يؤكد الأستاذ الدكتور أحمد عزت راجح الصلة بين النفس والجسم والتفاعل الوثيق بينهما بقوله: "الانفعالات هي حالات جسمية نفسية ثائرة، أي حالات شعورية خاصة تقترن باضطرابات فسيولوجية شعورية مختلفة تغشي الأجهزة الداخلية جميعاً، كما تقترن بحركات تعبيرية وإيماءات وسلوك خارجي ظاهر تنصرف عن طريقه "هذه الطاقة الحشوية" فإن أعيقت هذه الطاقة عن الانطلاق في سلوك خارجي مناسب بالقول أو بالفعل كأن امتنع عن الهروب في حالة الخوف أو الدفاع في حالة الغضب زاد تراكمها واشتدت وطأتها فتضخمت الاضطرابات والتوترات الحشوية، فإن دامت الأسباب المثيرة للانفعالات، واضطر الفرد إلي قمعها أو كبتها مالت هذه الاضطرابات إلي الأزمات بما قد يودي، آخر الأمر إلي أمراض جسمية خطيرة مزمنة كارتفاع ضغط الدم الخبيث أو الربو أو قرحة المعدة أو غير تلك الأمراض الجسمية نفسية المنشأ التي تعرف بالأمراض جسدية الشكل، وبعبارة آخري إذا لم تتمكن انفعالاتنا من التعبير الظاهر عن نفسها بصورة ملائمة تولت أجسامنا التعبير عنها بما تستهلكه من لحم ودم.
لقد دلت بحوث دقيقة عن فريق كبير من المصابين بضغط الدم الجوهري أي الذي لا ينشأ من الأسباب العضوية المعروفة علي أنهم يعانون من أزمات انفعالية عنيفة قوامها الحقد والعدوان، وأنهم لم يجدوا لهذا العدوان المكظوم مخرجاً أو متنفساً يخفف ما لديهم من توتر مزمن تخفيفا كافياً، وقد لوحظ أن أمثال هؤلاء المرضي تتحسن حالاتهم حين يتاح لهم التعبير عن دوافعهم العدوانية أثناء جلسات التحليل النفسي أو حين يتعلمون طرقاً أفضل لسياسة دوافعهم العدوانية في أعمالهم وفي بيوتهم، كما دلت الإحصاءات الحربية علي أن قرحة المعدة والأمعاء سببت للجيوش البريطانية خسائر فادحة خلال الحرب العالمية الثانية وجاء في التقرير عمن أصيبوا بها أنهم شخصيات عصابية ظاهرة تعرضوا لتوترات نفسية موصولة من جراء توقع العدوان عليهم دون أن تكون لديهم فرص للقتال. هذه الأمراض جسدية الشكل أمراض تتفشي في الحضارات المعقدة التي يشيع الصراع والاحتكاك الشديد بين الناس والتنافس القاتل والظروف الاقتصادية القلقة والبطالة والتحرش بغريزة الجنس إلي غير ذلك من الظروف التي تستنفر الفرد وتثير في نفسه العداوة والبغضاء والقلق والخوف، ولا تسمح له أن يعبر عن هذه الانفعالات تعبيراً صريحاً، ومما يؤيد هذا الرأي أنه أكثر شيوعاً في المجتمعات المعقدة منها في المجتمعات البسيطة وفي الحضر أكثر من الريف.
فقد ظهر من بحث حديث عن الاسكيمو (1951 ) أن نسبة شيوع هذه الأمراض بين من يأخذون بأساليب الحياة الشائعة في الحضارة الغربية وبين السكان الأصليين 1:5 كما لوحظ أنها بدأت تنتشر في البلاد الأخذة بأسباب التصنيع كالهند وغرب أفريقيا وفي جنوب أفريقيا حيث تقطن قبائل الزولو، فمرض السكري الذي لا يكاد يعرف لديهم ، بدأ يعرف طريقه إليهم بعد انتقالهم إلي المدن الصناعية بعشر سنوات. ومما يجدر ذكره ما لوحظ من أن هنالك فارقاً إحصائيا ذا دلالة بين ضغط الدم لدى زنوج أفريقيا وبينه لدى الزنوج الذين يعيشون في الولايات المتحدة. وقد تأكد أنه فارق يرجع إلي نوع الحضارة لا إلي السلالة، وقد سجلت الإحصاءات في الولايات المتحدة أن أمراض القلب بمختلف أنواعها ارتفعت نسبة الإصابة بها من 8% عام 1900 إلي 32.7% عام 1948م، أي بزيادة أكثر من 400%. كما دلت نفس الإحصاءات علي أن نسبة الوفيات بأمراض الشريان التاجي الذي يغذي القلب في انكلترا أقل منها في الولايات المتحدة لكنها تزداد بسرعة.
من الأمراض الجسمية النفسية المنشأ نذكر ضغط الدم الجوهري وقرحة المعدة وقرحة الأمعاء وطائفة من أمراض القلب علي رأسها أمراض الشريان التاجي والذبحة الصدرية والجلطة الدموية وبعض حالات الإمساك والإسهال المزمن والتهاب المفاصل الروماتيزمي وتضخم الغدة الدرقية وكثيراً من حالات الصداع النصفي والطفح الجلدي والبهاق والبول السكري وسلس البول العنيد واللمباجو وعرق النسا. إنها أمراض جسمية ترجع في المقام الأول إلي عوامل نفسية سببها مواقف انفعالية تثيرها ظروف اجتماعية، لذا فهي أمراض لا يجدي في شفائها العلاج الجسمي وحده في حين أنها تستجيب للعلاج النفسي إلي حد كبير