الكتاب:
الراحة النفسية
الكاتب: د. أبو مدين الشافعي
الطبعة: صدرت الطبعة الأولى عا ٛ
مقدمة
يعتقد أغلب الناس أف الراحة أمر سهل وأنو بُ إمكاف كل
شخص أف يرتاح، ولكن ابؼشاىد بُ ابغياة اليومية أف
الكثتَين يتعرضوف للئرىاؽ لأنهم يعملوف ويتحملوف
أتعاب الكفاح اليومي دوف أف يفكروا بُ بذديد نشاطهم
براحة منظمة.
وقد احتاطت الطبيعة بؽذا النقص وجعلتنا نرغم على أخذ قسط من
الراحة بواسطة النو. ولكن النو وحده لا يكفي، خصوصا إف كاف
الشخص لا بوتاط من حيث ابؽضم فيكوف النو سطحيا ومتقطعا. ويظهر
أثر ذلك بُ ارتفاع التوتر العصبي الذي يتعرض لو الشخص، وتضيع على
الشخص فرص كثتَة لأنو يكوف بُ حالة اضطراب مستمر وحالة عد
اطمئناف.
وظن قو أف الراحة بُ الانقطاع عن العمل، ولكن ىؤلاء يتعرضوف
إلى الفراغ وما يتبعو من مشكلبت نفسية ويشعروف بسأ وضيق. ويظهر
لديهم بُ بعض الأحياف تفكتَ غريب بييل بهم إلى التشاؤ، ويشعر
الشخص الذي لا يقو بعمل أنو ضعيف وناقص وتراه بواوؿ التعويض عن
ذلك بالادعاء والكلب الوبني وبواوؿ دائما أف يبرر موقفو.
6
ويقع بُ مثل ىذه الاضطرابات الأشخاص الذين يكونوف متعودين
القيا بالأعماؿ الكبتَة، ويبذلوف بؾهوداً قويا بٍ تضطرىم الظروؼ إلى
الانقطاع عن العمل والتفرغ. فهؤلاء الأشخاص الذين بىيل بؽم أنهم
يتمتعوف بكل أسباب الراحة يدىشوف عندما تظهر لديهم بنو وأوىا
واعتقادات غريبة تعرضهم لأتعاب كثتَة، وقد تلبزمهم فكرة تثبت مع
الأيا وتسيطر على كل نشاطهم وبروؿ كل سلوكهم برويلب تاما وبذعلهم
يظهروف بدظهر شاذ.
يعتقد الشخص الذي يعمل واقفا أف الراحة كل الراحة بُ ابعلوس،
ولكن الشخص الذي يقضي وقتا طويلب بُ عمل يستدعي ابعلوس يتمتٌ
لو تتاح لو فرصة الوقوؼ بغظة واحدة ليشعر بالراحة. وىكذا اكتشف
الناس بابػبرة اليومية أف الراحة بُ التغيتَ.
ونعلل ىذه الظاىرة بدا بودثو الثبات والاستمرار من ابذاه بُ النشاط
فإذا بقي الشخص مستمراً بُ ابذاه واحد فإنو يرىق أعضاء معينة من
ابعسم؛ فالتغيتَ بودث ابذاىا جديدا بهعل أعضاء أخرى تنشط وتعمل.
ويرمي الكائن ابغي بالتغيتَ إلى برقيق التوازف بُ توزيع النشاط ابعسمي.
فالراحة عبارة عن توازف بتُ بـتلف القوى لدى الكائن ابغي، وكل
اضطراب يتلف ىذا التوازف يعرض الكائن ابغي إلى بـتلف أنواع التعب.
ولو تأملنا ىذه ابغقيقة لوجدناىا تنطبق على كل الوظائف ابعسمية
والنفسية، وما عليك إلا أف تلبحظ شخصا يستمر على طعا واحد من
5
صنف معتُ، فإف ىذا الاستمرار بودث عنده ابذاىاً معيناً بُ ابؽضم، وكثتَا
ما يؤدي ذلك إلى عد ارتياح بُ ابغالة العامة. والصلة بتُ عملية ابؽضم
والشعور بالراحة صلة وثيقة. وأغلب حالات القلق التي تؤدي إلى البكاء
والانفعاؿ بُ بعض الأحياف ترجع إلى عسر بُ ابؽضم، وأوؿ خطوة بهب
أف بزطى بُ التحليل النفسي بهب أف يكوف بعد التأكد من سلبمة
الوظائف ابعسمية.
