تعد عملية نقل الرسائل التنبيهية من نقطة إلى أخرى من الوظائف الأساسية للجهاز العصبي. وهذا التنبيه قد يكون كهربياً أو حرارياً أو كيميائياً أو ميكانيكياً. وإذا وصل التنبيه إلى درجة معينة من الشدة تسمى بالعتبة تحدث حالة التنبيه التي تسمح بانتقال الدفعات أو السيالات العصبية عبر الخلية التي يكون انتقال التنبيهات فيها في اتجاه واحد يبدأ من جسم الخلية ويمر بمحورها وينتهي في مكان الالتحام مع خلية أخرى. وعندما يصل التنبيه إلى جسم الخلية الأخرى تحدث مجموعة من الأحداث تنتقل بها الدفعة الكهربية إلى الخلية الأخرى حيث تنفجر مجموعة من الحويصلات التي تحتوي على مواد كيميائية تسمى بالموصلات العصبية، ليمر ما بها من موصلات تصل إلى شجيرات الخلية لتبدأ سلسلة أخرى جديدة من التوصيلات.
ويوجد في الجهاز العصبي ما يقرب من خمسين موصلاً أشهرها النورإبينفرين Nor epinephrine والأسيتايل كولين Acetyl Choline والدوبامين Dopamine والسيرتونين Serotonine والهيستامين Histamine والجابا GABA. وتنتشر هذه الموصلات عبر الجهاز العصبي بنسب متفاوتة في أماكن بعينها. فالسيروتونين مثلاً ينتشر في المخ والهيبوثلاموس والعقد القاعدية، بينما ينتشر الأسيتايل كولين في الخلايا الحركية والحبل الشوكي والأعصاب الدماغية. (انظر جدول )

أشهر الموصلات العصبية وأماكن تكونها
م اسم الموصل المادة المكونة مكان تكوينه
1 أسيتايل كولين. كولين الجهاز العصبي المركزي، والأعصاب الباراسيبمثاوية.
2 السيروتونين تريبتوفان جهاز عصبي مركزي، المعدة.
3 جابا جلوتاميت الجهاز العصبي المركزي.
4 جلوتاميت الجهاز العصبي المركزي.
5 أسبارتيت Aspartate الجهاز العصبي المركزي.
6 جلايسين Glycine الحبل الشوكي.
7 هيستامين هستيدين الهيبوثلاموس
8 أدرينالين تايروزين نخاع الغدة الكظرية، بعض خلايا الجهاز العصبي المركزي.
9 نورأدرينالين تايروزين الجهاز العصبي السيمبثاوي، الجهاز العصبي المركزي.
10 دوبامين تايروزين الجهاز العصبي المركزي.
11 بيبتيدات Peptides البروتين المسارات الحسية، مناطق الاستجابات الانفعالية كالجوع والجنس والألم والسعادة.

ويتكون نظام التوصيل الكيميائي العصبي من مجموعة من الأجزاء تسمى بالمشتبكات العصبية Synapses، وهذه المشتبكات تتكون من ثلاثة أجزاء: جزء قبل مشتبكي Presynaptic وتمثله الأزرار الطرفية Terminal buttons الموجودة في نهاية محور خلية، جزء بعد مشتبكي وتمثله شجيرات Dendrites خلية عصبية أخرى، ويقع بين هذين الجزأين ما يسمى بالفراغ المشتبكي Synaptic cleft. (انظر الشكل)


المشتبك العصبي


ومنطقة التشابك العصبي قد تكون على النحو التالي:-
1- ما بين محور وشجيرات خلية أخرى Axono-dendretic synapse.
2- بين محور خلية وجسم خلية أخرى Axono-somatic synapse.
3- بين محور خلية ومحور خلية أخرى Axo-axonal synapse.
4- بين محور خلية ونسيج عضلة، وفي هذه الحالة لا يكون تشابكاً بالمعنى الصحيح للمشتبك العصبي، وإنما يسمى الارتباط العصبي العضلي Neuromuscular Junction حيث يتفرع المحور إلى عدة أزرار طرفية تلتحم مع العضلة في منطقة تسمى الصفيحة الحركية Motor-end plate وعادة ما يكون الموصل العصبي الموجود في هذه المنطقة هو الأسيتايل كولين.
والموصلات العصبية مواد كيميائية يتم إفرازها في النهايات العصبية المسماة بالأزرار الطرفية Terminal buttons، والموجودة في نهاية محور الخلية في المنطقة قبل المشتبكية Presynaptic، ثم تتحرك هذه الموصلات في الفراغ المشتبكي لتصل إلى المنطقة بعد المشتبكية Postsynaptic لتحدث تغيرات استقطابية في غشاء المستقبلات الموجودة هناك ومن ثم يستمر توصيل السيال العصبي. وبعض هذه المواد الكيميائية يعمل باعتباره موصلاً عصبياً وذلك عندما يعمل داخل الفراغ المشتبكي، أو باعتباره معدلاً عصبياً Neuromodulator إذا كان عمله بعيداً عن المشتبك العصبي.
وتعمل الموصلات العصبية على المستقبلات سواء بالالتحام بها أو عن طريق فتح قنوات الأيونات الموجودة على هذا الغشاء. وعادة ما يتم تخليق الموصلات العصبية في جسم الخلية العصبية، ثم يتم انتقالها إلى النهايات العصبية الموجودة في نهاية المحور، حيث تتجمع داخل حويصلات Vesicles وتبقي بداخلها قريبة من السطح المشتبكي. وعندما تصل الإشارة الكهربية (السيال العصبي) تُفتح قنوات الكالسيوم فتنتشر أيوناته إلى داخل الزر الطرفي، ومن ثم تتحرك الحويصلات لترتبط مع الغشاء بعد المشتبكي وتحدث فروق الجهد Action potential، وتنفجر مفرغة ما بداخلها في الفراغ المشتبكي. والعصب يحتوي على شحنات موجبة على سطحه الخارجي، وعلى شحنات سالبة على السطح الداخلي، وهو ما يُسمى بحالة الاستقطاب Polarization. وعندما تتغير الشحنات وتظهر الفروق بينها نتيجة مرور الصوديوم والبوتاسيوم عبر عشاء الخلية العصبية تسمى هذه التغيرات بجهد الفعل.
ويمكن أن يعمل الموصل العصبي كمادة تنبيهية Excitatory أي يعمل على تنشيط جهد الفعل Action potential أو مادة مثبطة Inhibitory أي يعمل على منع حدوث جهد الفعل للخلية التالية التي تقع بعد المشتبك العصبي وذلك عن طريق فقد الاستقطاب Depolarization أو زيادته Hyperpolarization على التوالي. وبعض المواد لها القدرة على أن تعمل بشكل تنبيهي أو تثبيطي، ويحدث ذلك نتيجة لوجود عدد قليل من الموصلات العصبية في الوقت الذي يوجد فيه عدد كبير من مستقبلاتها في أنواع مختلفة من الخلايا. وعلى سبيل المثال يمكن للأسيتايل كولين أن يعمل بشكل تنبيهي عندما يتحد بأحد المستقبلات، بينما يعمل بشكل تثبيطي عندما يعمل على مستقبل لخلية أخرى.

