اليوم العالمي للصحة النفسية 2012: الاكتئاب أزمة عالمية


يعد الاكتئاب مرضاً شائعاً في مختلف أنحاء العالم. وبحسب التقديرات،
هناك 350 مليون شخص يعانون من آثاره. والاكتئاب يختلف عن التقلبات المزاجية
المعتادة والاستجابات الانفعالية قصيرة الأمد للتحديات التي تواجه المرء
في حياته اليومية، فقد يصبح حالة صحية خطيرة ولاسيما عندما يستمر لفترة
طويلة وتتراوح شدته بين معتدلة وحادة. وقد يتسبب الاكتئاب في معاناة الشخص
المصاب به معاناة كبيرة، إلى جانب سوء أدائه في العمل والمدرسة وبين أفراد
أسرته. وقد يؤدي في أسوء مراحله إلى إقدام الشخص المصاب على الانتحار.
وتؤدي محاولات الانتحار إلى ما يُقدَّر بمليون حالة وفاة كل عام، ويرتبط ما
يزيد على نصف هذه الحالات بوجود اضطرابات نفسية سابقة لدى مرتكب الانتحار.
ويتزايد عبء الاكتئاب وغيره من الحالات الصحية النفسية على مستوى العالم،
واعترافاً منها بذلك، دعت جمعية الصحة العالمية في أيار/مايو 2012 إلى
استجابة شاملة ومُنسَّقة للاضطرابات النفسية على مستوى البلدان.

وعلى الرغم من وجود علاجات معروفة وفعّالة للاكتئاب، فلا يتلقى هذه
العلاجات سوى ما يقل عن نصف عدد المصابين بالاكتئاب في العالم، بينما لا
يتلقاها في بعض بلدان الإقليم سوى 10-20% من إجمالي المصابين بالاكتئاب.




وهناك مجموعة من العوائق التي تحول دون تلقي الرعاية الفعالة ومن بينها
قلة الموارد، وقلة مقدمي الرعاية الصحية المدربين، والوصم الاجتماعي
المرتبط بالاضطرابات النفسية. وتُظهِر الدراسات التي أُجريت في الإقليم أن
ربع أو ثلث الأشخاص فقط، الذين يراجعون خدمات الرعاية الصحية الأولية ممن
يعانون من الاكتئاب والاضطرابات المرتبطة بالقلق، يتم تشخيص حالاتهم بدقة
وتدبيرها علاجياً.


والاكتئاب، كغيره من الاضطرابات النفسية الأخرى، يؤثر في اضطرابات جسدية
أخرى مثل السرطان والأمراض القلبية الوعائية والسكري والربو، ويتأثر بها.
فقد يكون الاكتئاب علامة على الإصابة بمرض من أمراض الجسد، وربما يكون
نتيجة للإصابة بهذه الأمراض، أو نتاجاً لآثار تتفاعل مع بعضها البعض. فعلى
سبيل المثال، هناك بيِّنات تشير إلى أن المصابين بالاكتئاب عرضة للإصابة
بالذبحة القلبية، والعكس بالعكس إذ تزيد الإصابة بالذبحة القلبية من احتمال
الإصابة بالاكتئاب. كما ترتفع معدلات الوفيات بين الأشخاص المصابين بحالات
الصحة النفسية، فمثلاً يرتفع خطر تعرض المصابين بالاكتئاب الكبير (الكآبة
الحادة) للوفاة بنسبة 40% عن عموم السكان، ويرجع السبب في ذلك في أغلب
الأحيان إلى المشكلات الصحية الجسدية التي يعاني منها المصابون بالاكتئاب
(مثل الإصابة بالسرطان، والسكري، وعدوى فيروس العوز المناعي البشري)، فضلاً
عن العواقب الوخيمة كالانتحار الذي يُعد ثاني أكثر أسباب الوفاة شيوعاً في
أوساط الشباب في جميع أنحاء العالم.

وتثبت التجارب أن برامج الوقاية تحدُّ من الإصابة بالاكتئاب. وهناك
نُهُج مجتمعية فعالة للوقاية من الاكتئاب، وتتضمن هذه النُهُج برامج ترتكز
على المدرسة للحيلولة دون تعرض الأطفال للأذى، أو برامج تهدف إلى تعزيز
المهارات الاجتماعية والمعرفية ومهارات حل المشكلات لدى الأطفال
والمراهقين. كما أن التدخلات التي تستهدف آباء الأطفال الذين يعانون من
مشكلات سلوكية قد تقلل أعراض الاكتئاب عند الوالدين، وتؤدي إلى نتائج أفضل
لأطفالهم. وفي السياق ذاته، فإن إدراج التعرف المبكر على الاكتئاب وتدبيره
في الرعاية الصحية العامة، باستخدام منهج حيوي ونفسي واجتماعي، يساعد على
تحسين جودة حياة الأفراد وذويهم، ليس هذا فحسب بل ويقلل العبء الاجتماعي
والاقتصادي الواقع على كاهل المجتمعات والأنظمة.

وأطلقت منظمة الصحة العالمية مؤخراً بروتوكولات لتدبير الاضطرابات
النفسية الشائعة التي تشمل الاكتئاب، وتأتي هذه البروتوكولات ضمن برنامج
العمل لرأب الفجوة في الصحة النفسية، الذي يتوجه إلى العاملين الصحيين من
غير الاختصاصيين في مجال الصحة النفسية. ويتألف العلاج الموصى به لحالات
الاكتئاب المتوسط والشديد من الدعم النفسي الأساسي مقروناً بتناول أدوية
مضادة للاكتئاب أو العلاج النفسي.

ويهدف الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية، من خلال التركيز على
الاكتئاب هذا العام، إلى إذكاء الوعي العام بهذه القضية من قضايا الصحة
النفسية. ومن المتوقع أن يُثري هذا الاحتفال النقاش، ويُركِّز الانتباه إلى
الاكتئاب باعتباره أحد قضايا الصحة العمومية الرئيسية التي لا تكفي الجهود
المبذولة حالياً للتصدي لها ومجابهتها، كما يهدف هذا الاحتفال إلى جذب
الموارد اللازمة لخدمات الوقاية من الاكتئاب وعلاجه والتوعية به.
عن موقع منظمة الصحة العالمية