وقد يعتقد قو أف الأعماؿ التي يشتَ بها المحلل النفسي تؤثر كإبواء،
ولو نتأمل أساس ىذه الراحة التي تأبٌ من أعماؿ وبنية بقدىا تقو أغلبها
على ظاى رة التغيتَ والابتعاد عن الابذاه الأوؿ.
وىكذا بيكننا أف نعلل الراحة التي وصلت إليها سيدة كانت بُ ألم
شديد وتعب نفسي مستمر. وعانت ىذه السيدة آثار ند شديد لارتكابها
خطأ أخلبقياً ينابُ ابؼبادئ الدينية. فلم يكن كافياً أف تصرح ىذه السيدة
بسبب ندمها وتفصل القوؿ بُ خطئها الذي أوحاه ضعف وقتي، ولكن
الراحة ابغقيقية كانت تامة بعدما قامت ىذه السيدة بأعماؿ بُ معبد ديتٍ
قصدت بها بؿو آثار ذنبها. إف ىذه الأعماؿ ابؼعقدة التي يقو بها طالب
الغفراف بُ ابؼساجد والكنائس وبيوت العبادة توجو الذىن توجيها جديداً
يساعد على طرد الفكرة الثابتة مهما كاف نوعها.
وليست فكرة التغيتَ لإحداث الراحة جديدة ولكن طريقة التغيتَ
وعملية إقناع الشخص ابؼتعب بالتغيتَ ىي التي برتاج معرفة خاصة بأحواؿ
2
الشخص، وىناؾ وسائل عديدة بيكن للعالم النفسي ابػبتَ بأسرار النفس
البشرية عامة وأسرار نفس الشخص ابؼتعب خاصة أف يستخدمها ليحقق
الراحة.
ويتعرض المحلل بُ أغلب الأحياف إلى كفاح شديد وطويل يقاو فيو
ميوؿ ابؼريض أو ابؼتعب الذي يتمسك بابذاىو ومرضو خاضعا بحكم
العادة، وبوتاج التغيتَ بُ أغلب الأحياف إلى قوة إرادة. فكثتَ من الناس
يتشبثوف بأتفو الأشياء ولا يرضوف تغيتَىا. فالبعض يكره تغيتَ ملببسو
والبعض الآخر يكره تغيتَ منزلو ولو كاف بُ إمكانو أف ينتقل إلى منزؿ
أحسن.
وكذلك فيما بىتص بالابذاه الفكري، فهناؾ أشخاص يعتنقوف فكرة
ما ويتشبثوف بها تشبثا أعمى ولا يرضوف التخلي عنها لا لسبب غتَ حب
التشبث. وترى ىؤلاء يتعرضوف لأتعاب عديدة وآلا شديدة لوقوفهم عند
فكرتهم. ومن بتُ ىؤلاء بقد ابؼتعصبتُ بؼبدأ من ابؼبادئ. والاندفاع بُ تيار
اجتماعي معتُ وبؿاولة بضل الناس على اعتناؽ ىذا ابؼبدأ. ويقوؿ البعض
إنهم يشعروف براحة بُ ابذاىهم ىذا، ولكن الواقع يدؿ على أف الاستمرار
بُ مثل ىذا السلوؾ بهعل صاحبو يتعرض للئرىاؽ وكثتَاً ما ينتهي إلى
تعقدات نفسية واضطرابات عصبية.
وابغياة الكاملة ىي ابغياة ابؼنوعة، والشخص السعيد ىو الذي يقدر
على اكتساب مرونة التغيتَ وسرعة التكيف؛ فابغياة أصحبت فنا بيكن
5
استغلبؿ راحة مزيفة تعطي ىبوطاً وعجزاً، وراحة حقيقية تقو على ابعمع
بتُ القدرة والإرادة. وأفراد الإنساف يكوّنوف سلماً بزتلف درجاتو بُ القوة
النفسية. ومن العبث بؿاولة التغلب بالتمنيات والأحلب فالضعف الذي
جعلنا نتأخر كشعب ونتفرؽ كأمة يقو على نقص بُ النفوس التي اختارت
الراحة ابؼزيفة.
فالراحة ابغقيقية ضرورية لأنها تبعث ابؽمة وتقوي العز بتجديد
النشاط، فأرجو من القارئ الكرنً أف يطلب الراحة النفسية ليعمل مكافحا
بُ سبيل أىداؼ قومية سامية...
أبو مدين الشافعي
القاهرة
7491/1/ بيت المغرب في 71 ٜٗ ٔ