ويمكن تقسيم الموصلات العصبية وفقاً لطريقة تكوينها أو حسب المادة أو الإنزيم المشارك في تصنيعها إلى ثلاث فئات: الأولى وتتكون من الأسيتايل كولين Acetyl choline والفئة الثانية هي الأمينات العضوية التي تتكون من الأحماض الأمينية بعد تخلصها من مجموعة هيدروكسي أو كاربوكسي، والفئة الثالثة التي تتكون من الأحماض الأمينية فقط.

ويمر تكوين الموصلات العصبية ومن ثم التوصيل العصبي بمجموعة من المراحل يمكن إيجازها فيما يلي:-
1- مرحلة تكوين الموصل Synthesis
وهي المرحلة الأولى التي تبدأ بها عملية التوصيل، حيث يكون من الضروري تكوين المادة الموصلة في الخلية العصبية حتى يتم انطلاقها بعد ذلك عند الحاجة لعملية التوصيل. والخلايا العصبية تملك القدرة على تكوين هذه الموصلات عن طريق مجموعة من التفاعلات المعقدة التي تتم عبر محور الخلية، والتي يتم خلالها تحويل المواد الخام القادمة من الدم إلى مادة كيميائية موصلة. فعلى سبيل المثال يتحد كل من مادة الكولين وحمض الخليك عن طريق إنزيم معين مكونة موصل الأسيتايل كولين، أو يتحول حمض الفينايل آلانين Phenyle alanine إلى حمض التايروزين Tyrosine الذي يتحول بعد ذلك إلى الموصل العصبي الدوبامين.

2- مرحلة التخزين Storage
بعد تكوين الموصل العصبي في محور الخلية العصبية يتم تخزينه في حويصلات أو حبيبات Vesicles توجد في الأزرار الطرفية الموجودة بنهاية المحور حتى يتم خروج هذه المواد عند وصول السيال العصبي إلى هذه النهايات، لتنتقل المادة عبر المشتبك العصبي محدثة التوصيل الكهروكيميائي Electrochemical.

3- مرحلة الانطلاق Release
إذا تم تنبيه الخلية العصبية أو لامست الحويصلات الغشاء قبل المشتبكي، تنفجر الحويصلات المختزن فيها الموصل العصبي، لتخرج هذه الموصلات منطلقة نحو الغشاء بعد المشتبكي الذي يحتوي على مستقبلات يختص كل منها بموصل بعينه، كما لو كان هذا المستقبل يمثل قفلاً لا يفتحه إلا مفتاح معين (الموصل).

4- مرحلة التكسير أو إعادة الامتصاص:-
تعد مرحلة تكسير Breakdown أو إعادة امتصاص Re-uptake الموصل العصبي آخر مرحلة في عملية التوصيل العصبي. فبعد خروج الموصل من الحويصلات والتحامه بالغشاء بعد المشتبكي وانتهاء عملية التوصيل، يصبح من الضروري إزالة هذا الموصل من على المستقبلات حتى يعود غشاء الخلية إلى حالته الأولى –حالة الاستقرار أو الراحة- لحين بدء عملية توصيل جديدة. فوجود الموصل العصبي ملتحماً بالمستقبل يعني استمرار عملية التوصيل والاستثارة وهو ما يسمى بزيادة استثارة العصب Over firing وهذه الاستثارة المستمرة تؤدي إلى زيادة تنبيه الأجهزة التي تعمل من خلال هذا الموصل حتى بعد انتهاء وتوقف المثير أو المنبه، وهي عملية من شأنها أن تؤدي إلى إنهاك وتعب المستقبلات، مما قد يؤدي إلى تعطلها مؤقتاً حتى تتوقف هذه الاستثارة.

وعملية إزالة الموصل من على المستقبلات تتم بطريقتين: الأولى تكسيره إلى مواده الأولية التي تكون منها، ووصول هذه المواد مرة أخرى إلى الدم وإعادة استخدامها من جديد. والطريقة الثانية تتمثل في إعادة امتصاص الموصل كما هو –دون تكسير- وعودته إلى الأزرار الطرفية وتخزينه مرة أخرى في الحويصلات لحين الحاجة إليه، وانطلاقه وإفرازه من جديد.

وبشكل عام يمكن زيادة أو قلة نشاط الموصل العصبي في مشتبكاته من الناحية الفسيولوجية بأحد الطرق التالية:-
1- وجود مواد تعمل على تنبيه أو منع تكوين الموصل في الخلية العصبية.
2- وجود مواد تمنع تخزين الموصل في الحويصلات بعد تكوينه.
3- وجود مواد تنبه أو تمنع إفراز الموصل من حويصلاته بعد تخزينه.
4- وجود مواد تمنع تكسير الموصل أو إعادة امتصاصه بعد إفرازه في المشتبك.
5- وجود مواد تنبه أو تمنع نشاط المستقبل بعد المشتبكي.
6- وجود مواد تؤثر في عملية التمثيل الغذائي للموصل.


أنظمة الموصلات العصبية وخصائصها
يعتمد الجهاز العصبي في عمله على مجموعة من المشتبكات العصبية التي تكون شبكة معقدة من التوصيلات التي تعمل على هيئة أنظمة كيميائية لكل منها موصلها العصبي الذي تستخدمه في توصيل الدفعة العصبية أو السيال العصبي. وتتحدد خصائص كل نظام بطبيعة الموصل المستخدم فيه ووظائفه وتأثيراته.

ويمكن تقسيم الأنظمة العصبية من الناحية الكيميائية إلى ما يلي:-
1- النظام الكوليني أو الكولينرجي.
2- النظام الأميني (ويشمل الأدريناليني والدوباميني والسيروتونيني)
3- نظام الأحماض الأمينية (نظام الجابا).
4- نظام البيبتيدات (أو أفيونات المخ).

أولاً- النظام الكوليني Cholinergic system
يتكون هذا النظام من الأعصاب والمشتبكات العصبية التي تستخدم مادة الأسيتايل كولين كموصل عصبي لها، كما تُطلق التسمية على الأعصاب التي يؤدي تنبيهها إلى إفراز مادة الأسيتايل كولين، كالعصب الحائر مثلاً، أو لوصف أي نسيج قابل للاستثارة بمادة الأسيتايل كولين. وعادة ما تتضمن هذه الأعصاب الجهاز العصبي الباراسيبمثاوي Parasympathetic system في الجهاز العصبي الذاتي Autonomic Nervous System. وبشكل عام يعتبر الأسيتايل كولين من الموصلات التنبيهية وخاصة في الخلايا الحركية، والخلايا الحسية، والجهاز الذاتي، وساق المخ، والثلاموس والهيبوثلاموس.
ويتكون الأسيتايل كولين من كل من الكولين وحمض الخليك، عن طريق إنزيم محول يسمى بالكولين أسيتايل ترانسفيريز Choline acetyltransferase. وتسمى الخلايا العصبية التي تكون الأسيتايل كولين وتحرره بالخلايا الكولينية Cholinergic neurons. وعندما تصل الإشارة الكهربية أو ما يسمى بجهد الفعل Action potential إلى الأزرار الطرفية تنفتح قنوات الكالسيوم فتؤدي أيوناته إلى تنبيه الحويصلة العصبية وتفجيرها ومن ثم يتحرر الأسيتايل كولين، ويصل إلى الغشاء بعد المشتبكي. وبمجرد تحرره من الحويصلة لابد من إزالته بسرعة كما سبق وقلنا، حتى تعود مرحلة إعادة الاستقطاب Repolarization مرة أخرى، ويتم ذلك عن طريق تكسره بإنزيم يسمى محلل الأسيتايل كولين، أو الأسيتايل كولين إستيريز Acetylcholinesterase.

وللأسيتايل كولين نوعان من المستقبلات تسمى بالمستقبلات الكولينية Cholinergic receptors وهما:-
1- مستقبلات المسكارين Muscarinic receptors ويوجد معظمها في الجهاز العصبي المركزي، وخاصة قشرة المخ، والفص الصدغي، وحصان البحر.
2- مستقبلات النيكوتين Nicotinic receptors التي تنقسم بدورها إلى نوعين وفقاً لمكان تواجدها، الأول وينتشر في مناطق الارتباط العصبي العضلي Neuromuscular junction، في منطقة الصفيحة الحركية النهائية للعضلة Motor-end plate والثاني في المشتبكات العصبية. وتنتشر مستقبلات المسكارين والنيكوتين بشكل عام في المخ.
وبناءً على هذين النوعين من المستقبلات، يتمتع الأسيتايل كولين بنوعين من التأثيرات هما التأثير شبه المسكاريني، والتأثير شبه النيكوتيني، على النحو التالي:-
أولاً: التأثير شبه المسكاريني Muscarinic like action
وهذا التأثير يشبه تأثير مادة المسكارين التي تعد أحد سموم فطر عش الغراب على الجسم. ويعمل هذا التأثير على العضلات الملساء للأوعية الدموية، والغدد المقناة (الدمعية، والعرقية، واللعابية) والعين، بعض الأجزاء الأخرى من الجسم. ويشمل هذا التأثير نواح تنبيهية وأخرى تثبيطية على النحو التالي:-
1- تنبيه الغدد المقناة: مما يزيد من إفراز العرق واللعاب والدموع، وكذلك تنبيه الغدد المخاطية في الجهاز الهضمي مما يزيد من إفراز العصارة المعدية والمعوية.
2- تنبيه العضلات اللاإرادية (الملساء): ويشمل ذلك العضلات الملساء للشعب الهوائية، مما يؤدي إلى انقباضها ومن ثم ضيق الشعب، وكذلك انقباض العضلات الملساء الموجودة في المعدة والأمعاء والحويصلة المرارية والمثانة والحالبين، مما يساعد على دفع محتويات هذه الأجزاء إلى الخارج.
3- تنبيه بعض العضلات الملساء لحدقة العين مما يؤدي إلى انقباضها، ومن ثم ضيق بؤبؤ العين Eye pupil.
4- تثبيط العضلات الملساء العاصرة Sphincters في الجهاز المعدي المعوي (العضلة الفؤداية، والبوابية، وفتحة الشرج) أي انبساطها مما يسمح بخروج المحتويات من المعدة إلى الأمعاء ومن الأمعاء إلى الخارج (إخراج)، وكذلك تثبيط العضلة العاصرة للمثانة مما يساعد على عملية التبول، وتثبيط العضلات العاصرة للحويصلة المرارية، فتتدفق محتوياتها إلى الإثنى عشر عبر القناة المرارية، مما يساعد في عملية الهضم.
5- تثبيط العضلات الملساء للأوعية الدموية مما يؤدي إلى انبساطها ومن ثم اتساع الأوعية الدموية وبالتالي انخفاض ضغط الدم.
6- تثبيط عضلة القلب: مما يقلل من انقباضه، وقلة الدم المندفع منه، وانخفاض معدل دقاته.

ويمكن منع هذه التأثيرات السابقة عن طريق غلق المستقبلات التي يعمل عليها الأسيتايل كولين وذلك باستخدام العقاقير التي تسمى بالعقاقير المضادة لعمل الأسيتايل كولين Anticholinergic مثل عقار الأتروبين. كما أن كثيراً من الأدوية النفسية يكون لها هذا التأثير المضاد للكولين، ومن ثم ينشأ عنها مجموعة من الأعراض الجانبية نتيجة غلق هذه التأثيرات، وهو ما سنتعرض له بالتفصيل في حينه.

ثانياً: التأثير شبه النيكوتيني Nicotinic like action
وهذا التأثير يشبه تأثير النيكوتين على الجسم، وهو تأثير منبه، وخاصة في العضلات الإرادية، وفي أطراف الأعصاب الحركية للعضلات اللاإرادية. وتشمل هذه التأثيرات ما يلي:-
1- انقباض العضلات الإرادية، مما يساعد على قوة الحركة.
2- تنبيه نخاع الغدة الكظرية لإفراز الأدرينالين، وهو تأثير سيمبثاوي معدل لأثر الأسيتايل كولين.

الوظائف الكولينية في المخ:-
ينتشر النظام الكوليني بشكل عام في أجزاء عديدة من المخ كالقشرة المخية الثلاموس والهيبوثلاموس، والتكوين الشبكي، والجهاز الطرفي. ويقوم هذا النظام بالعديد من الوظائف التي تختلف باختلاف المكان الذي ينتشر فيه، وذلك على النحو التالي:-
1- في القشرة المخية والجهاز الطرفي تلعب التوصيلات أو المشتبكات الكولينية دوراً رئيسياً في عمليات التعلم والذاكرة والنشاط العقلي بشكل عام. ويلاحظ أن الأدوية التي تزيد من نشاط الموصلات الكولينية تسهل علمية التعلم والتذكر والاستدعاء، كما أن هذه الوظائف تضطرب في حال استخدام أدوية تمنع تكوين الأسيتايل كولين.
2- في الهيبوثلاموس يعتمد تنظيم الشهية للطعام من شبع وجوع، وكذلك عمليات تنظيم الشرب على الاتزان القائم بين الجزء المنشط والجزء المثبط في النظام الكوليني، كما تعتمد هذه العملية على النشاط المتضاد بين النظام الكوليني والنظام الأدريني.
3- في الجهاز الطرفي يؤدي اضطراب النظام الكوليني إلى ظهور السلوك العدواني، ولذلك تعمل الأدوية ذات التأثير المضاد للكولين على تهدئة المريض.
4- في التكوين الشبكي يلعب النظام الكوليني دوراً رئيسياً في تنظيم عمليات النوم واليقظة، والحفاظ على النظام السيركادي لهذه العملية، أي انتظام إيقاع النوم واليقظة.

وهناك بعض المركبات التي تعمل على زيادة عمل الخلايا الكولينية وتسمى بالمنشطات Agonists Choline أخرى تعمل على تثبيط عمل هذه الخلايا وتسمى مضادات الكولين Choline Antagonists. والمنشطات تعمل على تنشيط أو تثبيط الخلايا الحركية في الجهاز العصبي الباراسيبمثاوي، ومن هذه المواد الكولين نفسه، وكذلك المواد التي تعمل على تكسير إنزيم الكولين إستيريز المسئول عن تكسير الأسيتايل كولين، ومن ثم تعمل هذه المواد المعطلة له على زيادة الأسيتايل كولين في المشتبك العصبي. أما مضادات الكولين فتعمل على منع التأثيرات الفارماكولوجية للأسيتايل كولين، ومنها مادة الأتروبين التي تعمل على إغلاق مستقبلات المسكارين، بينما تعمل بعض السموم الأخرى على إغلاق عمل مستقبلات النيكوتين.

واضطراب النظام الكوليني بشكل عام يؤدي إلى اضطراب وظائف الجهاز العصبي، ويبدو هذا الاضطراب أكثر ما يكون في مرحلة الشيخوخة حيث تقل قدرة الأعصاب على تكوين مادة الأسيتايل كولين، وكذلك على تخزينه، بالإضافة إلى قصور الخلايا التي تستخدم هذا النظام، ومن ثم انخفاض كفاءتها. ونتيجة لهذا الاضطراب تتدهور معظم الوظائف العقلية، وخاصة الذاكرة والقدرة على تخزين المعلومات، وهو ما يحدث في أمراض العته Dementia وخاصة مرض ألزهايمر Alzheimer's disease. وقد تفيد الأدوية الحديثة في علاج المرض نسبياً نتيجة أنها تعمل على زيادة الأسيتايل كولين، ومن ثم الاحتفاظ بقدر معقول من الوظائف العقلية.

ومن الأمثلة التي توضح اضطراب النظام الكوليني أيضاً المرض المعروف بوهن العضلات Myasthenia Gravis الذي يصيب العضلات الإرادية ويشعر فيه المريض بوهن قواه العضلية. وفي هذا المرض يتكسر الأسيتايل كولين نتيجة وجود كميات زائدة من الإنزيم المحلل للأسيتايل كولين Acetyle Choline esterase. ونتيجة لذلك لا تتوفر للعضلات الإرادية الكمية الكافية من الموصل حتى تقوم بانقباضها على النحو المطلوب فيصاب الفرد بالوهن والإعياء والتعب السريع من أي مجهود. وعادة ما يكون نشاط المريض في الصباح (مع توفر الموصل طوال الليل) نشاطاً طبيعياً، ولكن مع مرور اليوم تستنفذ العضلات الكمية المتوفرة لها من الموصل، ومن ثم تبدأ في التعب، حتى أن المريض قد يصل في بعض الأحيان إلى عدم القدرة على رفع جفن العين، مما يتسبب في إغلاقها. وعادة ما يتم علاج هذه الحالات بعقار البروستجمين Prostigmine الذي يعمل على تكسير الإنزيم المحلل للأسيتايل كولين، ومن ثم يمنع تكسير الموصل، مما يسمح بتوفره وبالتالي اختفاء علامات الوهن العضلي.


ثانياً- النظام الأميني (Ameninergic System)
يتكون هذا النظام من مجموعتين من الموصلات العصبية: الأولى مجموعة أمينات الكاتيكول Catechol Amines التي تشمل كلاً من: موصلات الإيبينفرين والنورإيبنيفرين (الأدرينالين والنورأدرينالين) والدوبامين. أما الثانية فتشمل مجموعة أمينات الإندول Indol Amines والتي تشمل موصلات السيروتونين والهيستامين. ويُطلق على هاتين المجموعتين بشكل عام أمينات الكاتيكول الأحاديةChatecholamines ويُطلق على النظام الذي تعمل عليه النظام الأميني. وتعمل هذه الموصلات على الجهاز العصبي المركزي وخاصة ساق المخ Brain stem، والهيبوثلاموس Hypothalamus، وشبكية العين Retina، والتضخم الشمي Olfactory bulb بتأثير مثبط ومنبه. ولا توجد في الحبل الشوكي ٍSpinal cord أو الخلايا الحسية والحركية للأعصاب الدماغية Motor and sensory nuclei of cranial nerves، ولا في القشرة المخية Cerebral cortex أو قشرة المخيخ.. وسنتناول الأنظمة الفرعية لهذه الموصلات على النحو التالي:-

1- النظام الأدريني Adrenergic system
يُطلق هذا النظام على الأعصاب التي تفرز الأدرينالين والنور أدرينالين، كما تطلق على أي نسيج قابل للاستثارة بفعل هذين الموصلين. والأدرينالين هو الهرمون الذي يفرزه نخاع الغدة الكظرية، بينما يُفرز النورأدرينالين من نهاية الأعصاب التي تنتمي للجهاز العصبي السيبمثاوي Sympathetic N. S. عند تنبيهها، وكذلك من بعض أجزاء المخ. وينتشر النظام الأدريني في ساق المخ والجسم الأزرق Locus ceruleus والهيبوثلاموس، وحصان البحر Hippocampus وساق المخ.

ويتكون كل من الأدرينالين والنورأدرينالين من كل من الفينايل آلانين Phenylalanine الذي يتحول إلى تيروزين Tyrosine، الذي يتحول بدوره إلى دوبامين ليتكسر بعد ذلك عن طريق الأكسدة إلى النورأدرينالين، الذي يتكسر بدوره إلى أدرينالين. ويتكسر الموصلان عن طريق إنزيم مؤكسد الأمينات الأحادية Mono Amine Oxidase (MAO) حيث يتحولان في النهاية إلى حمض فانيلايل مانديليك Vanillyl mandelic acid.

- المستقبلات الأدرينية Adrenergic receptors
يرتبط موصلا الأدرينالين والنور أدرينالين بنوعين مختلفين من المستقبلات هما: مستقبلات ألفا ومستقبلات بيتا الأدرينالية (الأدرينرجية) Alpha & Beta adrenergic receptors وتنتشر هذه المستقبلات في الأماكن التالية:-
1- مستقبلات ألفا:-
ومنها نوعان: مستقبلات (ألفا-1) وتنتشر في العضلات الملساء للأوعية الدموية الموجودة على سطح الجلد، وحدقة العين، وفي الجهاز الهضمي. أما مستقبلات (ألفا-2) فتوجد في العضلات الملساء للأوعية الدموية الموجودة في الجهاز العصبي المركزي. ويؤدي تنبيه هذه المستقبلات إلى ضيق الأوعية الدموية، واتساع حدقة العين.
2- مستقبلات بيتا:-
ويوجد منها نوعان: (بيتا-1) وتنتشر مستقبلات بيتا في خلايا القلب والأمعاء، و(بيتا-2) التي تنتشر في العضلات الملساء للقصبة الهوائية، والأوعية الدموية. ويؤدي تنبيه هذه المستقبلات إلى اتساع الأوعية الدموية في العضلات الإرادية لزيادة قوة انقباضها.
ويعمل الأدرينالين على كل من مستقبلات ألفا وبيتا، بينما يعمل النورأدرينالين على مستقبلات ألفا بشكل أساسي، وله تأثير بسيط على مستقبلات بيتا. وتنتشر مستقبلات النظام الأدريني التي تعمل بالأدرينالين في القنطرة والهيبوثلاموس، بينما تنتشر المستقبلات التي تعمل بالنور أدرينالين في جذع المخ.

- الوظائف الأدرينالية:-
للنظام الأدريناليني تأثيران متضادان: الأول تنبيهي وخاصة على الجهاز الدوري والقلب، والثاني تثبيطي وخاصة على الجهاز الهضمي، والأوعية الدموية المغذية للعضلات. ويمكن توضيح هذين التأثيرين على النحو التالي:-
1- على الأوعية الدموية: للأدرينالين تأثير تنبيهي على العضلات الملساء للأوعية الدموية السطحية أو العميقة)، مما يؤدي إلى انقباضها فيظهر الشحوب (على سطح الجلد)، وارتفاع ضغط الدم. ومع ذلك يظهر التأثير التثبيطي على الأوعية الدموية المغذية للعضلات مما يؤدي إلى انبساطها وتمددها ومن ثم تدفق الدم فيها لزيادة عمل هذه العضلات أثناء فترات الخطر أو النشاط.
2- على القلب: يظهر التأثير المنبه في صورة زيادة عمل القلب وشدة انقباضه، وارتفاع معدل دقاته.
3- على حدقة العين: يعمل التنبيه الأدريناليني على العضلات الملساء لحدقة العين مما يؤدي إلى اتساع الحدقة، واستقبال كمية أكبر من الضوء، وخاصة في الظلام، وحالات الخطر.
4- على الغدد العرقية: يعمل الأدرينالين على تنبيه العضلات الملساء للغدد العرقية مما يزيد من إفراز العرق، وهو ما نلاحظه في حالات القلق التي ينشط فيها الجهاز الأدريني ونرى المرضى يتصببون عرقا بارداً، أو تزيد لديهم حالات تعرق اليدين بشكل مزمن.
5- يظهر التأثير المثبط على العضلات الملساء للجهاز الهضمي في المعدة والأمعاء مما يؤدي إلى ارتخائها، بينما يكون هناك تأثير منبه للعضلات العاصرة فيزيد انقباضها، وتتعطل علمية الهضم.
6- وعلى الشعب الهوائية والرئتين يؤدي التنبيه الأدريني إلى انبساط عضلات الشعب الهوائية مما يؤدي إلى اتساعها لاستقبال كميات أكبر من الهواء، مع زيادة معدل التنفس.
7- وبالإضافة إلى عمل الأدرينالين والنورأدرينالين كموصلين عصبيين فإنهما يؤثران أيضاً على معدل التمثيل الغذائي عن طريق تنبيه إفراز الإنسولين من خلايا لانجرهانز في البنكرياس من ناحية، وزيادة معدل تكسير الجليكوجين المختزن في الكبد من ناحية أخرى، ومن ثم زيادة مستوى السكر في الدم.

2- النظام الدوباميني (Dopaminergic system):-
يعتبر الدوبامين أحد الموصلات الهامة في الجهاز العصبي المركزي، وخاصة الخلايا العصبية في ساق المخ مثل المادة السوداء substantia nigra، والجهاز الطرفي Mesolimbic system والهيبوثلاموس، وساق المخ، والشبكية، والتضخم الشمي. ويتكون كما سبق وذكرنا من التايروزين، وهو حلقة وسيطة بين تكوين كل من الأدرينالين والنورأدرينالين. ويؤثر الدوبامين في مستقبلات (بيتا-1). وقد اكتشفت للدوبامين مجموعة من المستقبلات تسمى بمستقبلات الدوبامين Dopaminergic receptors ويوجد منها مستقبلات D1,2,3,4,5 وتوجد معظم هذه المستقبلات في الجزء بعد المشتبكي في مناطق المخ خاصة الجهاز الطرفي بما في ذلك تلفيف الحزام Cingulate gyrus واللوزة Amygdala ، بالإضافة إلى العقد القاعدية Basal ganglia، كما يوجد في الجزء قبل المشتبكي في أجسام الخلايا العصبية في ساق المخ.


والدوبامين موصل ذو تأثير مانع Inhibitory بشكل عام، وإن كانت له بعض الآثار التنبيهية وخاصة في مستقبلاته من نوع (D1) وله وظيفة تنظيمية على الجزء الأمامي من الغدة النخامية حيث يمنع تكوين وإفراز هرمون مدر اللبن المعروف باسم برولاكتين Prolactin، كما ينظم عمليات التعلم والذاكرة، والدافعية والسلوك الانفعالي، والسلوك الجنسي، وتنظيم عمليات النوم. وسلاسة وتنظيم واتزان عمل العضلات الإرادية. بالإضافة إلى تنظيم درجة حرارة الجسم حيث تؤدي زيادته إلى انخفاضها، بينما يؤدي نقصه إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم، وهو الأمر الذي نراه لدى بعض المرضى الذين يعالجون بمضادات الذهان والتي تعمل على تخفيض مستوى الدوبامين في الجسم، ويحدث لديهم ما يسمى بزملة أعراض مضادات الذهان ومن أهم أعراضها الارتفاع الشديد في درجة الحرارة.

3-النظام السيروتونيني (Serotonergic System):-
يُعد السيروتونين أحد أهم الموصلات العصبية في الجسم، ويُعرف هذا الموصل بخماسي هيدروكسي تريبتامين 5-hydroxytryptamine والمعروف اختصاراً بـ (5HT)ويتكون من الحمض الأميني تريبتوفان Tryptophan. ويبلغ أكبر تركيز من هذا الموصل (90%) في بعض خلايا الجهاز الهضمي، وخاصة جدران الأمعاء أما الباقي (10%) فيوجد في الأوعية الدموية الكبيرة، وخاصة المنقبضة منها، والصفائح الدموية والجهاز العصبي المركزي (وخاصة النظام الطرفي (Limbic system)، والقشرة الحسية والحركية، والتكوين الشبكي. وينشأ نشاط السيروتونين من ساق المخ ويمتد ليشمل أجزاء عديدة من الجهاز العصبي المركزي ليكون شبكة السيروتونين التي تُعد أكبر شبكة موصلات في المخ. ويمكن تقسيم المناطق الأساسية التي يوجد بها السيروتونين إلى ثلاث مناطق هي:-
1- جدار الأمعاء: حيث يعمل الموصل على زيادة حركة الجهاز المعدي المعوي.
2- الأوعية الدموية: حيث يعمل على انقباض هذه الأوعية.
3- الجهاز العصبي المركزي: حيث ينظم الشهية والنوم والذاكرة والحرارة وغيرها.

وتسمى الخلايا التي تفرز السيروتونين بالخلايا السيروتونية Serotonergic. وبعد تحرر السيروتونين من حويصلاته ووصوله إلى الفراغ المشتبكي فإن جزءً منه يعاد امتصاصه مرة أخرى إلى الأزرار الطرفية حيث يتم تخزينه لإعادة استخدامه عند الحاجة.

أما عن مستقبلات السيروتونين Serotonergic receptors فهي عديدة بلغت حتى الآن 15 نوعاً (5HT1,2,3,4,5,6,7,……15) ، وكل نوع منها ينقسم إلى أنواع فرعية أخرى (5HT1a,b, ….)، ولكل منها تأثيراته النوعية والفسيولوجية المختلفة. فعلى سبيل المثال توجد مستقبلات (5HT1A) بشكل أساسي في الجهاز العصبي المركزي، ويؤدي تنشيطها إلى زيادة وتسهيل السلوك الجنسي، وانخفاض ضغط الدم، وزيادة الشهية للطعام، ولها دور أساسي في الإصابة بالاكتئاب. كما أن بعض هذه المستقبلات يكون قبل مشتبكي والبعض الآخر بعد مشتبكي.

- وظائف السيروتونين:-
للسيروتونين العديد من التأثيرات والوظائف بعضها مركزي، والأخر طرفي، وأكبر ما تكون على الجهاز الدوري والقلب، بالإضافة إلى الجهاز التنفسي والأمعاء، وأكبر تأثيراته هو انقباض الأوعية الدموية. كما يلعب السيروتونين دوراً هاماً في ضبط استجابات الفرد للضغوط. ويمكن إيجاز هذه الوظائف فيما يلي:-
1- تلعب بعض المستقبلات دوراً هاماً في تنظيم الشهية للطعام.
2- يلعب البعض الآخر (وخاصة 5HT6,7) دوراً في العاطفة وهي التي تتأثر بمعظم الأدوية المضادة للاكتئاب.
3- التعلم والذاكرة.
4- تنظيم النوم.
5- تنظيم درجة حرارة الجسم،
6- تنظيم السلوك الجنسي.
7- تنظيم وظائف الجهاز الدوري.
8- انقباض العضلات الإرادية.
10- تنظيم عمل الغدد الصماء.

وتأتي معظم تأثيرات السيروتونين من خلال مجموعة من الخلايا العصبية الموجودة في ساق المخ، وإن كانت الخلايا السيروتونية تنتشر في معظم أجزاء الجهاز العصبي المركزي، مما يجعلها أكبر شبكة كيميائية عصبية في المخ. وتتبين لنا أهمية هذه الشبكة إذا عرفنا أن كل خلية سيروتونية يمكنها أن تؤثر في حوالي 500 ألف خلية أخرى. وهذا الانتشار الواسع لهذه الخلايا يوضح لنا هذا الكم الهائل من وظائف هذا الموصل العصبي. ويتسبب نقص هذا الموصل في حدوث العديد من الاضطرابات النفسية كالقلق، والاكتئاب، اضطراب الوسواس القهري، الفصام، واضطرابات الشهية (فقدان الشهية العصبي)، والألم، والاضطرابات الوعائية وخاصة الصداع النصفي.

ثالثاً- نظام الجابا (Gabergic System)
يستخدم هذا النظام موصل جاما أمينو بيوتيريك آسيد (GamaAminoButeric Acid, GABA) وهو من أكثر الموصلات المثبطة انتشاراً في الجهاز العصبي المركزي، وتنتشر مستقبلاته في المخ وخاصة المخيخ والمادة السوداء، والحبل الشوكي، والمخيخ، بالإضافة إلى وجوده الطرفي في خلايا بيتا في البنكرياس، وله نوعان من المستقبلات. وتعمل أدوية القلق من فئة البنزوديازيبين على تنبيه مستقبلات الجابا ومن ثم يظهر تأثيره التثبيطي على الجهاز العصبي.
4- نظام الجلوتاميت ((Glutamate system
يعد الحمض الأميني جلوتاميت أحد الموصلات العصبية ذات التأثير التنبيهي في الجهاز العصبي المركزي

5- نظام البيبتيدات Peptidergic
تعتبر البيبتيدات مركبات مكونة من 2-40 حمضاً أمينياً، وتوجد على هيئة صور عديدة منها الإندورفينات، والإنكفالينات (أفيونات المخ)، وهرمون معجل الولادة Oxytocin ، وهرمون رافع الضغط Vasopressin وغيرها. وسيقتصر حديثنا هنا على أفيونات المخ أو ما يسمى بالبيبتيدات العصبية Neuropeptides، التي تنتشر في العديد من الأماكن الخاصة بالألم مثل الهيبوثلاموس، وحصان البحر، والحبل الشوكي وبعض الأعصاب الدماغية. وتلعب هذه البيبتيدات دوراً هاماً في إزالة الشعور بالألم، ومنها نوعان رئيسيان يفرزهما المخ هما مجموعة الإندورفينات، ومجموعة الإنكفالينات.
أ‌- الإندورفينات Endorphins
تتكون هذه المواد من حوالي 31 حمضاً أمينياً، ويوجد منها نوعان ألفا وبيتا، ولها قوة هائلة على تسكين الألم، والتي تبلغ في بعضها إلى 50 ضعفاً من تأثير الأفيونات الطبيعية. وتدخل هذه المواد في عمليات إدراك الألم والسيطرة عليه، وتنتشر عبر المحاور العصبية لتشمل المسارات الحسية للألم، بالإضافة إلى وجودها في الهيبوثلاموس واللوزة وهما المنطقتان اللتان تشتركان في التعبير الانفعالي.
ب‌- الإنكفالينات Enkephalins
وتسمى بالأمينات الخماسية Penta peptides لأنها تتكون من خمسة أحماض أمينية، ويبدو أنها تفرز في المشتبكات العصبية الموجودة في المسارات الحسية وخاصة في النخاع المستطيل والمخ.

وهذه المواد المخدرة الطبيعة التي يفرزها المخ توجد على الغشاء الخارجي لجدار الخلايا العصبية في المراكز الخاصة بالألم والخوف والانفعال، ومستقبلاتها تسمى بمستقبلات الأفيون Opiate receptors. وطالما أن هذه المواد تشغل أسطح هذه المستقبلات يعمل المخ والجهاز العصبي بشكل هادئ، وخاصة في المراكز المتعلقة بالألم والانفعال. أما إذا نقصت هذه المواد أو زالت من على سطح المستقبلات اختل العمل في هذه المراكز وظهرت الآلام. وقد لوحظ أن استخدام العقاقير والمواد المخدرة كالأفيون يؤدي إلى نقص هذه المواد الطبيعية في المخ، نظراً لأن هذه المواد الخارجية تحتل مستقبلات الأفيون مما يمنع وصول أفيونات المخ الطبيعية إليها. ومع تكرار استخدام المواد المخدرة يتوقف المخ عن إفراز أفيوناته الطبيعية، ومن ثم لا يحتمل الفرد الذي يتناول هذه المواد التوقف المفاجيء عنها لظهور الآلام الشديدة لديه.

-كيفية عمل الإندورفينات والإنكفالينات:-
من المعروف أن الإحساسات المختلفة تصل إلى القشرة المخية الحسية عن طريق مجموعة من المسارات الحسية، ومنها المسارات الخاصة بالألم. فإذا ما تعرض الفرد لشيء مؤلم سرعان ما تعمل المستقبلات على إرسال التنبيهات العصبية إلى مراكز الألم والانفعال في المخ، حيث يتم استقبال هذه التنبيهات وإدراكها وتقييمها، حتى يقوم المخ باتخاذ الاستجابة المناسبة. بعد ذلك ترسل القشرة المخية أوامرها إلى الهيبوثلاموس والحبل الشوكي حتى يقوما بإفراز مادة تعمل على إثارة الألم والإحساس به، وتسمى هذه المادة بمادة الألم وتعرف اختصاراً بالمادة (ب) substance P حيث تنطلق وتصل إلى مراكز الألم. وفي نفس الوقت يقوم الهيبوثلاموس والغدة النخامية بإفراز المواد المسكنة الطبيعية المتمثلة في الإندورفينات والإنكفالينات.

عند هذه المرحلة يصبح لدينا نوعان من المواد: الأولى مثيرة للإحساس بالألم Pain mediator (أو المادة ب) والأخرى مسكنة للألم (الإندورفينات والإنكفالينات)، ويبدأ النوعان في التنافس على الوصول إلى المستقبلات الموجودة في مراكز الألم للالتحام بها، والمادة التي تصل أولاً تمنع المادة الثانية من الالتحام بهذه المستقبلات. فإذا نجحت أفيونات المخ (المادة المسكنة) من الوصول إلى المستقبلات أولاً، قامت على الفور بأداء وظيفتها التسكينية، ومن ثم اختفى الشعور بالألم. أما إذا وصلت المادة (ب) أولاً بدء الفرد في الشعور بالألم.