علم النفس الصحي
مرحبا بك
نتمني ات تجد بالمنتدي مايفيدك واذا رغبت في المشاركة فالتسجيل للمنتدي مفتوح

ولك الشكر


علم النفس الصحي
مرحبا بك
نتمني ات تجد بالمنتدي مايفيدك واذا رغبت في المشاركة فالتسجيل للمنتدي مفتوح

ولك الشكر

علم النفس الصحي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

علم النفس الصحيدخول

الصحة النفسية علم النفس الطب النفسي


descriptionالانسان والبحث عن المعنى  معنى الحياة والعلاج بالمعنى تأليف  فيكتور فرانكل ترجمة طلعت منصور Emptyالانسان والبحث عن المعنى معنى الحياة والعلاج بالمعنى تأليف فيكتور فرانكل ترجمة طلعت منصور

more_horiz
الانسان والبحث عن المعنى  معنى الحياة والعلاج بالمعنى تأليف  فيكتور فرانكل ترجمة طلعت منصور 50910

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
المؤلف: د. طلعت منصور
الاقسام: علم نفس,كتب عامة ,فلسفة
عدد الصفحات: 137
تاريخ النشر: 2012



التحميل
http://adf.ly/qwr89

نبذة المؤلف:
دكتور فرانكل، مؤلف هذا الكتاب، كان في بعض الأحيان يوجه كطبيب نفسي إلى مرضاه، ممن يعانون من عديد من ألوان العذاب القاسية أو الضئيلة، السؤال التالي: "لماذا لم تنتحر"؟ ومن إجاباتهم يستطيع غالبًا أن يجد الخط الذي يهديه إلى علاجه النفسي.
وبعرض فرانكل في هذا الكتاب للخبرة التي آلت به إلى اكتشافه للعلاج بالمعنى. لقد وجد نفسه، كسجين مخضرم في معسكرات رهيبة للاعتقال، متجردًا متعريًا في وجوده. فوالداه وأخوه وزوجته قد لقوا حتفهم في معسكرات أو أرسلوهم إلى أفران الإعدام بالغاز، أي أن كل أسرته عدا أخته قد هلكت في هذه المعسكرات. وكل ما يملكه قد ذهب أدراج الرياح، كل قيمة قد تحطمت ليعاني من الجوع والبرد والقسوة، ومن توقع الإبادة في كل ساعة- إنسان هذا شأنه كيف يجد في الحياة ما يجعلها جديرة بالبقاء؟ هذا الطبيب النفسي الذي واجه شخصيًا تلك الظروف الشاذة لهو طبيب نفسي جدير بأن نصغي إليه.

فالقارئ يتعلم الكثير مما يحويه هذا الكتاب عن السيرة الذاتية للمؤلف. يعرف القارئ ما الذي يفعله الكائن الحي الإنساني حينما يتحقق فجأة من أنه "لا يملك شيئًا يفقده عدا حياته المتعرية بطريقة تبعث على السخرية". وما يقدمه فرانكل من وصف للتدفق المختلط للانفعال والبلادة، إنما يستوقفنا كي ندرك كنهه.

يضيف فرانكل، بناء على رجاء من الناشر، إلى سيرته الذاتية عن خبراته في معسكر الاعتقال جزءًا آخر يعرض فيه للمبادئ الرئيسية للعلاج بالمعنى. وقبل ذلك كانت معظم الكتب والدراسات المنشورة عن "مدرسة فيينا الثالثة في العلاج النفسي" (قبلها مدرستا فرويد وآدلر) تصدر باللغة الألمانية أساسًا. لذلك سوف يرحب القارئ بهذا الجزء المضاف عن المبادئ الرئيسية للعلاج بالمعنى.

عدل سابقا من قبل health psychologist في الجمعة أغسطس 08, 2014 3:16 am عدل 1 مرات

descriptionالانسان والبحث عن المعنى  معنى الحياة والعلاج بالمعنى تأليف  فيكتور فرانكل ترجمة طلعت منصور Emptyرد: الانسان والبحث عن المعنى معنى الحياة والعلاج بالمعنى تأليف فيكتور فرانكل ترجمة طلعت منصور

more_horiz
ظرية العلاج بالمعنى ل فيكتور فرانكل
ظهور نظرية العلاج بالمعنى و مكانتها بين النظريات الأخرى :
لقد فرضت النظريات التحليلية سيطرتها على مجال علم النفس لوقت طويل من الزمن برغم ما نجد فيها من مبالغات و لا معقوليات و تناقضات لا يقبلها عقل و لا منطق , ثم تلتها المدرسة السلوكية و التي جعلت من الإنسان شبيها بالحيوان و قضت على انسانيته و كرامته , ثم ظهرت النظريات الإنسانية لترد للإنسان كرامته و تنظر إليه بشكل أكثر تفاؤل و منطقية , و يمكن أن ندرج نظرية العلاج بالمعنى تحت لوائها , و يرجع الفضل الأول في ظهور نظرية العلاج بالمعنى إلى فيكتور فرانكل الذي ولد عام 1905 م , و بدأ في السادسة عشرة من عمره يراسل فرويد , و عنه يقول ساهاكيان : ( في فيينا بالنمسا عاش رجل كان وجوده مزيجا من الدراما و الانتصار , من الفوز و الهزيمة , إنه فيكتور فرانكل , الذي قدم 29 كتابا , و بدأ نشر أولى مقالاته في التاسعة عشرة , بدعوة من فرويد في ( المجلة الدولية للتحليل النفسي ) عام 1924م , كما قدم أعمالا أخرى في المجلة الدولية لعلم النفس الفردي , بدعوة أخرى من أدلر .
و أول كتبه كما يعرفنا ساهاكيان هو ( الطبيب و الجوهر : من العلاج النفسي إلى العلاج بالمعنى ) و الذي نشره عام 1946م , و الذي نقحه بعد ذلك و أضاف إليه فرانكل مبادئ العلاج بالمعنى , و بعد سرده لخبرة السنوات الثلاث التي قضاها في معسكر الموت النازي , و عنها يقول ألبورت : ( بالرغم من فقدان كل شيء و تحطم كل القيم , و معاناة الجوع و القسوة و توقع الموت في كل لحظة , كيف وجد فرانكل أن حياته تستحق أن تعاش ؟ رجل كهذا جدير بأن نستمع إليه ( و هي كلمات جاءت في مقدمة كتابه – بحث الإنسان عن معنى : مقدمة للعلاج بالمعنى – و هو نسخة معدلة من كتابه ( من معسكر الموت إلى الوجودية ) , و في عام 1969م قدم فرانكل كتابه ( إرادة المعنى ) , و قدم عام 1975م شرحا للمدخل الإنساني في تناول الشخصية في كتابه ( الحاكم الشعوري ) .
و في مقال له عام 1981م قدم ميسينى عرضا لحياة فرانكل , و نظرياته , و فنياته العلاجية , و كيف طور نظريته في الشخصية مركزا على البعد الروحي , و على أهمية المعنى في حياة الإنسان , و على القيم الابتكارية و الخبراتية و
الاتجاهاتية , مع شرح لكيفية استخدام العلاج بالمعنىمع أصحاب الضمائر
المحبطة لمساعدتهم على إيجاد معنى لحياتهم , مؤكدا من خلال ممارساته التعليمية و الكلينيكية على الحقيقة التي عبر عنها جميع الكتاب و الشعراء , و هي أن الحب هو أقصى و أعلى هدف للكائنات الانسانية , و أن خلاص الانسان إنما يكون من خلال الحب و في أن يحب .



و يعد كتاب فرانكل : ( بحث الإنسان عن المعنى : مقدمة في العلاج بالمعنى ) كما يعتبره آدمز 1994م واحدا من أبرز إسهامات الفكر السيكولوجي في آنه , و هو المقدمة الحقيقية للعلاج بالمعنى و فيه يشرح فرانكل كيف أن المعنى يمكن أن يوجد حتى في أقسى لحظات المعاناة و الألم , و أن كل إنسان مسئول عن إيجاد معنى حياته , و عن تحويل أسوأ الخبرات الحالكة إلى لحظات انتصار حاسمة , و ذلك أملا في بلوغ هدف محدد .
لقد كان فرانكل قادرا على أن يرى الحياة بنظرة كلها حكمة و رحمة , و دوت كلماته بمنتهى الصدق و الأمانة و العمق , دون أن يدخل في عراك مع التوجهات العلاجية الأخرى , بل إنه كان يرحب بالتعامل معها , و كان دائما يؤمن بقول ديستوفسكي : ( يوجد شيء واحد فقط يروعني , و هو ألا أكون جديرا بالآمي ) . فالحياة عند فرانكل مليئة بالفرص التي تمكن الإنسان من استخدام قيمه في تقديم عمل إبداعي , حتى لو كانت حياة محن و الآم و معاناة , لأنه يجب أن تكون هناك دائما نظرة مفعمة بالرجاء و الأمل في القدرة على التسامي و الوصول إلى المعنى .
و قد كان الفيلسوف الألماني هيجل هو أول من استخدم كلمة فينومينولوجيا و ترجمتها للعربية: ظاهرياتية , ثم جاء هوسيرل , و استفاد إلى أبعد حد من هذا المعطى الجديد , و كان طموحه إيجاد منهج و محور ارتكاز فلسفي لا جدال حوله , إقامة تفكير راديكالي قادر على التحرر من الأفكار المسبقة , مع التأكيد على أهمية معايشة التجربة الانسانية . ثم تحولت الظاهرياتية من اتجاه للبحث عن الماهيات إلى اتجاه مثقل بالعاطفيات و الوجدانيات , و غاصت في مباحث مثل القلق , و الهم , و السقوط , و يعتبر ياسبرز , و هيدجز من أشهر رواد الفلسفة الوجودية المعاصرة , و صاحبا أكبر تأثير في نشاطها و تطويرها , كما نذكر أيضا بنسفنجر , بونتى , و بوتيانديك .
و قد أصبحت الظاهرياتية برأي بوشنسكي إحدى القوى التحريرية الكبرى في التفكير الغربي في القرن العشرين الميلادي , و ذلك عندما اكتشف الظاهرياتيون جوانب أخرى من العقل سموها ( جوانب عاطفية ) . و عندما وصلوا إلى تصور عن الذهن الانساني أكثر حيوية و أكثر واقعية مما سبق .
و الوجودية بحسب لويس مليكه أسلوب في التفلسف , و طريقة في التفكير , يمكن لأي معالج أن يستخدمها , و من أشهر منظريها : بوبر و هيدجر , و من أشهر الكلينيكيين التطبيقيين لها : بنسفنجر , زيمباردو , وايتهد , أوفمان , كوبر , و دلتاي .
و مع ثورة الوجودية على العقلانية المسرفة في القرنين السابع عشر و الثامن عشر , يوضح فيصل الرزاد كيف تحررت الذات من الكبت المسيطر عليها , و لأول مرة في تاريخ الفلسفة يتحدث الانسان بحرية عن قلقه و يأسه , و ينادي




شوبرت بشرعية الحب , و يذيع صدى الرومانسية على يد كيركيجارد .
و يعد كيركيجارد رائد الوجودية الأول , كما يذكر لويس مليكه لأنه أول من أولى اهتماما أكبر بموضوعات هامة مثل : الحرية و المسئولية و اتخاذ القرار باعتبارها موضوعات تشكل جوهر الوجود الشخصي , كما ناقش موضوعات أخرى لم تناقشها الفلسفات التقليدية مثل : الاثم , و الخطيئة و الاغتراب و القلق و الموت .
و الحقيقة أن قضايا الوجودية و في رأي رويس و موس قديمة قدم الوجود الإنساني , فقد تناولها عمر الخيام في رباعياته في القرن الحادي عشر , و هي قضايا تبرز إلى بؤرة الاهتمام كلما مرت بالإنسانية أزمات حضارية و ثقافية , و كلما عاود الإنسان السؤال عن معنى القيم و أهميتها . و كان تركيز الفلسفة الوجودية يستهدف الإجابة عن السؤال الآتي : ماذا يعني كون المرء إنسانا ؟
و كما يتضح من لفظها , فإن الوجودية تركز على وجود الإنسان في موقف ما , يقول تيليتش : ( إن وجهة النظر الوجودية تبرز الموقف الإنساني كما يخبره الفرد ) و يهتم الوجوديون بأزمة الإنسان المعاصر و حياته بغير معنى , و افتقاده للقيم و الإيمان , و كيف أنه رغم الأزمات قادر على أن يعي ذاته كوجود حر قادر على اتخاذ القرارات و تحديد الاختيارات .
هذه هي الوجودية كما يعرفها فرج عبدالقادر طه و آخرون : نظرية في تفسير الإنسان و وجوده و علاقته بهذا العالم فكل وجود إنساني هو مشروع يلزمه شرطان أساسيان : الحرية و المسئولية , فلا وجود للمرء بغير حريته , و لا حرية بغير مسئولية , و قمة تحقيق الذات هي النهوض بالمسئولية .
و لأن إنسان القرن الحالي و القرن المقبل كما يعرفه كولمان يعاني و سيعاني أزمات علمية و ثقافية و مادية , تنال من مصداقية القيم التي يؤمن بها , فهو إما أن يقنع بالخضوع و الامتثال الأعمى و يترك نفسه لينقاد كفرد ضمن قطيع , و إما أن يجاهد و يناضل ليتحقق وجوده على نحو أمثل , مستثمرا إمكاناته و قدراته أفضل استثمار و مستقبلا لعبء المسئولية و حرية اتخاذ القرار .
و يقدم عبدالسلام عبدالغفار صورة أكثر وضوحا لإنسان هذا القرن , مشيرا إلى أنه لم يختر طموحاته و آماله , و إنما هو مقهور مغلوب على أمره , يعيش حياة هو أسيرها أكثر مما هو صانع لها , حياة لم يشكلها بإرادته و إنما شكلت له . لقد اختفت قيم التآزر و التعاطف و التواد و التراحم و المحبة , و برزت اتجاهات العملية و النفاق و الرياء , و أصبح الإنسان وسيلة بعد أن كان غاية . و لكل ذلك يتساءل الوجوديون : أليس للإنسان حق في اختيار قيمه التي تعيد إليه سكينته مع الله والدين , و لئن دفع حياته في سبيل الوصول إلى ذلك لكان يكفيه . و لئن أصبح الإنسان حرا ذا إرادة حرة فإنه و لابد سينجح في تحقيق التزامه تجاه الله ثم تجاه الآخرين .


و لكن الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد , فقد قدم عبدالسلام عبدالغفار صورة واحدة فقط لإنسان القرن العشرين , و هي صورة للإنسان الذي وصفه كولمان بأنه يقنع بالخضوع و الامتثال الأعمى , و الذي يرضى أن يكون مجرد فرد ضمن قطيع . و لم يقدم الصورة الأخرى لذلك الإنسان الذي وصفه كولمان بأنه يجاهد و يناضل من أجل تحقيق وجوده على نحو أمثل . و مما لاشك فيه أن القرن العشرين ملئ بنماذج كثيرة للبشر الذين صاروا أبطالا في ميادين شتى , بقهرهم لضغوط القرن الذي يعيشون فيه , و تحقيق ذواتهم و إفادة المجتمع بإبداعاتهم .
و القضية من وجهة نظر الوجوديون و كما يحددها كولمان ليست هي ما يتمنى الإنسان بلوغه في هذه الحياة , و إنما ما يستطيع تقديمه لهذه الحياة , و لن يكون لحياته معنى بغير إسهامات إجتماعية موجبة الاتجاه و ذات قيمة , و العصابي في رأي الوجوديين هو ذلك الشخص الذي يضيق الخناق على نفسه , و يدفع الثمن غاليا , انتقاصا من قدرته على تحقيق السوية و إنجاز الحياة على أفضل وجه لها , كما يعاني الشعور بالذنب و القلق و اللاجدوى في كل شي و علماء النفس الوجوديون يؤيدون انفتاح الفرد بشجاعة على إمكاناته و متطلبات حياته نظرا لما يترتب على ذلك من ردود أفعال طبيعية نمائية , حتى و إن كان ذلك باعثا للألم و المعاناة أحيانا , بينما يرفضون التجنب و الانسحاب و الخوف من الضغوط الناجمة عن عملية النمو , و يرفضون الندم على الفرص الضائعة , بل و يسعون جاهدين إلى تخليص الإنسان من كل ذلك .
و يشير لويس كامل مليكه إلى أن العلاج النفسي في إطار المذاهب الإنسانية يستهدف الاهتمام بخصائص الفرد الشخصية , و مصداقيته و استقلاليته , و أمانته و تكامل قدراته و إمكاناته , و ما لكل ذلك من تأثيرات على قدرته على التحدي و المواجهة .
و تركز هذه المذاهب الإنسانية كما يشير ونج على أسس محددة منها أن لكل مشكلة حل ممكن , و أن نقطة النهاية يمكن أن تكون محور انطلاقة جديدة , و أن في كل أزمة تستحكم فرصة جديدة , و من قلب الألم تولد ملامح القوة و الانتصار .
و يبرز في هذا التيار الإنساني : فيكتور فرانكل صاحب العلاج بالمعنى و هو كما يقول رويس و موس – عالم و كاتب وفير الانتاج , مثله مثل سقراط , حيث أنه لم يقدم لنا فلسفته العلاجية وهو جالس على أريكته , بل عاشها و مر بكل خبراتها في معسكر الموت لمدة سنوات ثلاث , أعماله أبلغ مثل على أن التأثير الظاهرياتي على التوجهات الوجودية في العلاج النفسي جعلها لا تهتم فقط بشرح و تفسير القضايا الإنسانية , و إنما أيضا بمعايشتها , و من أبرز هذه القضايا : البعد الروحي في الوجود الإنساني و القيم الحياتية و معنى المرض النفسي أو العصاب و الأعصبة المعنوية و إحباط إرادة المعنى و الذنب و الاغتراب .



و يركز العلاج بالمعنى على أهمية وجود نسق قيمي ابتكاري يحفز على العمل و الانجاز , و نسق آخر اتجاهاتي يحفز على الشجاعة في مواجهة الألم و المعاناة , و نسق ثالث خبراتي يشتمل على معاني الحب و الفهم و الفلسفة , و جميعها يدعمها وجود مبدأ المسئولية و الايمان بحرية اتخاذ القرار .
أي أن العلاج بالمعنى يؤكد على استكشاف الجوانب ذات المعنى في حياة الإنسان , و كيف يمكن تجميعها و تعميقها و تحويلها إلى مصدر من مصادر السعي و الفاعلية و الحيوية و الاستمرارية , يعين الفرد على أن يستلهم من الماضي انعكاساته على الحاضر و المستقبل .
و بذلك تتضح الصورة و الكيفية التي انطلق منها علم النفس الإنساني بتوجهاته الأصيلة نابعا من الظاهرياتية , التي تعتبر الظاهرة الإنسانية ظاهرة عيانية حية , يمكن أن تدرس في تدفقها و تلقائيتها , بعيدا عن القوالب الجامدة التي تبعد عن الواقع الفعلي . و يتضح أيضا كيف كانت الفلسفة الوجودية هي صوت الخبرة المباشرة التي لابد و أن يقف عليها عالم النفس , إذا هو أراد أن يتصدى لدراسة الحياة الإنسانية , ولدراسة الكائن الإنساني بكل ما أوتي من قدرة على التسامي و التحرر و النمو نحو الأفضل دائما .

نظرية فرانكل في الشخصية :
تتحدى نظرية فرانكل في الشخصية , بقوتها و تماسكها و مصطلحاتها غيرها من النظريات . يقول فرانكل : ( ليست هناك طريقة في العلاج النفسي لا تستند إلى نظرية في الطبيعة الإنسانية و الحياة الإنسانية ) . و تستند نظرية فرانكل في الشخصية إلى محاور ثلاثة هي :
1- بنيان الشخصية من منظور فرانكل .
2- الدوافع .
3- الشخصية بين السوية و المرض .

1- بنيان الشخصية من منظور فرانكل :
يعتبر فرانكل الشخصية الإنسانية وحدة كلية تتكون من ائتلاف ثلاثة جوانب أو أبعاد هي : البعد البدني الفيزيائي , و البعد العقلي النفسي , و البعد الروحاني المعنوي مؤكدا على أهمية البعد المعنوي , الذي يميز الإنسان عن غيره من سائر المخلوقات الأخرى و تتواجد فيه سائر الظاهرات الإنسانية .
و في تناوله للبعد المعنوي في الشخصية الإنسانية يؤكد فرانكل على وحدة الشخصية , و على الحب و الضمير باعتبارهما أروع القدرات الإنسانية التي تتيح للإنسان أن يتخطى ذاته , إلى إدراك و فهم الآخرين في تفردهم الأصيل .
و لأن فرانكل صاحب وجهة نظر تفاؤلية في الشخصية الإنسانية فهو يؤكد و كما تذكر




إيمان شاهين على أهمية أن يتمسك الإنسان بحريته , و أن يتحمل ضريبة هذه الحرية , متمثلة في القلق و المعاناة و الصراع , و ليس ذلك بالضرورة ظاهرة مرضية في كل الأحوال , بل إنه صميم الطبيعة الإنسانية الذي يحفز الإنسان إلى الترقي و بلوغ الهدف تلو الهدف , و يحفظ عليه إنسانيته , و يحقق ذاته في صيرورة متصلة , متوجها بفكره إلى مالم يتحقق بعد . و مجمل ذلك أن القلق و الشعور بالذنب تجاه الحياة الإنسانية هو في نفس الوقت الدافع الإنساني الحقيقي للحياة على مستوى إنساني حق .

2- الدوافع :
وفقا لنظريات الدافعية يشير باترسون إلى اهتمام الإنسان أساسا بالإحتفاظ بحالة من الاتزان الداخلي , أو بالسعي إلى استعادتها , تحقيقا لمبدأ استعادة الاتزان , و الدافع الأساسي لدى الفرد – بالنسبة لفرانكل – هو تحقيق إرادة المعنى , و الدافع إلى المعنى ليس قوة دافعة بالمعنى السيكودينامي , فالقيم ليست دافعا يدفع الإنسان بل إنها تجذبه بما تنطوي عليه من اختيارات و قرارات .
و سعي الإنسان إلى المعنى في رأي فرانكل قوة أولية في حياته , و ليس تبريرا ثانويا لحوافزه الغريزية . كما أن المعاني و القيم ليست ميكانزمات دفاعية , أو تكوينات و ردود أفعال و إعلاءات , بل هي قوى جاذبة , و فيها دائما حرية متضمنة تكفل للإنسان الاختيار بين القبول و الرفض في سبيل تحقيق إمكانات المعنى .
و يؤكد فرانكل أنه يجب أن يكون واضحا تماما أنه لا يمكن أن يوجد في الإنسان شيء يمكن أن نسميه ( الحافز المعنوي ) , على نحو ما نقصد بالغرائز الأساسية كمحددات حتمية , فالإنسان لا يساق إلى السلوك الأخلاقي المعنوي , و لكنه في كل حالة يتخذ قرارا بأن يسلك على نحو أخلاقي و هو لا يفعل ذلك ليشبع دافعا أخلاقيا معنويا , أو لكي يكون له ضمير سليم , لكنه يسلك هكذا من أجل سبب يؤمن به , أو من أجل إلهه الذي يعبده , أو من أجل شخص يحبه . و الواقع أن الضمير السليم قد يكون أفضل وسادة , كما تذهب مأثورة ألمانية , إلا أن الأخلاق الحقة هي أكثر من مجرد حية دواء منوم .

3- الشخصية بين السوية و المرض :
لا تتحقق الصحة النفسية و السوية من منظور العلاج بالمعنى كما يذكر ساهاكيان إلا بوجود قدر مناسب من التوتر , ينتج عن إدراك الفرد للفجوة بين ما أنجزه و ما يتمنى أن يحققه . و هذا التوتر هو الأساس لكون المرء إنسانا , و في وجوده يكون التبصر بالإمكانات و حدودها , و بالمدى الذي يمكن أن تمتد إليه الطموحات و التطلعات .




و قد استخلص شولتز من كتابات فرانكل بعض الخصائص المميزة للفرد الذي يتصف
بالسواء و الصحة النفسية , مشيرا إلى أن ذلك الفرد هو الإنسان القادر على استخدام حريته و تحمل مسئوليته و مواجهة مصيره و هو الإنسان الصامد في وجه القوى الخارجة عن إرادته , المؤمن بالقيم و المبادئ الرفيعة , و الذي يحقق المعنى في حياته . و مثل هذا الإنسان يكون مستقبلي التوجه بآماله و أهدافه و لديه دائما سبب للسعي و الكفاح و هو دائما صاحب موقف حاسم يلزم نفسه به , و هو إلزام في حقيقته حرية شخصية يجب أن يجيد كل إنسان استخدامها .
أما العصاب من وجهة نظر العلاج بالمعنى كما يبين كورى فهو فشل المرء في استخدام حريته في تحقيق إمكاناته الإنسانية , و فشله في النهوض بمسئوليات هذه الحرية , الأمر الذي يؤدي إلى فقدان الشعور بالوجود , و محدودية الوعي و الإمكانات و القدرات , و انبعاث حالة من اللامعنى , تؤدي بدورها إلى الشعور بالذنب و الفراغ و الاغتراب و أحيانا إلى اللامبالاة التي تدعو إلى الإنسحاب و تجنب المواجهة , و توصل إلى الاضطراب النفسي و العصبي .
و بحسب فرانكل فإن فقدان المعنى هو نوع من العصاب الذي تميزه حالة من اللاغرضية , و افتقاد الهدف و أحيانا رغبة في عدم الاستمرارية .
و في تناوله لمفهوم العصاب يستشهد فرانكل بقول ديستوفسكي ( يوجد شيء واحد فقط يروعني , و هو ألا أكون جديرا بآلامي ) . فالحياة بحسب فرانكل مليئة بالاختيارات و الفرص التي تقول للإنسان : ( حدد إذا كنت تنوي أن تصبح أو لا تصبح لعبة في يد الظروف متخليا عن الحرية و الكرامة ) . و الإنسان العصابي هو الذي يعتقد أن الحياة كلها محن و آلام و معاناة , و يحاول الهرب من الوعي الكامل بمهامه فيها , و إذا أمكن للعلاج أن يوقظ فيه هذا الوعي فإن في ذلك إسهام كبير في تعضيد قدرته على التغلب على عصابه .
خلاصة القول أن الحياة الإنسانية بما تطرحه من تحديات , تستلزم اتخاذ القرارات و تحمل المسئوليات تنطوي على كل أسباب الشعور بالقلق و الشعور بالذنب , و هنا تتحدد مستويات السوية أو المرض التي يقف عندها الإنسان , فالمواجهة و التحدي تعني تحقيق الذات و الوجود , و ازدهار الأصالة الإنسانية , و هذه هي أعلى مراتب السوية , أما الشعور الحاد المعوق بالفشل و الذنب فجميعها مولدات للعصاب , تفقد الإنسان مقومات وجوده و تضيع وجوده و تضيع منه معنى حياته , و تصل به إلى المرض و أحيانا إلى الإنحراف .

نظرية فرانكل في العلاج بالمعنى :
يعتقد الوجوديون أن التقيد بأسس نظرية محددة سلفا يعد من أكبر العوائق التي تحول دون بلوغ أفضل فهم للإنسان , و أفضل تواصل معه , و رغم ذلك فإن للاتجاه الظاهرياتي و الفلسفة الوجودية الدور البارز في إرساء القواعد التي تحدد الخلفية



النظرية و الأساس الفلسفي و كذلك أسلوب الممارسة العلاجية في مدارس العلاج الوجودي بوجه عام و في العلاج بالمعنى بوجه خاص . هذا و سوف نعرض نظرية فرانكل في العلاج بالمعنى من خلال المحاور التالية :

- فلسفة العلاج بالمعنى :
يمتد الأساس الفلسفي للعلاج بالمعنى امتدادا فسيحا حتى أنه يمكن اعتباره فلسفة لحياة الإنسان , لا أسلوبا يعالج مشكلة بعينها , أو أخرى غيرها . فقد استند فرانكل إلى فلسفة أصبحت مدخلا علاجيا يستهدف مساعدة الأفراد على أن يجدوا معنى لحياتهم , و ذلك من خلال الإيمان و الاسترشاد بمبادئ هذه الفلسفة , و بخاصة الاعتقاد بأنه لا بأس من أن يشعر الإنسان أحيانا بالمعاناة و التعاسة و الألم , أو يعيش السعادة و الهناء , فمع الوصول إلى المعنى يكون الوصول إلى ذروة الوجود . و في ذلك يورد فرانكل ماقاله نيتشه : ( إن مالا يقتلني يجعلني أكثر قوة ) .

و يبلور فرانكل فلسفة العلاج بالمعنى , مشيرا إلى أن العلاج بالمعنى يحاول مساعدة الفرد المصاب بالعصاب على ان يصبح واعيا بمهام حياته , و أن يوقظ فيه الوعي الأكمل بوجوده , ومعنى هذا الوجود , على نحو يسهم في تعضيد قدرته على التغلب على عصابه . و لأن المعنى قوة أولية في حياة الإنسان فهو نوعي و فريد و ذلك من حيث أنه يتحقق بواسطة الفرد وحده , و يشبع عنده إرادة المعنى .

- أهداف العلاج بالمعنى :
تبعا لفرانكل و كما يذكر باترسون فإنه ليس من بين أهداف العلاج بالمعنى أن يأخذ مكان العلاج النفسي , و إنما يحاول استكماله , إذ يتناول الإنسان في صورة كاملة تتضمن البعد الروحي و تركز صراحة على القيم و المعاني , و ذلك لأن الأعصبة النفسية تكون ذات مظاهر وجودية , و علاجها يجب أن يكون أكثر من مجرد علاج نفسي , لأنه يجب أن يأخذ في الاعتبار المظاهر الوجودية , و هذا هو ما يفعله العلاج بالمعنى .
و العلاج بالمعنى يهدف إلى أن يفهم الإنسان ذاته , و يفسر وجوده , و يعبر فرانكل عن ذلك قائلا : ( إن المتعمق في أهداف العلاج بالمعنى يجد أنه يستهدف إعادة توجيه موقف العميل حيال مرضه و ألمه و معاناته و أزماته ) . و يضيف فرانكل موضحا أنه بلغة التحليل النفسي فإن العلاج بالمعنى يساعد مرضاه على مواجهة رغباتهم الممنوعة , و يساعدهم على أن تكون لديهم أنا عليا أكثر سماحة و أقل صرامة , فالتعامل في العلاج بالمعنى يكون مع المبادئ و القيم و




المعايير , و كيفية اكتشاف الجديد و المناسب منها , و الذي يكون أقل عقابية و تزمتا و إيلاما .
و في موضع آخر يشير فرانكل إلى أن العلاج بالمعنى يولي اهتماما خاصا بالمستقبل , فالتطلع إلى مهمة يجب إنجازها و مشكلة يمكن تخطيها , و معاناة ينبغي مواجهتها , هو الذي يساعد الإنسان على البقاء على قيد الحياة , متطلعا إلى مستقبل آت , و هو الذي يجعله حريصا على التمتع بالسعادة و الصحة النفسية .
كما يستهدف العلاج بالمعنى – كما يبين فرانكل – الاهتمام بالنضالات الروحانية في سبيل المعنى و الحياة , تلك النضالات الكامنة خلف ستار المرض النفسي , و يستهدف كذلك تعميق فهم الانسان لحقيقة وجوده و طموحاته الإنسانية و توسيع مجال رؤيته فيما يتعلق بإمكاناته و قدراته .
بذلك يتضح أن العلاج بالمعنى لا يستهدف مجرد الشفاء من المرض , أو التخلص من الأعراض , و إنما بلوغ معان أكثر عمقا , حتى و إن اقتضى ذلك تحمل الفرد للمزيد من القلق و الألم و المعاناة . و لتحقيق ذلك يهتم المعالج بمحاولة فهم عميله و الالتقاء معه من خلال مشاركة وجودية يلتقي فيها إنسان بآخر , و يتواصل معه بوصفه إنسانا لا مجرد عميل .


- مفاهيم العلاج بالمعنى :

1- مفهوم حرية الإرادة :
يقول فرانكل : ( بالرغم من كوننا في اضطرار للخضوع إلى بعض الظروف و الأحوال الخارجة عن إرادتنا , إلا أننا نكون أحرارا في اختيار ردود أفعالنا تجاه كل ذلك ) . فالحرية كما يقول شولتر – مفهوم هام جدا في فكر و كتابات فرانكل , الذي يؤمن بأهمية أن نكون أحرارا في مواقفنا تجاه ظروفنا و أحوالنا و وجودنا , إذا ما كان لنا أن نتمتع بالصحة النفسية , و لهذا فإن الشخص الذي لا يعرف كيف يستخدم هذه الحرية يعاني من العصاب الذي يسيطر عليه و يعطل إمكاناته و يؤخر نموه الإنساني و البشر ليسوا تابعين عميان لبعض القيم و المبادئ و ليسوا آليات تستجيب بحسب ماوجهت إليه , و ليسوا نتاج ما دربوا عليه في طفولتهم , أو ما اكتسبوه من خبرات في حياتهم فحسب , بل إنهم أحرار , و بإمكانهم أن يكونوا كذلك بدرجة كاملة , أحرار بكل ما تحمله الكلمة من معنى , أحرار في أن يختاروا من السبل ما يكفل لهم ضمان الوصول إلى المعنى و تحقيق إرادة المعنى التي هي إرادة الحياة .



2- مفهوم معنى الحياة :
يشير إلى أنه عندما تسأل الأفراد عن السبب الذي من أجله يعيشون حياتهم , فإنهم سيجيبون بأنهم يعيشون من أجل الأطفال الذين يجب أن تستكمل تربيتهم , أو من أجل الصديق الذي يجب مساندته , أو من أجل العمل الذي ينبغي إنجازه أو من أجل الحركة السياسية التي ينبغي أن تحظى بالتأييد أو من أجل العمل الفني الذي لم يزل قيد التطوير , .. و كل هذه الإجابات يمكن إيجازها في جملة واحدة مؤداها أن هناك شخصا ما أو شيئا ما في حاجة إلى وجود , و هنا يكمن جوهر العلاج بالمعنى الذي يعلمنا أن غاية سعينا ينبغي أن تكون من أجل معنى يدوم و يعمق مغزاه حتى في أحلك ساعات المعاناة , و هذا ما حدث لفرانكل الذي جاهد ليبقى و لينقل للبشرية خلاصة تجربته وسط ذلك القدر الهائل من العذاب البدني و النفسي .
و من هنا تتبلور صورة معنى الحياة كما أرادها فرانكل في نظريته للمعنى , فالحياة بالنسبة لأي فرد ذات معنى تام و غير مشروط , يمكن تحققه بغير شرط أو قيد . و ينبغي للإنسان ألا يتوقف عن بلوغ هذا المعنى في كافة الأحوال و الظروف . و المعنى الذي يقصده فرانكل ذاتي و موضوعي في آن
واحد , فهو ذاتي من حيث تناول الإنسان له , و موضوعي من حيث أن لكل شيء معناه الحقيقي الخاص به , و لأن المعنى لا يمنح , و إنما يلزم أن يلتمسه الإنسان و يسعى إليه , فإن هذا الالتماس و هذا السعي لبلوغ المعنى يجب أن يكون في إطار من المسئولية و الالتزام , و سعيا وراء التطور و الابتكارية .

3- مفهوم إرادة المعنى :
يعتقد فرانكل أن إرادة المعنى تمثل دافعا رئيسيا في حياة الإنسان , بل إنها أقوى الدوافع الرئيسية , فبغيره لا يكون هناك مبرر للاستمرار في الحياة . و هو دافع فطري و متفرد لدى كل إنسان , و مختلف في طبيعته و توجهه من فرد لآخر , بل و لدى نفس الفرد من موقف لآخر , و يمكن تحقيق هذا الدافع من خلال ما نحققه في حياتنا من مهام نكتشف من خلالها ذواتنا , و قدراتنا على التحدي لمعوقات إنجاز هذه المهام .

4- مفهوم الإحباط الوجودي :
يرى فرانكل أن إرادة المعنى عند الإنسان قد تتعرض للإحباط , و هو ما يعرف بالإحباط الوجودي , و الذي قد يتمخض أحيانا عن المرض النفسي . و هذا النمط من المرض النفسي يطلق عليه فرانكل مصطلح ( العصاب معنوي المنشأ ) خلافا للعصاب النفسي المنشأ و يتولد هذا النوع من العصاب من



صراعات القيم المختلفة ( أي من الصراعات المعنوية الأخلاقية ) , و يؤكد فرانكل على أنه ليس كل صراع بالضرورة عصابيا , فمقدار من الصراع سوي و صحي , كما أنه ليست كل معاناة ظاهرة مرضية , فالمعاناة قد تكون إنجازا إنسانيا طيبا , خاصة إذا كانت تنشأ من الإحباط الوجودي .

5- مفهوم العصاب الوجودي :
إن المسئولية الهائلة التي يحمل عبئها كل إنسان تعني أنه يتحتم عليه أن يجد معنى لحياته الخاصة من خلال وجوده , و هكذا فإن العصاب الوجودي لا يعتبر نتيجة توتر و صدمة , و إنما نتيجة عدم القدرة على رؤية معنى للحياة

6- مفهوم الديناميات المعنوية :
يؤكد فرانكل على الديناميات المعنوية التي تدعم الصحة النفسية للفرد , و قوامها أن يكون هناك دائما شكل من أشكال التوتر بين إنجازات الفرد و طموحاته , أي بين ما هو عليه الآن و ما ينبغي أن يكون عليه .
و قد رأى فرانكل أن الصحة النفسية تستند إلى درجة من التوتر بين ما أنجزه الفرد و ما لا يزال عليه أن ينجزه , بحيث يكون ناتج الديناميات المعنوية في حياة الإنسان تحديد معنى بالإمكان بلوغه .
و من هنا يكون كل ما ينبغي فعله هو إيقاظ إرادة المعنى في الإنسان من حالة كمونها , و حث الإنسان على السعي و الجد و بلوغ الأهداف , فهذا هو ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات , و منه يكون اشتقاق الوعي الذاتي و الحب و الضمير الأخلاقي , و منه يكون الالتزام الحقيقي الذي تتوارى خلفه أقنعة الزيف و الخداع , و تسمو به الذات فوق وجودها البيولوجي إلى رسالات و روحانيات و معنويات يسعى إليها الإنسان بملئ إرادته الحرة , التي حققت معنى الوجود و معنى الحياة .

7- مفهوم المسئولية :
و التأكيد على الالتزام بالمسئولية جزء لا يتجزأ عن العلاج بالمعنى , و قد عبر فرانكل عن ذلك مشيرا إلى نتائج العلاج – قائلا : ( و هكذا تعيش الآن كما لو كنت تعيش بالفعل من جديد , و كما لو كنت قد سلكت على نحو خاطئ في المرة الأولى مثلما تفعل الآن ) . و هذا هو المبدأ الذي يستثير إحساس الفرد بالالتزام و المسئولية , فيتخيل إن الحاضر سوف يصير ماضيا , و أن الماضي لن يتغير أو يتحسن , في حين أن المستقبل سوف يكون من غير شك قابلا لهذا التغير .




و بذلك تكون مسئولية الإنسان هي محض تعبير عن وجوده و دليل عليه , و معناها أنه بإمكانه أن يفعل الصواب , أو أن يرتكب الخطأ و الآثام , و لهذا فهو إما مستحق للثواب والثناء , و إما للوم و العقاب , و مفتاحه إلى النهوض بمسئوليته هو أن يتعلم من أخطائه و يسترشد الطريق إلى المستقبل .

8- مفهوم الوعي بالذات :
يحاول العلاج بالمعنى كما حدده فرانكل أن يجعل المريض واعيا كل الوعي بالتزامه بمسئولياته , و يترك له حرية اتخاذ القرار بشأن إدراكه لنفسه كشخص مسئول عن اختياره لأهدافه في الحياة .

9- مفهوم التسامي بالذات :
يرى فرانكل أن الدافع الحقيقي في حياتنا ليس هو البحث عن ذواتنا , و إنما البحث عن المعنى . و هذا يعني من جانب معين نسيان أنفسنا , و تجاوزها و التسامي فوقها . فالإنسان لا يكون إنسانا إلا إذا تجاوز ذاته و ارتقى بإنسانيته إلى ما ورائها . و هذا ماجعل فرانكل مختلفا عن كل أصحاب النظريات الأخرى الذين اعتقدوا أن الدافع الأساسي للنمو الإنساني هو تحقيق الذات فليس الكفاح و الجهاد من أجل ما هو في الذات أو ما بداخلها , فذلك يعد هزيمة للذات , و إنما السعي يكون للتسامي فوق هذه الذات . و يشير شولتز إلى إيمان فرانكل بأننا إذا ركزنا سعينا للوصول إلى السعادة , فلن نحقق السعادة أبدا , فالسعادة لا تطلب و لا تمسك بالأيدي , و إنما تتحقق تلقائيا بالوصول إلى المعنى و التسامي فوق الذات , و بذلك تتحقق الذات تلقائيا و من فورها , و تتحقق أيضا الصحة النفسية .

10- مفهوم القيم :
يحدد فرانكل تصنيفات ثلاث للقيم تعد السبيل الذي يمكن أن يسلكه أي إنسان لكي يصل إلى معنى حياته , ففي رأي فرانكل أن القيم قد تكون :
- قيما ابتكارية تتعلق بالانجازات و أداء المهام .
- قيما خبراتية تقف بالفرد عند معنى ما هو خير و حقيقي , و تساعده على فهم حقيقة الحب بين البشر .
- قيما اتجاهاتية توجه الفرد نحو تبني اتجاه محدد حيال آلامه و معاناته . و لأن الإنسان يستطيع في كل الأحوال و على كل الوجوه تحقيق هذه القيم , فهو قادر إذن على إيجاد معنى لحياته , كل بمفرده و كينونته الخاصة , و ذلك من خلال خبراته و ابتكاراته , و من خلال موقف يتخذه حيال تحديات الحياة .



- و من هنا نفهم لماذا لا تخلو الحياة أبدا من المعنى , فحتى لو كان الفرد تنقصه إمكانات الابتكار و خبرات المواجهة فإنه سيظل ذا موقف و اتجاه محدد نحو العالم و الحياة , حتى و لو كان ذلك في إطار من الألم و المعاناة .

فنيات و طرائق العلاج بالمعنى :
العلاج بالمعنى بحسب فرانكل خطوة رائعة على طريق تطور العلاج النفسي , تلوح بالأمل في استعادة الإنسان إنسانيته التي سلبتها اتجاهات العلاج التقليدية متناسية أهم ما يميز الإنسان كإنسان : حريته , و مسئولياته عن أفعاله , و تطلعه الدائم إلى تحقيق معنى يجعل حياته تستحق أن تعاش .
و يرى فرانكل أن العلاج بالمعنى بشهادة الآخرين هو التيار الوجودي الوحيد الذي نجح في وضع فنيات علاجية خاصة به . و يشير فرانكل إلى أنه قدم الفنيتين الرئيسيتين للعلاج بالمعنى في غضون الفترة مابين عامي 1947و 1955 .
و هاتان الفنيتان كما يشرح باترسون هما : القصد العكسي و صرف التفكير , و هما فنيتان تستخدمان حيال اتجاه المريض نحو عصابه , و ليس حيال الأعراض التي تنشأ عن هذا العصاب . و قد وجد فرانكل أن 77% من المرضى الذين عولجوا بهما قد شفوا أو تحسنوا , كما أثبتت الفنيتان أنهما على مستوى من الفعالية مع المستويات المرضية الأكثر عمقا , لأنهما أكثر من مجرد محاولات لتغيير نماذج السلوك , إنهما محاولة لإعادة التوجه الوجودي , و تعبير عن العلاج الوجودي في أصدق معانيه , و يمكن توضيح هاتين الفنيتين فيما يلي :

1- فنية القصد العكسي :
المقصود بتلك الفنية كما يرى فرانكل هو أن تباعد بين ذاتك و بين مشكلاتك و مخاوفك , و لكن بشكل عكسي . فأنت إن قصدت مواجهة مخاوفك أو الاقتراب منها , فإنك لا تلبث أن تكتشف أنها ليست بمخاوف تستحق ما كانت تسببه لك من آلام و معاناة .
و في هذه الفنية يتم التركيز على أهمية أن يكتسب العميل الشجاعة , و أن يستعيد الثقة في نفسه , فيستدخل هذه الفنية إلى ذاته , و يستخدمها بنفسه دون اعتماد على آخرين .

2- فنية صرف التفكير :
و يقصد بها الحد من تثبيت التفكير على فكرة ما أو موضوع ما يثير القلق , فظاهرة الإمعان الفكري المفرط يمكن ملاحظتها بسهولة عند كل الناس , و في إطار مختلف الثقافات , حيث يصر العديدون على مراقبة أنفسهم و تحليل



الدوافع الخبيئة المزعومة لسلوكهم , و تأويل هذا السلوك بلغة الديناميات النفسية اللاشعورية , و هؤلاء غالبا ما يطاردهم شبح توقع قدري للآثار المعوقة لماضيهم , حتى أنهم يصبحون فعلا معاقين . و في ذلك يقول أحد عملاء فرانكل ( لقد عانيت من فكرة أنني لابد و أن أكون مصابا بعقدة نفسية , أكثر من معاناتي مما لو كنت مصابا بها فعلا ) .
و هكذا من خلال هذه الفنيتين يضع فرانكل عميله في موضع يعلو به فوق عصابه .
و يشير فرانكل إلى أنه كان يستخدم بعض الأساليب المساعدة التي تعينه على تطبيق فنياته , من قبيل الحوار السقراطي الذي يوجه من خلاله أسئلة و استفسارات , و يحاور عميله على نحو يستثير المعنى الكامن لديه , و ذلك على نحو ينتقل بالعملية العلاجية من مرحلة إلى أخرى , و يحدث في كل منها تبادل الكشف عن الذات و إفشاء مكنوناتها ما بين المعالج و العميل , إذ أن كشف المعالج عن ذاته يمثل إغراء للعميل لكي يقوم بنفس الشيء .


دراسات تناولت نظرية العلاج بالمعنى في أطر بحثية مختلفة :
1- دراسة إبرسلو بولا :
( المعنى في حياة الإنسان في مراحل عمرية مختلفة )
استهدفت الدراسة مناقشة أهمية وجود معنى في حياة الإنسان و درجة اختلاف هذه الأهمية و هذا المعنى من مرحلة لأخرى . و من خلال تحليل استجابات أفراد العينة على مقياس يشمل سؤالا عن المعنى في حياة الإنسان , توصلت الدراسة إلى أن المعنى في حياتهم يرتكز على عدة جوانب هي : الأسرة و العلاقات الأسرية , المساعدة و خدمة الآخرين و أهمية الشعور بالعطاء , الإيمان و الالتزام بمعتقدات راسخة , التطلع إلى تحقيق مكاسب معنوية كالشعور بالاحترام و التقدير من جانب الآخرين و النجاح و المكانة المرموقة و السمعة الطيبة و النمو الذاتي و تطوير القدرات و استثمار الإمكانات لزيادة الشعور بالإستقلالية و الاستحقاقية و العمل و الانشغال بالمهام و المسؤليات و السعادة و السرور و المتعة .
و كشفت نتائج الدراسة أيضا عن أن المعنى الأعمق في حياة الأفراد ذو طابع ديني يتصل بوجود الإله و الاستدلال عليه في أغلب الحالات , و أنه مع التقدم في العمر يزداد الاهتمام بالدين و بعلاقة الفرد بربه , أما المصدر الثاني للمعنى في الأهمية فكان الحياة الأسرية و علاقة الأفراد بذويهم . هذا بخلاف من هم من ذوي المكانة و السلطة الذين سجلوا أن




العمل هو المعنى و المغزى الحقيقي في حياتهم . و قد سجلت نتائج الدراسة استجابات بعض الأفراد الذين أشاروا إلى أننا نعيش عصر ( اللامعنى ) , و أن تميز حياة الإنسان بمعنى له مغزى إنما هو خرافة لا يحققها الكثيرون , و لذلك فإنهم يعانون الحزن و الاكتئاب .

2- دراسة استفينز , فوست , بوتس :
( دور متغير الجنس في التأثير على إرادة مواجهة القضايا الوجودية ) :
استهدفت الدراسة التعرف على الدور الذي يلعبه متغير الجنس في التأثير على إرادة مواجهة قضايا وجودية . و أكدت نتائج الدراسة أن متغير الجنس يلعب دورا محددا في التأثير على إرادة مواجهة القضايا الوجودية , و القدرة على تحديد الهدف و تحديد المصير و التميز بالتوكيدية . فقد كشفت النتائج عن أن تمتع الأفراد بخصائص الجنس الذي ينتمون إليه و خصائص الجنس الآخر يزيد من فعاليتهم في المواجهة و التحدي . كما أوضحت أن القدرة على التكيف و المرونة و الانفتاح خصائص مميزة و هامة ارتبطت بتزايد السعي الحثيث للأفراد لاستيعاب الخبرات و الاختيار بين البدائل , و الالتماس للفرص و الاختيارات المتجددة , هذا إلى جانب خصائص أخرى خاصة بالذكور على حدة كالسيادة و المنافسة و التحليلية , و أخرى خاصة بالإناث كالخصوبة و الإبتكارية .

3- دراسة ابراهيم بدر :
( فاعلية العلاج الوجودي في شفاء الفراغ الوجودي و اللامبالاة اليائسة لدى الطلبة الفاشلين دراسيا ) :
استهدفت الدراسة استكشاف مدى فاعلية العلاج بالمعنى في علاج الفراغ الوجودي و اللامبالاة اليائسة لدى الطلاب الفاشلين دراسيا باعتبار أن هذه الحالة سبب رئيسي للفشل الدراسي الذي يعاني منه هؤلاء الطلاب .
و أكدت نتائج هذه الدراسة فعالية العلاج بالمعنى في شفاء الفراغ الوجودي وما يصاحبه من لا مبالاة يائسة مع استمرار فعالية هذا العلاج بعد فترة المتابعة و مع ارتفاع نسبة النجاح الدراسي بعد العلاج بشكل ملحوظ لدى العينة التجريبية . كما أكدت نتائج الدراسة على أن العلاج بالمعنى يفيد في حالة أولئك الذين يواجهون الفشل و اللامبالاة و يفتقدون المعنى في كل شيء و يشعرون بالمرارة و اليأس , فالعلاج بالمعنى يحول اليأس إلى معنى , و العجز إلى إنجاز , و الاستسلام إلى تحد و مواجهة , ومن ثم يتولد شعور المسئولية اللازم لتغيير الفشل و تحويله إلى نجاح .



4- دراسة إسماعيل بدر :
( دراسة تجريبية لأثر العلاج بالمعنى على خفض مستوى الاغتراب لدى الشباب الجامعي ) :
استهدفت الدراسة اختبار أثر العلاج بالمعنى على خفض مستوى الاغتراب لدى الشباب الجامعي .
و أكدت نتائج هذه الدراسة فاعلية العلاج بالمعنى في علاج الاغتراب و ما يترتب عليه من فقد لمعاني القيم الإنسانية و الروحية , و لروح الإنتماء لدى الفرد من حيث أن العلاج بالمعنى يأخذ بيد الفرد و يعينه على مواجهة متناقضات النسق القيمي الذي يؤمن به , و الخروج من حالة العجز و اللامعنى و اللاانتماء .

5- دراسة يالوم و ليبرمان :
( المواجهة الوجودية ) :
استهدفت الدراسة استكشاف ما إذا كنت مواجهة القضايا الوجودية تؤدي إلى إحداث تغييرات إيجابية في حياة الإنسان و استيضاح ما يترتب على هذه المواجهة من تحول في حياة الإنسان و من تغير في مساره .
و أكدت الدراسة على نوع من النمو و الإرتقاء الذاتي للفرد الذي استشعر الوعي الوجودي , حيث أصبح ينهض بالمواجهة و يتقبلها . إذ تبين أن هذا الوعي و هذه المواجهة كانت تساعد الفرد على إعادة تحقيق ذاته في تكامل و عمق , و على تغيير مفاهيمه و طرائقه و على استعادة توازنه .

6- دراسة محمد رفاعي :
( فاعلية العلاج بالمعنى في تحسن حالات مدمني الكودايين و عقاقير الهلوسة لدى طلاب المرحلة الثانوية ) :
أثبتت نتائج الدراسة فاعلية برنامج العلاج بالمعنى في تحسن حالات مدمني الكودايين و عقاقير الهلوسة , حيث أسهم البرنامج في مساعدة هؤلاء المدمنين على التعرف على مشكلاتهم و على أهداف حياتهم , و على إيجاد المعنى المفقود منهم بحيث يعود الواحد منهم ليتحمل مسئولية نفسه و مسئوليته تجاه أسرته و مجتمعه , و يبتعد عن دائرة الإدمان .








نقد نظرية العلاج بالمعنى لفيكتور فرانكل :

قد يكون من الجدير ذكره في هذا المجال أن نتطرق لجوانب نقدية لنظرية العلاج بالمعنى لفيكتور فرانكل ..
لم تكن النظرية عبارة عن أفكار فلسفية لم تثبت علميا كما نرى عند الكثير من علماء النفس التحليليون و على رأسهم مؤسسها فرويد , و لم تكن عبارة عن تجارب على الحيوان تم تعميمها على الإنسان و كأنه حيوان لا يملك عقلا يفقه به .
بل كانت نظرية منبثقة عن خبرة حياتية عاشها فرانكل بكل شجاعة و قوة , حيث تم اعتقاله أثناء الحرب العالمية و ظل في معسكر يكسوه الجوع و الأمراض و التهديد بالقتل و كل مايطرأ على عقل الإنسان من أنواع القسوة , و مع ذلك ظل قويا صامدا و لمدة ثلاث سنوات , و عندما خرج من المعتقل وجد أن زوجته قد ماتت و كذلك عدد كبير من أهله قد فارقوا الحياة , إلا أنه لم يستسلم للأفكار السلبية بل وجد أن هناك معاني للحياة تجعل الانسان يعيش من أجلها و هو كذلك عاش من أجل معاني بالحياة و توصل إلى أن أعظمها الايمان بالله و لذا نجده قد ركز على الجوانب الروحية من حياة الإنسان في حين وجدناها منسية في ماسبقها من نظريات , فلقد أعطت هذه النظرية منزلة عالية للأبعاد العقلية و الروحية للإنسان , على أنها من أهم الأبعاد المساهمة في صحته النفسية أو كما يسميه الإحباط الوجودي لعدم معرفة الإنسان لبعده العقلي أو الروحي في الحياة وهو ما يسبب المرض النفسي .
و لم نجد انتقادات سلبية لهذه النظرية عند أغلب المنظرون . بل نجدها نظرية لم تعارض ماسبقها من نظريات و لم تحاربها بل أتت مكملة لما كان ينقصها . و بذلك نرى أن هذه النظرية قد تسيطر في علم النفس الحديث و تفرض سيطرتها بقوة في مجال العلاج النفسي . و هي نظرية قريبة جدا من إنسانية الإنسان حيث تعترف بإنسانيته و كرامته و حاجاته الروحانية .
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد