهج في دراسة الذكاء والنمو العقلي للأطفال , لاعتقاده بأنه السبيل الوحيد لفهم الأبنية العقلية لدى الطفل , فعندما يوجه الباحث سوالأ للطفل , أو يضع أمامه مشكلة ما , يستطيع أن يتتبع تفكيره أينما ذهب إذ ليس الأمر كما هو الحال في المقابلة المقننة , التي يكون الباحث فيها ملزما بتوجيه الطفل عدد معين من الأسئلة , وبترتيب واحد محدد مسبقا , بصرف النظر عن إجابات الطفل , أو ما يصدر عنه من تعليقات , وإنما يستطيع الباحث أن يوجه من الأسئلة إلى الطفل ,مايراه مناسبا وكما يستطيع أن ينتقل من موضوع لأخر , وفقا لاستجاباته , وتبعا لما يراه المجرب , بخبرته , مع أنه السبيل الأفضل لفهم تفكير الطفل , وطريقة حله للمشكلات . أن هذا المنهج , ليس الهدف منه قياس ما يستطيع الطفل عمله , أو ما يعرفه الطفل فعلا , والتعبير عن ذلك تعبيرا كميا في صورة درجه أو ما شابهها , وإنما الهدف منه فهم الميكانيزمات العقلية التي تستخدم في التفكير وحل المشكلات ,الهدف هو التعمق فيما وراء الإجابات الظاهرة أو النهائية للطفل .
-أهم الفروق التي تميز منهج بياجيه عن المنهج الإحصائي :
1- الأداة التي يعتمد عليها المنهج الإحصائي في جمع البيانات هي الاختبارات الموضوعية أو المقننة التي تطبق على جميع الأفراد وفي شروط مضبوطة . أما بياجيه فيعتمد في جمع بياناته على ملاحظات غير رسمية لنشاط الطفل , وحلول لبعض المشكلات البسيطة التي يقدمها له, مع قدر ضئيل من الضبط التجريبي .
2- يهتم الباحث في المنهج الإحصائي بما يستطيع الطفل عمله أو ما يعرفه ,متمثلا في عدد الإجابات الصحيحة على أسئلة الاختبار , دون الاهتمام بكيفية وصول الميكانيزمات العقلية التي تستخدم في التفكير وحل المشكلات , أي أنه يهتم أساسا بطريق ة الوصول إلى الحل , سواء كان هذا الحل صحيحا أو خاطئا , دون اهتمام كبير بكمية الإجابات الصحيحة .
3-يحصل الباحث في المنهج الإحصائي , على بياناته بتطبيق الاختبارات على عينات من الأفراد كبيرة العدد , وكلما زاد عدد العينة زاد حجم العينة وتمثيلها للمجتمع الأصلي , كلما كانت الثقة في نتائجه أكثر . أما بياجيه , فكان يجمع بياناته من ملاحظة عدد قليل من جدا من الأطفال , وربما من ملاحظة طفل واحد , وقد يكرر هذه الملاحظات على عدد قليل آخر من الأطفال .
4-يخضع الباحث في المنهج الإحصائي بياناته الكمية لمعالجة إحصائية معقدة , ويعرض نتائجه في صورة معاملات إحصائية ,أما بياجية فلا يهتم بالمعالجة نتائجه الإحصائية مطلقا ,ذلك أن نتائجه الأصلية ليست بيانات كمية , كما أنه يعرض نتائجه في صورة تقارير لفظية أو وصفية مفصلة (بروتوكولات) .
- ونتيجة لاستخدام بياجيه ومعاونيه لهذا المنهج الأكلنيكي في دراسة الذكاء تراكمت لدينا ذخيرة ضخمة من الكتب والتقارير والمقالات , الفريد من نوعها , وفي معالجاتها لموضوع الذكاء والنمو العقلي .
ثالثاً:الملاحظة التجربة :
- ثمة طائفة أخرى من علماء النفس , تتركز أساسا في روسيا ودول أوربا الشرقية , تتبع في دراسة الذكاء ذات المنهج الذي تتبعه في دراسة الظاهرات النفسية الأخرى , وهو الذي يعتمد أساسا على الملاحظة الموضوعية التجريبية .
- والواقع أن استخدام علماء النفس السوفيت لهذا المنهج في دراسة الذكاء والقدرات العقلية , لم يكن موجودا قبل الأربعينيات , ففي العشرينيات والثلاثينيات لم تكن تختلف دراسة الذكاء والفروق الفردية في الاتحاد السوفيتي عنها في أمريكيا وانجلترا . إذ كما سنوضح في عرضنا لأفكارهم لنظرية فيما بعد . اعتمدوا على في دراساتهم على آنذاك على الاختبارات والمقاييس , بل وكانوا يستخدمون هذه المقاييس في أغراض الانتقاء والتوجيه المهني , وتحديد الصلاحية المهنية على نطاق واسع , سواء في القوات المسلحة أو في المؤسسات المدنية المختلفة .إلا أن الأخطاء التي ترتبت على هذا الاستخدام الواسع للمقاييس والاختبارات في الأغراض العملية التطبيقية , أدت إلى اتخاذ قرار سياسي عام 1936م وينبه إلى أخطاء القياس العقلي والنفسي ويحذر من أخطاره على البناء الاشتراكي .

نقد القياس العقلي :
وعلى الرغم من أن بعض العلماء السوفيت ، كانوا قد بدؤوا قبل هذا التاريخ يشككون في قيمة القياس العقلي ، والاعتماد عليه كوسيلة وحيدة لدراسة الذكاء والقدرات العقلية ، فإن القرار المشار إليه كان نقطة تحول رئيسية في منهج دراسة الذكاء والقدرات العقلية في الاتحاد السوفييتي ، ففي مجال التطبيق العملي توقف استخدام الاختبارات تقريبا , وفي مجال الدراسة النظرية عكف بعض العلماء على إبراز أخطاء القياس ونواحي القصور فيها ، وقد تركزت انتقاداتهم للقياس العقلي فيما يلي :
1- الاختبارات العقلية لا تستطيع أن تمد الباحث إلا بتقدير كمي للنتائج النهائية لحلول الفرد للأسئلة أو المشكلات التي يتضمنها الاختبار ، وبالتالي فهي تصرف الباحث عن الاهتمام بجوهر الظاهرة النفسية ، أو بالطريقة التي تحدث بها عملية حل المشكلة ، سواء أكان الحل صحيحا أو خاطئا
2- لا تعطي الاختبارات العقلية – بسبب تركيزها على النتائج النهائية للنشاط العقلي – إلا تقديرا سطحيا عن مستوى النمو العقلي للفرد . ولكنها لا تعطينا شيئا عن طبيعة التخلف أو التفوق العقلي أو أسبابهما , إنها بذلك تصبح وسيلة فقط لتصنيف الناس , - على سبيل المثال – لا تستطيع الاختبارات أن تحدد أسباب التخلف , وبالتالي لا يمكن أن توضح لنا أي الطرق يمكن أن تستخدم في معالجته بل على العكس من ذلك , يعطي واضع الاختبار أو مستخدمه انطباعا بأنه يقيس عاملا ثابتا , ومن ثم فلا سبيل إلى تغيره , وبناء على هذا الحكم السطحي يتحدد مصير الطفل ن وقد يرسل إلى مؤسسة للمتخلفين عقليا , أو يبعد من المدرسة العادية دون محاولة جادة لاكتشاف الصعوبات أو المشكلات التي أعاقت نموه العقلي , والحديث هنا بطبيعة الحال لا يدور عن الحالات التي يكون السبب فيها نقصا عضويا محددا , وإنما عن تلك الحالات التي يتضح أنها تعاني من تخلف , على الرغم من سلامتها العضوية .
3- يستند القياس العقلي إلى افتراض خاطئ مؤداه , أن الخصائص والوظائف العقلية أشياء ثابتة قائمة بذاتها , يمكن عزل كل منها وقياسها على حدة , ومعنى هذا أن كل سمة مقيسة لا ارتباط لها بظروف نشاط الإنسان أو أهدافه , ولا علاقة لها بالصفات النفسية الأخرى , وخصائص الشخصية ككل , ومن هنا كان افتراض أن الاختبار العقلي يمكن أن يقيس القدرة المعينة وأن يعطينا تقديرا كميا عن مستواها , بصرف النظر عن المتغيرات الأخرى في الشخصية , وهذ افتراض خاطئ ولا يستند إلى أساس علمي .
4- الاختبارات العقلية ( والجمعية بصفة خاصة ) مهما أحسن إعدادها , لا يمكن أن تعطي تقديرا سليما عن ذكاء الفرد , فالمحك الرئيسي للحكم على الذكاء هو مواقف الحياة الفعلية ومشكلاتها , وبديهي أن تصرف الفرد في هذه المواقف يتأثر بمشاعره وانفعالاته . أما في المواقف الاختبارية فإن الفرد يعزل عن جميع العلاقات الاجتماعية وعن المواقف الحقيقية للحياة , بل يحاول الباحث عادة أن يستبعد أي أثر لانفعالات المفحوص ومشاعره . ومن ثم فإن الدرجة التي يحصل عليها الفرد في هذه الاختبارات لا يمكن أن تعبر تعبيرا دقيقا عن تعبيره وقدراته الحقيقية , التي تظهر أثناء مواجهته لمواقف الحياة العادية .


5- يزعم المدافعون عن الاختبارات , أنهم باستخدامها يوفرون الموضوعية المطلوبة في البحث العلمي , والواقع غير ذلك , إذ أن الذاتية موجودة دائما , واستخدام التعبيرات الكمية والمعالجات الإحصائية لا يمكن بحال من الأحوال أن يصلح أخطاء الفقرات التي أعدت بالمحاولة والخطأ , أو يستبعد التصور الذاتي لواضع الاختبار عن الظاهرة المقيسة , وما يترتب على ذلك من انتفاء الموضوعية المزعومة .
6- كان هناك اعتقاد ساد لفترة من الوقت مؤداه أن الاختبارات العقلية تقيس الاستعداد الفطري , دون تدخل العوامل الثقافية أو البيئية , لذلك كان يعتمد عليها في تحديد الصلاحية المهنية , وفي عمليات التوجيه التعليمي والانتقاء المهني , وقد ثبت تهافت هذا الاعتقاد , فالاختبارات العقلية تقيس محصلة الخبرات التعليمية للفرد , ولا يوجد حتى الآن اختبار واحد متحرر تماما من أثر الثقافة , وقد اعترف كثير من علماء النفس الغربيين أيضا بذلك .
7- ونتيجة لتشبع الاختبارات بالعوامل الثقافية , ظهر تحيزها في الاستخدامات العملية التطبيقية ضد أبناء الطبقة العاملة , فالأطفال الذين نشئوا في ظروف صعبة كانوا يحصلون على درجات منخفضة في الذكاء , ومن ثم كانوا يستبعدون من المناصب الهامة , ومن مجالات تعليمية معينة .
ويعني هذا أن الاستخدامات التطبيقية للقياس العقلي , تدعم التفاوت الطبقي بطريق غير مباشر وهو ما يتعارض مع أهداف المجتمع الاشتراكي , وقد كان هذا هو السبب في اتخذا القرار السياسي المشار إليه وتوقف استخدام الاختبارات في عمليات الانتقاء والتوجيه المهني والتعليمي في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية .
8- إن الباحث النفسي باعتماده كلية على القياس العقلي في دراسة الذكاء , يفقد حسه السيكولوجي , ويتحول إلى مجرد كاتب أو آلة تتعامل بالأرقام والمعادلات , دون فهم حقيقي أو اهتمام بالعمليات والظاهرات النفسية الحقيقية .


الملاحظة والتجربة :
يرى علماء النفس في روسيا ودول أوربا الشرقية أن الملاحظة الموضوعية والتجربة هما الطريقتان الرئيستان لدراسة الذكاء والقدرات العقلية . فالبحث العلمي أيا كان نوعه , محاولة هادفة لاكتشاف علاقات السببية بين الظاهرات ولا يمكن أن تتحقق إلا بالملاحظة والتجربة .
ففي الملاحظة يجمع الباحث البيانات عن الظاهرة كما تحدث في الطبيعة , دون تدخل متعمد من جانبه في تغييرها أو تعديلها ، وفي التجربة يتدخل الباحث عن عمد بخلق ظروف معينة تهدف إلى عزل الظاهرة المدروسة عن المتغيرات الأخرى , أو تثبيت هذه المتغيرات بطريقة ما , فيما عدا متغير واحد لكي يستطيع تحديد طبيعة العلاقة بين الظاهرة وهذا المتغير .
وعلى الرغم من اتفاق العلماء الروس على استخدام الملاحظة والتجربة في دراسة القدرات العقلية , نجدهم يختلفون في تحديد أي منهما يجب اتباعه في الوقت الحالي , فمثلا : يرى ليتس أن مستوى معلوماتنا عن الشخصية في الوقت الحالي يوضح بجلاء أن الأولوية للملاحظة الموضوعية في دراسة القدرات . ويشير أنه إذا كان الباحثون متفقون على أن القدرات العقلية ليست كيانات قائمة معطاة للفرد منذ البداية , وإنما هي تكوينات نفسية جديدة تظهر أثناء تفاعل الفرد مع العالم الخارجي ، فإننا في حاجة ملحة إلى جمع بيانات عن نمو هذه القدرات أثناء النشاط الحياتي للأفراد , ولا يتأتى ذلك إلا عن طريق الملاحظة المنظمة للنشاط الفعلي للأفراد أثناء ممارستهم حياتهم العادية , وخاصة في المواقف التعليمية .

وقد اعتمد ليتس ذاته على الملاحظة في إعداد دراسة مستفيضة عن نمو القدرات العقلية للتلاميذ في مراحل التعليم العام المختلفة .
وقد حاول بلاتونف في كتابه عن منهج دراسة القدرات , أن يجعل الملاحظة أكثر موضوعية وثراء , بتنويع مصادرها , ولذلك فهو يرى الملاحظة لكي تكون فعالة ومثمرة يجب أن :
1- تشمل جوانب متعددة من نشاط الفرد الذي نلاحظه , فكلما اتسع مجال الملاحظة ، كلما ساعد ذلك على فهم الشخصية المبحوثة , وتقدير قدراتها , وعلى ذلك يمكن أن يلاحظ الفرد في نشاطه التعليمي والمهني والرياضي والاجتماعي وغير ذلك .
2- يحدد هدف الملاحظة منذ البداية , فقد يكون الهدف المساعدة في تكوين الشخصية وتربيتها أو توجيهها توجيها مهنيا أو تعليميا , وقد يكون الهدف نظريا أي الدراسة العلمية فحسب ، ولا شك أن تحديد الهدف بوضوح ييسر اختيار الأدوات المناسبة لجمع البيانات المطلوبة .
3- يستفيد الباحث من المعلومات التي تأتي إليه من مصادر متنوعة ، وألا يهمل مصدرا يمكنه استخدامه في الحصول على بيانات عن الشخص موضوع الدراسة , ولذلك يفضل أن تكون مصادر المعلومات من أعلى , أي من رؤساء الفرد والمشرفين عليه , ومن أدنى أي من المرؤوسين له , وكذلك من زملائه وأقرانه الذين يقفون معه في مستوى مهني أو تعليمي واحد . وإذا وجد تناقض في هذه المعلومات فإن ذلك يجب أن يكون موضوع دراسة خاصة . وفي مثل هذه الحالات يمكن الاستعانة بالبيانات المستمدة من المواقف التجريبية . وللتجريب في دراسة الذكاء والقدرات العقلية مؤيدوه . فكثير من الباحثين الروس يبدون تحمسا لاستخدام التجارب المضبوطة ، ويرون أنها أفضل الطرق لفهم قدرات الإنسان , وكيفية تكوينها , والعوامل التي تؤثر فيها , ولسنا نريد أن نتناول التجريب وشروطه بالتفصيل ، فذلك معروف لكل الباحثين ، وإنما نشير فقط إلى أن الباحثين الروس يميزون بين نوعين رئيسين من التجربة في البحث النفسي :
أ‌- تجربة تقريرية : وتهدف إلى تحديد مستوى القدرات لدى الأفراد باستخدام أساليب تجريبية معملية , أو عن طريق إعداد مواقف اختبارية معينة , ويمكن أن يستخدم في هذه التجارب مشكلات معينة تعطى للمفحوص لكي يحلها , ولكن هذه المشكلات تختلف عن تلك التي تتضمنها اختبارات الذكاء والقدرات العقلية عادة , من حيث أنها لا تهتم بالنتاج النهائي فقط , أو بصحة الإجابة وخطئها فحسب , وإنما تصمم بحيث تكشف بدرجة ما عن مسارات تفكير المفحوص أثناء حله لتلك المشكلات , سواء أكان الحل صحيحا أو خاطئا .
ب‌- تجربة تكوينية : ويهدف الباحث من استخدام هذه الطريقة إلى فهم كيف تتكون القدرات العقلية والعوامل التي تؤثر فيها , فهو يقوم بإعداد مواقف تجريبية مضبوطة , وقد يستخدم جماعات مختلفة بهدف تكوين قدرات معينة , ودراستها أثناء تكوينها في ظل الشروط التي يوجدها المجرب , ويرى كثير من الباحثين أن هذه الطريقة أفضل من غيرها , لأنها تمكننا من فهم ميكانيزمات نمو القدرات العقلية .


والباحث التجريبي يستطيع أن يستفيد من جميع مصادر المعلومات المتاحة له , كما يستطيع استخدام أساليب جمع البيانات فهو يستطيع أن يستخدم الاستبيانات والمناقشات مع المبحوثين ، لكي يحصل على تقدير ذاتي لقدراتهم , كما يستطيع أن يلاحظ نشاطهم ويحصل على نتائج تطبيق اختبارات عليهم , وتقدير الآخرين لهم .

وبهذا يمكن أن نلخص الفروق بين الملاحظة والتجربة التي يفضلها علماء النفس الروس ، وبين المنهج الإحصائي الذي يستخدمه علماء النفس الأمريكيين والإنجليز في دراسة الذكاء والقدرات فيما يلي :
1- بينما يعتمد المنهج الإحصائي على الاختبارات المقننة في جمع البيانات , يفضل علماء النفس السوفيت استخدام أساليب متنوعة لجمع البيانات بما فيها الاختبارات , بالإضافة إلى الملاحظة الموضوعية والتجارب المضبوطة , وهم في ذلك أقرب إلى طريقة بياجيه منهم إلى المنهج الإحصائي .
2- بينما يركز الباحث باستخدام المنهج الإحصائي على ما يستطيع الفرد عمله أو ما يعرفه فقط , متمثلا في عدد الإجابات الصحيحة على بنود الاختبار , نجد أن علماء النفس الروس يتفقون مع بياجيه في الاهتمام بكيفية وصول المفحوص إلى الإجابات سواء كانت صحيحة أو خاطئة , أي أنهم يركزون على طريقة التفكير وميكانيزماته , أكثر من تركيزهم على النتاج النهائي .
3- بينما يعتمد المنهج الإحصائي على تطبيق الاختبارات على عينات ضخمة من الأفراد , نجد أن علماء النفس الروس يشبهون بياجيه في عدم الاهتمام بإعداد المفحوصين , فعادة ما يجرون ملاحظاتهم وتجاربهم على عينات قليلة العدد .
4- بينما يهتم الباحث باستخدام المنهج الإحصائي بالتقديرات الكمية وإخضاع بياناته لمعالجات إحصائية معقدة , نجد أن الباحثين الروس أميل إلى الاهتمام بالوصف اللفظي التفصيلي لنتائجهم , وإيراد بروتوكولات مفصلة عن تجاربهم وملاحظاتهم . على أنهم يلجئون أحيانا إلى استخدام بعض التحليلات الإحصائية لنتائج الدراسات التجريبية بشكل خاص .
5- بينما يهتم الباحثون في النمو العقلي باستخدام الاختبارات العقلية والمنهج الإحصائي بتتبع نمو الأفراد دون تدخل منهم في سير هذا النمو , وهم في ذلك يتفقون مع بياجيه , نجد أن علماء النفس السوفيت يحبذون استخدام التجربة التكوينية التي تمثل تدخلا مباشرا من جانب البحث في سير النمو العقلي .


تعقيب : على الرغم مما يبدو من تعارض واختلاف بين طرق البحث السابقة , وما يظهر من تناقضها في أسسها النظرية , فإن كثيرا من الباحثين أصبحوا ينظرون إليها الآن نظرة تكامل وتناسق , فالدراسة الإحصائية للفروق بين الأفراد في الذكاء لا تغني عن الدراسات التجريبية والملاحظة الموضوعية , والعكس صحيح .
بالملاحظة والتجربة يستطيع الباحث التوصل إلى القوانين العامة التي تحكم الظاهرة النفسية وتنطبق على جميع الأفراد , وبالمنهج الإحصائي ندرس الفروق القائمة بين الأفراد , والاحتمالات المختلفة التي تنتظم بها هذه الفروق , وفي الحالة الأولى يبحث الدارس عن أوجه التشابه , وفي الثانية يدرس أوجه الاختلاف .
الدراسات التجريبية تمد الباحثين في الفروق الفردية بكثير من المواقف التي تستخدم في الاختبارات العقلية , فنحن نعلم أن بينيه ( واضع أول اختبار للذكاء ) كان عالما تجريبيا , وأقر بأن دراساته التجريبية ساعدته كثيرا في فهم الذكاء . ويكفي أن نشير إلى أن التعديل الأخير لاختبار بينيه
( 1960 ) يتضمن كثيرا من المشكلات العملية , كما أن كثيرا من مشكلات الذاكرة وحل المشكلة وإدراك الأشكال وغيرها , لا زالت تستخدم في المعمل وفي إعداد الاختبارات العقلية كذلك .
ومن ناحية أخرى أكد ثلاثة من أبرز علماء النفس الروس – وقد كانوا من أشد المعارضين للقياس العقلي- أكدوا في دراسة لهم نشرت عام ( 1986 ) الحاجة الماسة إلى إعداد مجموعة من الاختبارات التشخيصية التي يمكن أن تساعد في تحديد أسباب التخلف الدراسي لدى التلاميذ الذين لا يعانون من قصور عقلي , واعتبروا ذلك مطلبا حيويا ينبغي أن تتجه نحوه جهود علماء النفس والتربية في روسيا في الوقت الحاضر .

descriptionالفروق الفردية Emptyرد: الفروق الفردية

more_horiz
التحميل

https://www.file-upload.com/36190huc1y0e

descriptionالفروق الفردية Emptyرد: الفروق الفردية

more_horiz
التطبيقات العملية.pdf - 1.4 MB
القدرات.pdf - 1.5 MB
تصنيف اختبارات الذكاء.pdf - 2.6 MB
مفهوم الذكاء.pdf - 2.1 MB
مقاييس وكسلر.pdf - 2.0 MB
مقياس ستانفورد بينيه.pdf - 4.3 MB
نظريات الذكاء.pdf - 3.1 MB
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد