علم النفس الصحي
مرحبا بك
نتمني ات تجد بالمنتدي مايفيدك واذا رغبت في المشاركة فالتسجيل للمنتدي مفتوح

ولك الشكر


علم النفس الصحي
مرحبا بك
نتمني ات تجد بالمنتدي مايفيدك واذا رغبت في المشاركة فالتسجيل للمنتدي مفتوح

ولك الشكر

علم النفس الصحي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

علم النفس الصحيدخول

الصحة النفسية علم النفس الطب النفسي


descriptionالنمو العقلي المعرفي في مرحلة المراهقة Emptyالنمو العقلي المعرفي في مرحلة المراهقة

more_horiz
يستمر النمو العقلي في المراهقة سواءً من الوجهة الكمية أو الكيفية؛ فالتغَيُّر يكون كميًّا, بمعنى أن المراهق يصبح أكثر قدرة على إنجاز المهامِّ العقلية على نحوٍ أكثر سهولة وسرعة وكفاءة من الطفل, كما أن هذا التغيُّر يكون كيفيًّا, بمعنى أنه تحدث في المراهقة تغيرات في طبيعة العمليات المعرفية تجعلها مختلفة عنها في مرحلة الطفولة.
فمع بداية مرحلة المراهقة تنمو في الفرد القدرة على التفكير باستخدام العمليات الصورية أو الشكلية Formal opertions كما يسميه بياجيه، ويُعَدُّ ظهور هذه القدرة في رأيه المرحلة الرابعة والأخيرة في النمو العقلي والمعرفي عند الإنسان, والتي يتم الوصول إليها خلال الفترة العمرية بين 11، 15 عامًا، وهو رأيٌ تَعَرَّضَ للنقد في السنوات الأخيرة, وسوف نعرض لذلك في تناولنا لمرحلة الرشد.
إن المراهق والراشد -بعد ذلك- يستطيع باستخدام العلميات الصورية أن يفكر بدرجة كافية من المرونة حول العالم الذي يعيش فيه، ويتناول العموميات المجردة من حوله؛ كمفاهيم الحرية والعدالة, كما يستطيع أن يدرك الخصائص الداخلية للأشياء, ولا يقتصر عند حدود الخصائص الخارجية التي يحكمها الإدراك الحسي.
إلّا أن هذا لا يعني أن المراهق يفكِّرُ كما يفكر الراشد, وإنما يعني أن المراهق أصبحت تتوافر لديه القدرة على استخدام نفس المنحى الذي يستخدمه الراشد في حل المشكلات.
وكلٌّ من التفكير باستخدام العمليات الصورية, والتفكير باستخدام العمليات العيانية "في الطور السابق", يعتمد على العمليات المنطقية, والفرق الجوهريّ بينهما: أن التفكير العياني يرتبط بالموقف الراهن والخصائص المحسوسة في البيئة، أما التفكير الصوري فيتعامل مع المشكلات المجردة واللفظية, سواء أكانت حقيقية أم مفترضة، وسواء في الحاضر أو الماضي أو المستقبل؛ فالتفكير الصوري يحرر تفكير المراهق -ثم الراشد فيما بعد- من المحتوى النوعي الخاص للمشكلات.
والتفكير الصوري هو عملية "من مستوى رفيع", ويتسم بالخصائص الخمس الآتية:
1 - الاستدلال المجرد: بالطبع تنمو لدى الأطفال -قبل مرحلة المراهقة- القدرة على التعميم قبل سن 11 سنة, إلّا أنَّهم لا يكونون مستعدين لفهم الخصائص المجردة مثل التطابق والكتلة, ومع بلوغ المراهقين سن 15 سنة يمكن لمعظمهم التعامل مع معظم هذه المفاهيم، ومنها المفاهيم الفلسفية؛ مثل الديمقراطية والحق والعقيدة وغيرها, بل قد تكون لديه مشاعر واتجاهات نحو المفاهيم والأفكار, وليس مجرد الأشياء والأشخاص
ويمكن للمراهق كذلك أن يبدأ في التفكير على المستوى النظري بدلًا من الاقتصار على حدود الحقائق الملاحظة والواقع الظاهريّ للموقف الذي يوجد فيه "Flavell Flavell", ومن ذلك مثلًا: أن طفل المدرسة الابتدائية "طور التمييز" إذا أُعْطِيَ المقدمتين الآتيتين:
البقرة أكبر من القطة.
القطة أكبر من الفأر.
فإنه يستطيع أن يستنتج بسهولة النتيجة الآتية:
البقرة أكبر من الفأر.
إلّا أن نفس هؤلاء الأطفال يرفضون الاستدلال الآتي على الرغم من صحته المنطقية:
الفأر أكبر من القطة.
القطة أكبر من البقرة.
إذن: الفأر أكبر من البقرة.
والصعوبة التي يواجهونها في تَقَبُّلِ منطق هذه النتيجة الأخيرة أنها تتعارض مع خبراتهم اليومية الملاحظة، ولا يستطيع الطفل في طور التمييز أن يفصل بين الشكل والمحتوى في المشكلة التي يقوم بحلها, أمَّا في المراهقة، ومع وصول الشخص إلى مستوى العمليات الصورية, فإنه يكون قادرًا على هذا الفصل, وبالتالي يستطيع أن يحلل التضمينات المنطقية لمواقف وعبارات افتراضية تمامًا.
وعلى الرغم من أن الطفل في مرحلة التفكير العياني "المرحلة السابقة" يفكر باستخدام الرموز, مما يعينه على إتقان العلميات الرياضية, إلّا أنه يستخدم هذه الرموز في الإشارة إلى مدلولاتٍ محسوسة، ولذلك يسمى الاستدلال في هذه المرحلة "التفكير الإجرائي من الدرجة الأولى".
أمَّا التفكير الإجرائي في مرحلة العمليات الصورية "المراهقة", فإنه يتَّسِمُ بالقدرة على التفكير في "الرموز التي تمثل رموزًا أخرى"، ومن أمثلة ذلك استخدام الرموز س، ص, ع, في الجبر؛ لتحل محل الرموز من الدرجة الأولى, أي الأعداد 1، 2، 3, وغيرها في الحساب, وهكذا يصبح المراهق في طور التفكير الصوري في غير حاجة إلى أمثلة محسوسة, أو رموزٍ من الدرجة الأولى حتى يفكر, وهكذا يصبح التفكير مجردًا تمامًا، أي: يصبح قدرةً على المعالجة المنطقية للقضايا والرموز المشتقة من الحقيقة العيانية والمعتمدة عليها، أي: يصبح -بلغة
ياجيه- "تفكيرًا إجرائيًّا من الدرجة الثانية", وبالتالي يستطيع المراهق إيجاد قيمة أكبر الثلاثة في العلاقتين "أ < ب، جـ < ب".
2- التمييز بين الواقع والمحتمل: لعلَّ القدرة على التمييز بين الحقيقي "أي: الموجود في عالم الواقع", والافتراضي "أي: الذي يحتمل وجوده, ولا يوجد بالضرورة في عالم الواقع" هي أهم خصائص التفكير الصوري الإجرائي, باعتباره أعلى صور التفكير المجرد, معنى ذلك أن المراهق -ثم الراشد فيما بعد- قادران على معالجة جميع ما يحتمل أن يُوجَدَ, وليس فقط تمثيلات "صور" الأشياء التي توجد بالفعل, ومعنى ذلك أيضًا: أن المراهق يستطيع أن يفكِّرَ على النحو التالي: أنه إذا كان أحد جوانب الواقع أو الحقيقة صحيحًا, فإن بعض النواتج يمكن أن تستنتج, ثم يمكن أن تختبر, ويصبح التفكير في هذه الحالة حول القضايا وليس حول الحقائق.
فمن الملاحظ في مرحلة التفكير العياني أن المحتمل أو الممكن يترادف مع الواقعي أو الحقيقي، بينما في التفكير الصوري يُعَدُّ الواقع أو الحقيقة أحد الاحتمالات العديدة الممكنة. إن المراهق في هذا الطور لم يَعُدْ قانعًا بالتعامل مع الخبرة المباشرة, ولكنه يفكِّرُ بشكلٍ مستمرٍّ في البدائل المختلفة, ويستثمر المراهق هذه القدرة الجديدة في التعامل مع مختلف جوانب الحياة: السياسة، الدين، التربية، المستقبل المهني، الألعاب الرياضية، العلاقات الاجتماعية, وغيرها؛ فهو يتعامل مع الأفكار والمثل العليا والأيديولوجيات, وربما لهذا السبب يوصف المراهق بأنه "غير واقعي" أو "مثالي" أو "حالم".
ومع ذلك, فإن التفكير في الإطار الاحتمالي بعين المراهق على تناول البدائل والاختيارات المختلفة للمشكلة الواحدة، فسرعان ما يتحقق من أنه لا توجد طريقة واحدة فقط لحل المشكلة أو المسألة, وهذه المرونة الجديدة في التفكير تسمح له بالتعامل مع الأفكار العيانية والمجردة من منظورات مختلفة، بل قد يفكر في المستحيل, أو في الموقف المضاد, أو بطريقة لا تتفق مع حقائق الواقع "بنظرة ابتكارية أو إبداعية".
وكذلك يمكن للمراهق أن يتوقع وجهة نظر الآخر المعارِضِ له, ويصوغ حُجَجًا مضادة لها, ويمكن استثمار هذه القدرة في أنشطة المناظرات في المدرسة الثانوية.
ومن أهم النواتج المترتبة على نموِّ القدرة على التفكير الاحتمالي ما يلي:
أ- زيادة اهتمام المراهق بمستقبله التعليمي والمهني, ويتمثَّل ذلك في الحاجة
إلى تحديد الأهداف وتنظيم الأنشطة لبلوغ هذه الأهداف, مع تنمية القدرة على تقويم البدائل, ومعرفة ما لكلٍّ منها وما عليه.
ب- زيادة اهتمام المراهق بالمقارنة بين الحال الذي عليه الواقع, وما يجب أن يكون عليه الحال, وهذه المقارنات تؤدي بالمراهقين إلى الانشغال بالقضايا السياسية والاجتماعية والدينية؛ مثل قضايا البيئة أو حقوق الإنسان أو المسائل الدينية والأخلاقية، وقد يقود ذلك إلى الإندماج في بعض الجماعات النشطة في المسائل، وربَّمَا يؤدي هذا النشاط إلى صراعٍ مع الوالدين والمعلمين والقيادة والسلطة, وربما يؤدي ببعض المراهقين إلى الانتساب إلى جماعات العنف والتطرف, ولحمايتهم يجب على الراشدين تقدير وجهة نظر المراهق ومعاونته على إدراك الفجوة بين الواقع والمحتمل "ومنه المستحيل"، وتعميم برامج تهيء له أهدافًا بديلة من خلال النشاط الاجتماعي المشروع، وهذه هي مسئولية المدرسة الإعدادية أو الثانوية, وبرامج رعاية الشباب على وجه الخصوص.
3- اتساع نطاق التفكير: إلى جانب التغير في طبيعة التفكير في هذا الطور تظهر زيادةٌ في المدى أو الاتساع, فيصبح المراهق أكثر قدرةً على التعامل مع المثيرات الأكثر بُعْدًا في الزمان والمكان, كما أن العمليات المعرفية تصبح أكثر ارتباطًا بمعظم أنماط السلوك؛ بحيث تصبح هذه الأنماط أيسر في التحكم فيها معرفيًّا, وهكذا لا يصبح المراهق قادرًا على التفكير في المسائل العقلية وحدها, وإنما يستطيع أن يفكر أيضًا في المشكلات الانفعالية, ومشكلات العلاقات الإنسانية, وامشكلات الأخلاقية, والمشكلات العامة "مثل مشكلات مستقبل الجنس البشري", وغيرها, ويتميِّز المراهق بحماسه في التأمل، وهو يمارس العمليات الصورية في فهم عالمه كما يفعل الطفل في مرحلة الذكاء الحسي -الحركي, حين كان يستطلع عالمه بأصابعه وفمه.
4- التفكير العلمي: تظهر العمليات الصورية في مجالاتٍ عديدةٍ من حياة الإنسان, وخاصةً ما يتصل منها بسلوك حل المشكلة؛ ففي إحدى تجارب بياجيه كان يعرض على المفحوصين شيئًا معلقًا بحبلٍ "أشبه ببندول الساعة", ويمكن لهذا البندول أن يتعدل بتغيير عدة عوامل منها: طول الحبل، وزن الشيء، الارتفاع الذي عنده يتحرك البندول، القوة التي يدفع بها، وكان على المفحوص أن يحدد أيّ هذه العوامل يحدد سرعة حركة البندول, والإجابة الصحيحة هي أن طول الحبل هي العامل الحاسم، كما أن على المفحوص أن يدرك أن اختبار أثر
أحد هذه المتغيرات يتطلب التحكم "أو تثبيت" العوامل الأخرى حتى يمكنه الحصول على نتائج دقيقة.
وقد لاحظ بياجيه أن الأطفال في طور العمليات المحسوسة "طور التمييز" يبدأون مثل هذه التجربة بالتعامل الماديّ مع العوامل المختلفة التي يمكن أن تؤثر في معدل سرعة البندول, وكانوا بذلك أكثر تعليلًا وانتظامًا ودقةً من أطفال طور ما قبل العلميات "طور الحضانة"، كما أنهم أكثر قدرةً على الملاحظة الموضوعية، إلّا أن استنتاجاتهم لا تكون في أحسن الحالات صحيحةً إلّا صحة جزئية؛ لأنهم لم يخططوا لأيّ تحكم أو ضبط أو تثبيت، بالإضافة إلى عجزهم عن تجاوز النتائج القابلة للملاحظة مباشرة؛ ففي إحدى التجارب قارن الطفل بين بندول مؤلف من حبل طويل وشيء ثقيل, ببندول آخر مكون من حبل قصير وشيء خفيف، واستنتج من ذلك أن كلًّا من الطول والارتفاع له أهميته, أما في مرحلة العمليات الصورية "وهي طور التفكير العلمي الصحيح" لا يغير المراهق إلّا وزن الشيء فقط, ويبقى طول الحبل وارتفاع البندول وقوة الدفع متساوية في كلٍّ من البندولين.
5- الاستدلال الترابطي: من خصائص التفكير الصوري ما يسميه إنهلدير وبياجيه: الاستدلال الترابطي Combinatorial, وقد اكتشفا هذه الخاصية من التجربة الآتية, لقد أعطيا للمفحوص 4 زجاجات متشابهة, تحتوي على سوائل لا لون لها ولا رائحة, ومتطابقة إدراكيًّا، ورمز لكلٍّ منها بالرموز الآتية 1 حامض كبريتيك مذاب, 2 ماء, 3 ماء مشبع بالأوكسيجين, 4 كبريتات مخففة, ثم أضاف زجاجة "لها قطارة" رمز لها بالرمز "ج", تحتوي على البوتاسيوم اليودي، ومن المعروف أن الماء المشبع بالأوكسجين يؤكسد البوتاسيوم اليودي في وسيط حمضي، وعلى ذلك فإن المزيج "1 × 3 × ج" يعطي لونًا أصفر, أما الماء فهو محايد، وبالتالي فإن إضافته لا تغير اللون، بينما الكبريتات المخففة "4", تحول المزيج "1 × 3 × ج" إلى اللون الأبيض, ويعرض الفاحص على المفحوص كأسين؛ أحدهما يحتوي على "1 × 3", والثاني يحتوي على "2"، ويصب أمام المفحوص قطرات عديدة من "ج" في كلٍّ من الكأسين, ويلاحظ ردود الأفعال المختلفة, وبعد ذلك يطلب من المفحوص ببساطةٍ أن يحضر اللون الأصفر باستخدام الزجاجات "1، 2، 3، 4، ج" حسبما شاء.
لقد طلب من المفحوص في هذه التجربة إنتاج السائل الملون المعروض أمامه, دون أن يعرف طريقة الحصول عليه. إن هذه التجربة لو عرضت على الطفل في طور التفكير العياني فسوف يحلّ المشكلة بالمزاوجة بين كل سائلين فقط
وقد يتسم ذلك بالعشوائية وتكرار المزاوجات, أما المراهق في طور التفكير الصوري, فإنه يستطيع اختبار جميع الروابط الممكنة، ويشمل ذلك المزاوجة بين أكثر من سائلين، وهو بذلك يفكر في إطار العلل "الأسباب" الضرورية والكافية, ومن ذلك مثلًا أن المراهق قد يكتشف أن المزج بين العناصر الكيميائية الثلاثة التي تنتج السائل الأصفر قد يكون ضروريًّا لإنتاج هذا اللون، ولكنه قد لا يكون كافيًا، ولذلك قد يستمر المراهق في إجراء اختباراته للبحث عن صور أخرى للمزج تؤدي إلى نفس النتيجة, أي أن المراهق باحث عن "الأسباب المتعددة" التي تتفاعل معًا، وبالتالي فإن تفكيره لا يكون "أحاديّ الرؤية", أو "حتميّ السببية", أي لا يكون من نوع التفكير في السبب الواحد والوحيد.
6- الاستدلال متعدد الأبعاد: تعتمد هذه الخاصية على الخاصية السابقة؛ فالمراهق الذي يستطيع الربط بين عللٍ وأسبابٍ متعددةٍ للحدث الواحد, يمكنه التفكير في حلولٍ متعددة للمشكلة الواحدة, ويتطلب ذلك قدرةً على تناول البدائل متآنية "أي: في وقت واحد" من حيث الإيجابيات والسلبيات, ويؤدي ذلك بالمراهق إلى ترتيب البدائل, كما يعينه على الاختيار على تفضيل البديل الأكثر ملاءمة وفعالية في تحقيق هدف "أو أهداف" معينة بأقل قدرٍ من الآثار السلبية, وهذه إحدى القدرات الهامة في التفكير المستقبلي والتخطيطي, ويتطلب ذلك توافر مصادر كافية من المعلومات.
7- التفكير الفرضي الاستنباطي: في المثال السابق نشير إلى أن المراهقين حين تُعْرِضُ عليهم هذه المشكلة يبدأون في التفكير في جميع الارتباطات المحتملة للعناصر، أو على الأقل, الاحتمالات الضرورية للوصول إلى تحديدٍ كاملٍ للسببية "العلية", وتتوافر لديهم عادةً طريقة منظمة للوصول إلى هذه الارتباطات مثل "1 × ج" إلخ، ثم "1 × 2 × ج" إلخ, وتفصح لغة المفحوصين بوضوحٍ عن استخدام المنهج الفرضي الاستنباطي hypothetico- deductive في التعامل مع البيانات، مثل استخدام العبارات الشرطية "إذا ... إذن". ومن ذلك العبارة التي جاءت في بروتوكولات أحد المراهقين "إذا كان السائل "4" ماء, فإنك حين تضعه على المزيج "1 × 3" لن يمنع ذلك اللون الأصفر من الظهور، وعلى ذلك, فإنه ليس ماء؛ لأنه في الواقع حال دون ظهور اللون الأصفر", وبهذه الطريقة لم يعد المراهق يصوغ عبارات بسيطة حول المعطيات فحسب "السائل 4ماء"، وإنما أصبح قادرًا على صياغة "عبارة حول العبارات", أو "قضية حول القضايا"، "مثال ذلك عبارة أن السائل 4 ماء, تتضمَّنَ منطقيًّا أنه لا يمنع ظهور اللون
لأصفر", وهذا نوعٌ من التضمين المنطقي يدل على ما يسميه بياجيه "التفكير بين القضايا", وتعليمات من الدرجة الثانية كما سبقت الإشارة؛ فعبارة السائل 4 لا يمنع اللون الأصفر من الظهور, لا تدرك في عالم الواقع, وبالتالي تتناول بوضوح "الممكن" و"الحقيقي", وهكذا فإن من خصائص التفكير الفرضي الاستنباطي أنه يتطَلَّبُ من المراهق أن يستدل من حقائق الواقع "الأمبريقي" على المحتمل أو الممكن، ثم العودة إلى الحقيقة الأمبريقة, وهذا النمط من التفكير هو أساسٌ آخر للتفكير العلمي, ويمكن وصفه بالبدء في صياغة فروض من نوع "إذا.... إذن ... ", ويتألف الجزء بعد حرف الشرط "إذا" من فكرة نظرية "أو احتمال"، أما الجزء بعد كلمة "إذن" فيدل على ما يتوقعه المرء من نتيجةٍ إذا كانت الفكرة صحيحة, ويتضمن التفكير الفرضيّ أيضًا القدرة على الوصول إلى الخاصية المشتركة أو المحورية بين مجموعة من الأشياء أو الأحداث التي تبدو غير مرتبطة لتؤلف فئة أو تظرية جديدة, فإذا كان التصنيف أو المبدأ أو القانون صحيحًا, إذن "بالاستدلال الاستنباطي" يمكن التنبؤ بأن أشياء أو أحداث أخرى يمكن أن تنتسب إلى هذه الفئة, أو ينطبق عليها المبدأ. وهذا هو أساس بناء القانون في العلم, بل يفيد التفكير الفرضي في بناء الفرد لفلسفته في الحياة وقيمه وأهدافه.
وجميع سمات التفكير الصوري تجعله أداةً جيدةً للاستدلال العلمي, فقد أظهرت بروتوكولات المراهقين أنهم قادرون على الوصول إلى الحل الصحيح بطريقةٍ قد تُعَدُّ من قبيل الاكتشاف العلمي؛ فالاستدلال الفرضي الاستنباطي، والطريقة الترابطية، وغيرهما من خصائص التفكير الصوري, تزود المراهقين بالأدوات اللازمة لتمييز المتغيرات التي تُعَدُّ سببية، وتثبيت أحد العوامل لتحديد الأثر السببي لعامل آخر، وهكذا, والمراهق يستطيع أن يتخيل التحويلات المختلفة التي تسمح بها البيانات حتى يمكن اختبارها تجريبيًّا، كما يستطيع إعطاء تفسير منطقي صحيح لنتائج هذه الاختبارات التجريبية؛ فمثلًا إذا حدث أنه حصل على اللون الأصفر من المزيج "1 × 3 × ج" دون غيره، فإنه يستطيع أن يستنتج أن "1 × 3 × ج" هو السبب الضروري والكافي، أي أن "1 × 2 × 3 × ج" قد ينتج هذا اللون, إلّا أن "2" ليس ضروريًّا, وبهذا يعرف المفحوص أن المشكلة قد حلت.
وهكذا نجد المراهق حين يعمل بأقصى قدرته العقلية فإنه يستخدم هذا النوع من الأسلوب العلمي. إنه لا يندمج ببساطة في التجربة، كما أن تفكيره ليس مقيدًا بالنتائج المباشرة القابلة للملاحظة, إنه يبدأ أولًا بتأمل جميع الاحتمالات "أو الفروض" حول: ما الذي يساعد على سرعة البندول؟ أو كيف نحضر سائلًا ذا لونٍ أصفر؟ وبهذا يكون قادرًا على تخيُّل أن هناك عاملًا أو مجموعة من العوامل تحدث النتيجة، ويستطيع أن يستنبط ما يمكن أن يحدث إذا اختبر بعض هذه الحالات "أو الفروض", وعلى هذا فإنه حتى قبل أن يبدأ التجربة يكون قادرًا على وضع خطة أو تصميمٍ لاختبار كل احتمال بديلٍ بطريقةٍ منظمةٍ.
وهذا التطور المعرفي الذي يجعل المراهق يفكر "ذهنيًّا" في المشكلة, دون أن يؤدي بالفعل جميع الخطوات, يمكن أن يلاحظ في جميع مظاهر الحياة اليومية للمراهق, ويصاحب ذلك كله نمو مفهوم الزمن وزيادة القدرة على إدراك المستقبل ووضع أهداف طويلة المدى, فعلى عكس الطفل الذي ينشغل بما هو حاضر الآن, وماثل في المكان, لا يستطيع المراهق أن يدرك الحالة الراهنة المباشرة التي عليها الأشياء فحسب، وإنما يمكنه أن يدرك أيضًا ما يمكن أن تتضمنه وتفترضه. إنه يستطيع عندئذ أن يدرك الفرق بين الواقع والممكن, ولعل هذا يفسر لنا نقد المراهقين لبعض جوانب الواقع الاجتماعي, وانشغالهم ببدائل لما هو واقع. وهذا مثال على القدرة النامية لدى المراهق على استخدام التفكير المؤسس على العلميات الصورية أو الشكلية, إلّا أن هذا قد لا يتجاوز حدود الانشغال في "لعبة الأفكار", ولعل هذا ما دعا بعض الباحثين إلى وصف الاهتمامات المعرفية للمراهقين بأنها لا تتجاوز "الأقوال إلى الأفعال" "Mussen et al 1984".
وبالإضافة إلى ذلك, فإن المراهق يكون أكثر وعيًا بالتمييز بين مجرد إدراك الأشياء واختزانها في الذاكرة, والمراهقون أكثر قدرةً على استخدام استراتيجيات أكثر تطورًا كمعينات للذاكرة, بالإضافة إلى أن منظور "زمن المستقبل" لديهم أكثر اتساعًا منه عند الأطفال.
ويشير جون فلافل إلى خاصيةٍ عامةٍ في تفكير المراهقين, وهي ما يسميه "الإحساس باللعبة", أي: وعي المراهق بأن كثيرًا من جوانب الحياة يتطلب توقع الاستراتيجيات وصياغتها وتنميتها حتى يمكنه التعامل مع المشكلات، سواء كانت هذه المشكلات تتصل بالسلوك الشخصي أو السلوك الاجتماعي.
والتغيرات العقلية والمعرفية في هذه المرحلة تلعب دورًا هامًّا في معاونة المراهق على التفاعل مع المطالب التربوية والمهنية المعقدة, فمن المستحيل على طالب المرحلة الإعدادية "أو المرحلة الثانية من التعليم الأساسي" أن يتقن المواد الأكاديمية التي يدرسها دون أن يتوافر لديه مستوى رفيع من التفكير المجرد، أو القدرة على التفكير باستخدام صيغ لفظية ورمزية لا ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالأشياء
العيانية الملموسة في عالم الواقع "من أمثلة ذلك الرياضيات واللغة".
وتعتمد جوانب أخرى كثيرة من نموِّ المراهق على التقدُّم المعرفي الذي يحرزه في هذه المرحلة؛ فالتغير في علاقات المراهق بوالديه، وفي سمات الشخصية، وفي التخطيط للمستقبل التعليمي والمهني، وفي زيادة الاهتمام بالمسائل الاجتماعية والسياسية والدينية والشخصية، بل وفي نمو الشعور بالهوية الشخصية، كلها تتأثر بالتغيرات العقلية والمعرفية في هذه المرحلة.
وانشغال المراهق بالتفكير في ذاته, وخاصة أفكار المراهق عن نفسه, من خصائص مرحلة العمليات الصورية. فمن المعتاد أن نلاحظ على المراهق تحولًا إلى التأمل الذاتي "الاستبطان", ولهذا يبدو على التفكير والسلوك في هذه المرحلة طابع التمركز حول الذات, ولا يعني هذا الوصف أن تفكير المراهقين هو عودة إلى التفكير الطفولي في مراحله المبكرة, فالفرق الجوهري هنا: أن تمركز المراهق حَوْلَ ذاته يتضمن فحص أفكاره ومشاعره وسمات شخصيته ومظهره الجسمي, ويؤدي به ذلك إلى زيادة الشعور بالذات، وهو شعور قوي في حَدِّ ذاته.
والشعور بالذات لدى المراهقين ليس غرضًا في ذاته؛ فالفتى الذي يقف أمام المرآة يتأمل عضلاته، أو الفتاة التي تقف أمام المرآة أيضًا تغيِّرُ في تسريحة شعرها, قد يتضمن ذلك الرغبة في جذب انتباه أقرانهم في زيارة أو حفلة, إلّا أن من المآسي البسيطة في حياة المراهقين أنهم حين يلتقون يكون كلٌّ منهم منشغلًًا بنفسه أكثر من انشغاله بالمراهقين الآخرين, على الرغم مما بذله كلٌّ منهم لجذب انتباه الأقران إليه.
وانصراف المراهق إلى المسائل العقلية قد يستخدمه كحيلةٍ نفسيةٍ للتعامل مع مشاعر القلق التي يعانيها, ويتمثَّل ذلك في اهتمام المراهق بالمسائل المجردة الفلسفية غير الشخصية, والتي يهتم بها اهتمامًا شخصيًّا مباشرًا, ومن ذلك مسائل الدين والحرية والمسئولية وطبيعة الصداقة, وتفيد هذه الممارسات العقلية -إلى جانب دورها في خفض قلق المراهقين- في تدريبهم على التفكير المجرد, وصَوْغِ الفروض واختبارها, وبصفة عامة فإن "العقلانية" -كحيلة دفاعية- تُسْتَخْدَمُ عادةً من قِبَلِ المراهق الذكيّ المثقف من أبناء المستويات الاقتصادية الاجتماعية المتوسطة, ويحتاج الميدان إلى بحوثٍ لمعرفة ما إذا كانت هذه الحيلة تشيع في الفئات الأخرى للمراهقين، ومعرفة محتوى "العقلانية" لديهم, وخاصة في بيئاتنا العربية والإسلامية, وعمومًا فإن النمو العقلي -كالنمو الجسمي- يسير في مرحلة المراهقة تدريجيًّا نحو الاستقرار الذي سوف نشهده عامةً مع الرشد.

descriptionالنمو العقلي المعرفي في مرحلة المراهقة Emptyرد: النمو العقلي المعرفي في مرحلة المراهقة

more_horiz
التحميل

المراهقون الوجه الاخر.pdf - 86 KB
المراهقون وتدخين السجائر في المجتمع المصري.pdf - 14.7 MB
ابناؤنا في مرحلة البلوغ ومابعدها.pdf - 982 KB
11491460001.pdf - 3.8 MB
المراهق.pdf - 1.8 MB
المراهقون المزعجون.pdf - 15.0 MB
مشكلات المراهقين في المدن والريف دراسة مقارنة.pdf - 14.7 MB

descriptionالنمو العقلي المعرفي في مرحلة المراهقة Emptyرد: النمو العقلي المعرفي في مرحلة المراهقة

more_horiz
مكتبة في علم نفس النمو

https://www.file-upload.com/users/AHMEDALIAHMED/127733/النمو
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد