ستوى الوعي الصّحي وعلاقته بالرِّضا عن الحياة لدى عينة من
المُسنين في الأردن
جعفر العرجان*
الملخص
هدفت الدِّراسة التَّعرف إلى العلاقة بين مستوى الوعي الصّحي والرّضا عن الحياة، لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان/الأردن وتبعا لمتغير الجنس، حيث تكونت العينة من (3400) فرد، بعمر (≥60) سنة، بواقع (1845) فرد من الذّكور، و(1555) من الإناث، تم اختيارهم بالطريقة العشوائية من ضمن الأفراد المشاركين والمسجلين في مراكز اللياقة البدنية والصّحية في الفترة الزمنية الممتدة من (2012-2014)، استجابوا على مقياس الْوعي الصّحي ومقياس الرضا عن الحياة، أشارت النتائج إلى أن المستوى العام للوعي الصّحي جاء متوسطاً، لجميع أفراد عينة الدراسة، إلا أنه يتباين تبعًا لمتغير الجنس ولصالح الإناث، حيث بلغت نسبة السيدات اللواتي حصلنَّ على مستوى عالٍ (39.35٪) قياساً إلى ما نسبته (22.33٪) للذكور، كما تبين وجود فروق إحصائية دالة في مستوى الرضا عن الحياة ولصالح الذّكور، فيما كان المستوى العام للرضا عن الحياة متوسطا لجميع أفراد العينة، وإلى وجود علاقة ارتباطية طردية ذات دلالة إحصائية ما بين الْوعي الصّحي والرّضا عن الحياة وذلك لكل من الذّكور والإناث والمجموع الكلي للعينة، وفي ضوء نتائج الدراسة يوصي الباحث بضرورة إيجاد استراتيجية وطنية هادفة إلى زيادة فعاليات التوجيه والإرشاد والتوعية لكبار السّن خاصة فيما يتعلق بوعيهم الصّحي ونمط الحياة الصّحي خاصة الأفراد الذّكور، وبما يتناسب مع طبيعة المرحلة العمرية وخصائصها الصّحية والنفسية والاجتماعية، وإلى البحث في كافة العوامل والظروف المؤثرة على الرضا عن الحياة لدى كبار السّن، وإيجاد الآليات الإرشادية والتوعية اللازمة لرفع مستوى الرضا عن الحياة لديهم.
الكلمات المفتاحية: الوعي الصّحي، الرضا عن الحياة، المسنون.
*
أستاذ مشارك، جامعة البلقاء التطبيقية.
Abstract
This study aimed at investigating the relationship between health awareness and life satisfaction among senior Jordanian citizens reside in the capital city (Amman). 3400 health club participants (1845 males, 1555 females), (≥60 years old) were randomly selected for this study. Participants who were members of health clubs between 2012&2014 voluntarily answered a life satisfaction and a health awareness questioners. the results of this study indicated that the overall health awareness level were average for all participants. However, health awareness varied based on gender showing better knowledge among female participants (39.35%) compared to (22.23%). life satisfaction, on the other hand, was higher in male participants compared to females. It was also noticeable that the level of life satisfaction in general was near or below average in our sample. Our results indicated a significant positive correlation between health awareness and life satisfaction in both males and females of our sample. Based on our alarming data regarding health awareness even among physically active Jordanian elderly we recommend adopting a national strategy for health promotion and awareness. Healthy lifestyle and health awareness that take in consideration age and gender special needs may improve the quality of life and reduce the risk of age-related illness and injuries.
Keywords: health Awareness, life satisfaction, elderly.
المقدمة:
تعد شريحة المُسنين في المجتمع من الشرائح التي تحتاج إلى المزيد من الرعاية والاهتمام، نظرًا لخصوصية هذه المرحلة العمرية في حياة الإنسان، حيث أولت كافة الشرائع السماوية أهمية كبيرة لتلك الشريحة، وقد ظهر ذلك الأمر جليًا في الآية الكريمة (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)(الإسراء).
وتشير منظمة الصحة العالمية (WHO, 2012) إلى ارتفاع نسبة الأفراد المُسنين في العالم، وذلك يعود إلى ارتفاع مؤشرات الصحة العامة عالميَا، وإلى التحسن الهائل في أساليب الوقاية من الإصابة بالأمراض وعلاجها، إلا أنه على الرغم من الجانب الإيجابي في ذلك الأمر، فقد برزت مجموعة من التحديات الصّحية والاجتماعية والنفسية لوجــود ارتفاع في نسبة المُسنين في العالم، ومن تلك التحديات وجود ارتفاع في نسـب الأمـراض المزمنة (Chronic Diseases) خاصة لدى فئات المُسنين (Kunlin et al., 2015; Incalzi et al., 2014; Porapakkham et al., 2008).
إضافة إلى بعض المشكلات الاجتماعية والتي تتمثل في العزلة والوحدة الاجتماعية وانخفاض معدلات التشارك الاجتماعي(Lijun et al., 2014; Chen et al., 2014) وبعض المشكلات والضغوط النفسية التي تتمثل في ارتفاع مؤشر الخوف من الموت، وارتفاع مؤشرات الاكتئاب، وبروز الشخصية الانفعالية في نمط تعامل الأفراد المُسنين، نتيجة لشعورهم الداخلي بأن دورهم في الحياة أصبح هامشيًا وليس فاعلا في حياة الآخرين خاصة ما يتعلق بالأبناء
(Judith et al., 2001; Lyness et al., 1998) فالشيخوخة (Gerontology) عملية طبيعية ينتج عنها مجموعة من التغيرات الجسدية والوظيفية والنفسية، وهي أمر حتمي البلوغ وغير قابل للإيقاف أو التغيير، ولكننا نستطيع أن نحد من تأثير تلك التغيرات السّلبية والتي قد تساهم في تدني مستوى الرضا عن الحياة لدى الأفراد المُسنين (Reid et al., 2014; Clark et al., 2011; Callahan et al., 2007).
ودلت العديد من الدراسات التي أجريت على قطاع الأفراد المُسنين في الأردن، وجود ارتفاع في مؤشرات الإصابة بالبدانة والوزن الزائد بينهم، مما يضيف أعباء صحية ونفسية وحركية عليهم (Khasawneh et al., 2005; Dababneh et al.,2011; Zindah et al., 2008)، وأشارت بعض الدراسات، إلى أن النقص والانخفاض في القدرات الحركية والعضلية والجنسية، وحتى التغيرات التي تطرأ على الناحية النفسية تساهم مساهمة مباشرة في تدني مستوى الرضا عن الحياة لدى المُسنين (Wenru et al., 2014; Christian et al., 2007;Rebecca et al., 2002)، وبينت بعض الدراسات وجود ارتباط وثيق بين مستوى الرضا عن الحياة لدى المُسنين وما بين مجموعة من المتغيرات الاجتماعية والتي تتعلق بالمستوى التعليمي والمستوى الاقتصادي وطبيعة المهنة والوظيفة التي كان شغلها المسن قبل التقاعد عن العمل، والحالة الزواجية للفرد المُسن من خلال وجود (الزوج/الزوجة)(Wicke et al., 2014; Saeed et al., 2014; Colet et al., 2010; Thumboo et al., 2003; Gertrudis et al., 1999) والصّحية المتمثلة في مستوى الصحة العقلية والجسدية، والإصابة ببعض الأمراض المزمنة خاصة السكري وضغط الدم وهشاشة العظام وأمراض القلب والأوعية الدموية(Thiem et al., 2014;Shahmirzadi et al., 2012).
إضافة إلى وجود ارتباط وثيق ما بين مستوى السّلوكيات الصّحية التي يمارسها الفرد المُسن وزيادة مستوى الرضا عن الحياة، من خلال الابتعاد عن التّدخين (Lima et al., 2014)، والتّغذية الصّحية (Amarantos et al., 2001; Drewnowski & Editors,2001)، والتميز بالشّخصية الانبساطية غير الإنطوائية(Mauro & Murray, 2000) ، ويتبين من دراسات (Harada et al., 2015; Alison et al., 2015; Mura et al., 2014) وجود علاقة إيجابية بمدى الممارسة الرياضية التي كان يقوم بها الفرد قبل الوصول إلى سن الشيخوخة أو بعد الوصول إليها وما بين ارتفاع مستوى الرضا عن الحياة، فقد توصل كل من سو، ليي وشنجير (Su, Lee, & Shinger,2014) إلى أن مشاركة الأفراد المُسنين في الأنشطة الرياضية الترفيهية لها دور إيجابي في التأثير على الصّحة النَّفسية وعلى تحسين نوعية الحياة والرضا عنها.
وأجريت بعض الدراسات على البيئة العربية والتي تباينت أهدافها فمنها من قام بإيجاد العلاقة ما بين الرضا عن الحياة وبعض المتغيرات المتعلقة بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي لهم (العش، 2002؛ السعيد، 2002؛ سالم والصفتي، 2008؛ المالكي، 2011)، ومنها ما قام بإيجاد العلاقة مع بعض المتغيرات النَّفسية المتعلقة بالصّلابة النفسية والضّغوط النَّفسية التي تواجههم (تفاحه، 2009؛ علوان، 2007، السبيعي، 2007)، ففي دراسة أجراها العش (2002) بهدف التعرف على مستوى درجات الرضا عن الحياة لدى الفرد الأردني ولدى الفئة العمرية (40-60) سنة وتبعا لمتغير الجنس، أشارت النتائج إلى وجود قدر متوسط من الرضا عن الحياة لدى أفراد عينة الدراسة، ووجود فروق إحصائية تبعاً لمتغير الجنس في أبعاد العلاقات الحميمة والصداقة ولصالح الإناث وفي أبعاد المهنة ووسائل الاستجمام ولصالح الذّكور، وفي دراسة أجراها مبروك (2007)، بهدف التعرف على طبيعة متغير الرضا العام عن الحياة لدى عينة من المُسنين الذّكور المصريين، إضافة إلى تحديد المتغيرات المتنبئة به. وقد كشف التحليل العاملي عن وجود أربعة عوامل للرضا عن الحياة هي: الشّعور بالرضا، والشّعور بالأمن، والقناعة والانسجام. وكشف تحليل الانحدار المتعدد عن أول متنبئ بالرضا عن الحياة وهو تقدير المُسن لحالته الصّحية، حيث تنبأ بتباين قدرة (24.0٪) في الرضا عن الحياة، ثم كان لمتغير الانبساط كسمة من سمات الشّخصية الإسهام الثاني في الرضا عن الحياة (13٪)، وأخيرا جاء إسهام متغير درجة التدين بنسبة (7٪)، في حين أن متغيرات العمر، والمستوى التعليمي، وسمة العُصابية كان تأثيرها على التباين في الرضا عن الحياة ضئيلا، وفي دراسة أجراها علوان (2007) بهدف التعرف إلى العلاقة بين درجات مقياسي الرضا عن الحياة والوحدة النفسية لدى
عينة من النساء في غزة، أظهرت النتائج وجود علاقة سلبية بين درجات مقياس الرضا عن
الحياة والوحدة النفسية، ووجود علاقة موجبة بين مجالي التفكير الاجتماعي والشّعور بالإهمال.
وتوصل كل من كوليت، مايورجا ومادور (Colet, Mayorga & Amador,2010) من خلال دراسة هدفت إلى التَعرف على طبيعة الارتباط بين مستوى الرضا عن الحياة لدى المُسنين في البرازيل وبين مجموعة من المتغيرات الاجتماعية والصّحية، حيث أشارت النتائج إلى وجود علاقة طردية ما بين مستوى الرضا عن الحياة وما بين كل من المستوى التعليمي، ومستوى الصحة العقلية، وكفاءة الأعضاء البدنية في الحركة والتنقل، وتوصل كل من شاهيمازادي، دافويد، عزام، سافاري ومونافير(Shahmirzadi, Davoud, Azam, Safari & Monavvar,2012) إلى وجود علاقة ما بين الإصابة بالأمراض المزمنة لدى كبار السّن في ايران وما بين إنخفاض معدلات الشّعور بالرضا عن الحياة.
وتوصلت السبيعي (2007) إلى وجود علاقة ارتباطيه موجبة بين الشّعور بالسعادة وكل من الرضا عن الحياة والتفاؤل، وعدم وجود علاقة ارتباطية بين الشّعور بالسعادة ووجهة الضبط (locus of control) بشقيه الداخلي والخارجي، وتوصل إكيول، ديليك، دوجان، بيك وفرهان (Akyol, Dilek, Dogan, Bek & Ferhan,2010) إلى وجود علاقة عكسية ما بين مستوى الرضا عن الحياة لدى عينة من المُسنين في تركيا وكل من الإصابة بأحد الأمراض المزمنة، والمستوى التعليمي، والاكتئاب، وأظهرت دراسة لونج، مونيتا وتشانج (Leung, Moneta & Chang, 2005) على عينة من المُسنين في الصين، إلى أن الرضا عن الحياة يرتبط بمفهوم الذات والوضع الاقتصادي والوضع الصّحي، وتوصل كل من هادرا، شيباتا، اوكا وناكامورا (Harada, Shibata, Oka & Nakamura, 2015) إلى أن الرضا عن الحياة لدى عينة من المُسنين في اليابان يتأثر ايجابيًا بممارسة تمارين المقاومة بالأوزان.
ويُعرف السّلوك والوعي الصّحي بأنه إلمام الأفراد بالمعلومات الصّحية، وإحساسهم بالمسؤولية نحو صحتهم وصحة مجتمعهم المحيط بهم (Pandya & Bhatt,2014) حيث يتأثر الوعي الصّحي بمجموعة من العوامل المباشرة وغير المباشرة منها درجة ومستوى التعليم، والمستوى الاجتماعي الاقتصادي للفرد (Socio-economic status)، وطبيعة البيئة التي يعيش فيها (Moore & Littlecott ,2015; Christianson et al., 2014; Ramos et al., 2007)، فقد أجرى أبو أسعد والخاتنة (2014) دراسة هدفت التعرف على العلاقة بين مستوى التكامل النفسي لدى كبار السّن في الأردن ومستوى سلوكهم الصّحي وكفايتهم الذاتية، أشارت النتائج إلى أن مستوى التكامل النفسي والسّلوك الصّحي والكفاية الذاتية جاءت في المستويات المتوسطة، وإلى وجود علاقة ايجابية بين مستوى التكامل النفسي وكل من السّلوك الصّحي والكفاية الذاتية، وإلى أن السّلوك الصّحي يتباين تبعا لمتغير الجنس، حيث تميزت الإناث بارتفاع مستواهن الصّحي قياسًا إلى الذّكور، وأجرت عكروش (2000) دراسة هدفت للتعرف على المشكلات
التي تواجه كبار السّن في المجتمع الأردني، أشارت النتائج إلى أن أهم المشكلات التي تواجه المُسنين في الأردن تتمثل في انخفاض مستوى الدخل، وشعورهم بالوحدة والفرقة والاكتئاب، وانشغال أولادهم عنهم إضافة إلى وجود مستوى نفسي منخفض، وفي دراسة أخرى أجرتها عكروش (2005) هدفت إلى التّعرف على نظرة المجتمع الأردني نحو كبار السّن أشارت نتائج الدراسة أن أغلبية أفراد العينة من المجتمع الأردني كانت نظرتهم إلى المُسنين إيجابية، حيث أكد (74.0٪)، أن المُسنين يتمتعون بالحكمة، و(81.5٪)، أن المُسنين حذرون، و(66.5٪) أن للمسنين خصائص قيادية وإدارية، واستنتج كل من كريستانسون، مينغ، ابراهام، سكانلون، الكسندر، ميتلير وفنش (Christianson, Maeng, Abraham, Scanlon, Alexander, Mittler, & Finch, 2014) أن مستوى الوعي الصّحي لدى الأفراد المُسنين في أمريكا، جاء في المستوى المتوسط، ووجود ارتباط لمستوى الوعي الصّحي بكل من العمر، والعرق، ومستوى التعليم، وطبيعة الأمراض المزمنة التي يعاني منها المُسنين.
وأثارت العلاقة ما بين ممارسة النشاط البدني لدى كبار السّن وما بين زيادة في ممارسة السّلوكيات الصّحية الأخرى وارتفاع الوعي الصّحي بجوانبه المتعددة، اهتمام العديد من الباحثين، فقد توصل بيركي، كوبسيل، مودون، هوسكنز ولارسون(Berke, Koepsell, Moudon, Hoskins, & Larson, 2007) من خلال دراسة أجريت على عينة من الرّجال والنِساء المُسنين، بعمر أكبر من (65) سنة، أن ممارسة رياضة المشي من أجل الصّحة، قد رافقها تحسن كبير في مستوى الوعي الصّحي وممارسة السّلوكيات الصّحية الأخرى والتي تتمثل في الابتعاد عن التدخين، وتناول الغذاء الصّحي، والتقليل من الحياة الانفعالية اليومية، وتوصل منديز، كاجني، بينايس، بارنز، شكاريوبسكي، شكيير وايفينز (Mendes, Cagney, Bienias, Barnes, Skarupski, Scherr, & Evans, 2009) إلى أن ممارسة النشاط الرياضي داخل الأحياء السكنية، قد ساهمت في تحسين الأنماط السّلوكية الصّحية لدى عينة من كبار السّن في أمريكا، وبالتالي فإن هذه الدراسة الحالية تتميز عن الدراسات التي أجريت سابقا على موضوع المُسنين في أنها، درست متغيرين من الأهمية بمكان، لدى الأفراد المُسنين وهما: الرضا عن الحياة والوعي الصحي وعلاقتهما الارتباطية مع بعضهما البعض، وهذا لم يجده الباحث في بعض الدراسات الأردنية.
مشكلة الدراسة وأسئلتها:
تكمن مشكلة الدراسة في أنها تتطرق إلى موضوع لم يلق الكثير من الاهتمام من قبل
الباحثين في المجتمع الأردني، من خلال التعرف على مستوى الوعي الصّحي كجانب ذو أهمية كبيرة لدى شريحة المُسنين وعلاقته بمستوى الرضا عن الحياة لديهم، حيث تمحورت معظم الدراسات الأردنية والتي بحثت في مجال المُسنين وكبار السّن على موضوعات تباينت في أهدافها وتساؤلاتها، إلا أنها لم تتطرق لموضوع العلاقة تلك، كما أن فئة المُسنين هي أقل الفئات العمرية حظا في المجتمع حيث لم تحظى هذه الفئة بالاهتمام اللازم، من حيث البحث العلمي، ومحاولة إيجاد حلول لمشكلاتهم الصّحية والنفسية والاجتماعية، وفي ضوء المشكلة وضع الباحث الأهداف الآتية والتي تشكل الإطار العام للدراسة وهي:
1. التعرف إلى مستوى الوعي الصّحي لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان، وتبعا لمتغير الجنس.
2. التعرف إلى مستوى الرضا عن الحياة لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان، وتبعا لمتغير الجنس.
3. التعرف على العلاقة بين مستوى الوعي الصّحي والرضا عن الحياة، لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان.
وتبعاً لمشكلة الدراسة وأهدافها، وضع الباحث التساؤلات الآتية:
1. ما مستوى الوعي الصّحي لدى الأفراد المُسنين في مدينة عمان، وهل يتباين تبعا لمتغير الجنس؟.
2. ما مستوى الرضا عن الحياة لدى الأفراد المُسنين في مدينة عمان، وهل يتباين تبعا لمتغير الجنس؟.
3. ما هي طبيعة العلاقة بين مستوى الوعي الصّحي والرضا عن الحياة، لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان وتبعا بمتغير الجنس؟.
أهمية الدّراسة:
تظهر أهمية الدراسة في المجالات الآتية:
1. أهمية الفئة المستهدفة والتي تمثل شريحة ذات أهمية في المجتمع من خلال ما اكتسبته من خبرات تراكمية في الحياة، إضافة إلى ما قد تعانيه تلك الشريحة الاجتماعية من إشكاليات تكيفية نفسية وصحية واجتماعية سلبية.
2. الأهمية التطبيقية من خلال الإستفادة من نتائج هذه الدراسة في إمكانية بلورة استراتيجة وطنية هادفة لتقديم وسائل وطرق هادفة في مجلمها العام لزيادة مستوى الوعي الصّحي لدى المُسنين وكبار السّن وبما يؤدي إلى إمكانية رفع مستوى الرضا عن الحياة.
3. تعد دراسة الوعي الصّحي لدى هذه الفئة ذات جانب مهم من خلال ان هناك علاقة ما بين الوعي الصّحي والصحة العامة لهم، على إعتبار أن يتمتع الفرد بالوعي الصّحي يرافقه مجموعه من السّلوكيات الصّحية والتي يمكن أن تساهم مساهمة فعالة في التقليل من عوامل الخطر للإصابة بالعديد من الأمراض.
4. يمكن الاستفادة من نتائج هذه الدراسة في توفير المعلومات الخاصة بالسّلوك الصّحي وعلاقته بالرضا عن الحياة لدى المُسنين لمختلف القطاعات التي لها علاقة بالرعاية الصّحية والنفسية لهم، لا سيما وزارة الصحة، ووزارة التنمية الاجتماعية إضافة إلى العاملين في دور رعاية المُسنين.
مصطلحات الدّراسة وتعريفاتها الإجرائية:
الوعي الصّحي: يعرف الْوعي الصّحي على أنه قيام الأفراد بترجمة مجموعة الْمعارف والْمعلومات والْخبرات الصّحية والَّتي يحصلون عليها من مصادر مُختلفة إلى مجموعةٍ من الأنماط السّلوكية لتشكل في إطارها الْعام نَمطاً حياتياً صِحياً (العرجان، ذيب والكيلاني، 2013)، ويتمثل الوعي الصّحي إجرائيا في هذه الدراسة بأنة درجة استجابة أفراد عينة الدراسة من المُسنين على مقياس السّلوك الصّحي والذي يتكون من (35) فقرة بحيث تتكون الدرجة على ذلك المقياس من (35-105).
الرضا عن الحياة: يعرف بأنه حالة داخلية يشعر بها الفرد وتظهر في سلوكه واستجاباته
وتشير إلى ارتياحه وتقبله لجميع مظاهر الحياة من خلال تقبله لذاته ولأسرته وللآخرين وتقبله
للبيئة المدركة وتفاعله مع خبراتها بصورة متوافقة (Su et al., 2014)، ويعرف الباحث الرضا
عن الحياة إجرائياً بأنها مجموع الدرجات التي يحصل عليها أفراد عينة الدراسة على مقياس
الرضا عن الحياة بأبعاده المختلفة.
كبار السّن (المُسنين): كبير السن هو من تقدم به العمر حتى أصبح عجوزا، أو من يعتبر المجتمع أنه قد أقبل على عقوده الأخيرة. ويمكن اعتبار الأفراد كبار في السن بسبب بعض التغييرات التي تطرأ على أنشطتهم أو أدوارهم الاجتماعية، بينما وافقت معظم دول العالم المتقدم على أن يكون العمر الزمني 65 سنة هو بداية مرحلة "الكهولة" أو "المُسنين" (Stenholm et al., 2015)، فيما يعرف الباحث المُسنين إجرائياً بأنه الفرد الذي بلغ من العمر ستين سنة.
منهجية الدّراسة وإجراءاتها:
منهج الدّراسة:
اُستخدم المنهج الوصفي المسحي وذلك لمناسبته لطبيعة أهداف الدّراسة وأسئلتها.
مجتمع الدّراسة وعينتها:
تكون مجتمع الدراسة من الأفراد المُسنين ومن الجنسين في مدينة عمان، وتبعا لتقرير دائرة الإحصاءات العامة في المملكة الأردنية الهاشمية والصادر سنة (2013) بلغ عدد الأفراد المُسنين الأكبر من (60) سنة من الذّكور (173340) نسمة، فيما بلغ عدد الإناث المسنات الأكبر من (60) سنة (163895) نسمة، (دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، 2013)، فيما تكونت عينة الدراسة من (3400) فرداً، بواقع (1845) فرداً من الذّكور، و(1555) من الإناث، وبالتالي يشكلون ما نسبته (1.01٪) من مجموع الأفراد المُسنين الأكبر من (60) سنة في الأردن، أما من حيث طريقة اختيار العينة، فقد تم اختيارهم بالطريقة العشوائية من ضمن الأفراد المشاركين والمسجلين في مراكز اللياقة البدنية والصّحية على مدار ثلاث سنوات، بحيث تم الابتداء في جمع بيانات الدراسة في عام (2012) والانتهاء عام (2014)، حيث تم التعاون مع الأفراد المسؤولين عن تلك المراكز البدنية والصّحية ومن الجنسين لجمع بيانات الدراسة، قيست لأفراد العينة مجموعة من المتغيرات وهي (المتغيرات الجسمية) والتي تتمثل في: الوزن والطول داخل المراكز الصّحية الرياضية التي يشترك بها أفراد عينة الدراسة، وبالتعاون مع الأفراد المشرفين عليها، حيث تم قياس الوزن باستخدام ميزان طبي معاير لأقرب (1 كغم) وقيس الطول باستخدام مقياس الطول المدرج لأقرب (1 سم) ودون ارتداء الحذاء، وعن طريق قياس الوزن والطول تم حساب مؤشر كتلة الجسم باستخدام معادلة (الوزن "كغم"/الطول "م"2)، إضافة إلى جمع مجموعة من البيانات الديمغرافية والوصفية عن أفراد عينة الدراسة والتي تمثلت في (العمر، الحالة الزواجية، طبيعة العمل الحالي أو السابق والمستوى التعليمي، حالة التدخين ومدى تواجد الأمراض المزمنة). والجدول (1) يوضح المتغيرات الوصفية والديمغرافية لعينة الدراسة.
المُسنين في الأردن
جعفر العرجان*
الملخص
هدفت الدِّراسة التَّعرف إلى العلاقة بين مستوى الوعي الصّحي والرّضا عن الحياة، لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان/الأردن وتبعا لمتغير الجنس، حيث تكونت العينة من (3400) فرد، بعمر (≥60) سنة، بواقع (1845) فرد من الذّكور، و(1555) من الإناث، تم اختيارهم بالطريقة العشوائية من ضمن الأفراد المشاركين والمسجلين في مراكز اللياقة البدنية والصّحية في الفترة الزمنية الممتدة من (2012-2014)، استجابوا على مقياس الْوعي الصّحي ومقياس الرضا عن الحياة، أشارت النتائج إلى أن المستوى العام للوعي الصّحي جاء متوسطاً، لجميع أفراد عينة الدراسة، إلا أنه يتباين تبعًا لمتغير الجنس ولصالح الإناث، حيث بلغت نسبة السيدات اللواتي حصلنَّ على مستوى عالٍ (39.35٪) قياساً إلى ما نسبته (22.33٪) للذكور، كما تبين وجود فروق إحصائية دالة في مستوى الرضا عن الحياة ولصالح الذّكور، فيما كان المستوى العام للرضا عن الحياة متوسطا لجميع أفراد العينة، وإلى وجود علاقة ارتباطية طردية ذات دلالة إحصائية ما بين الْوعي الصّحي والرّضا عن الحياة وذلك لكل من الذّكور والإناث والمجموع الكلي للعينة، وفي ضوء نتائج الدراسة يوصي الباحث بضرورة إيجاد استراتيجية وطنية هادفة إلى زيادة فعاليات التوجيه والإرشاد والتوعية لكبار السّن خاصة فيما يتعلق بوعيهم الصّحي ونمط الحياة الصّحي خاصة الأفراد الذّكور، وبما يتناسب مع طبيعة المرحلة العمرية وخصائصها الصّحية والنفسية والاجتماعية، وإلى البحث في كافة العوامل والظروف المؤثرة على الرضا عن الحياة لدى كبار السّن، وإيجاد الآليات الإرشادية والتوعية اللازمة لرفع مستوى الرضا عن الحياة لديهم.
الكلمات المفتاحية: الوعي الصّحي، الرضا عن الحياة، المسنون.
*
أستاذ مشارك، جامعة البلقاء التطبيقية.
Abstract
This study aimed at investigating the relationship between health awareness and life satisfaction among senior Jordanian citizens reside in the capital city (Amman). 3400 health club participants (1845 males, 1555 females), (≥60 years old) were randomly selected for this study. Participants who were members of health clubs between 2012&2014 voluntarily answered a life satisfaction and a health awareness questioners. the results of this study indicated that the overall health awareness level were average for all participants. However, health awareness varied based on gender showing better knowledge among female participants (39.35%) compared to (22.23%). life satisfaction, on the other hand, was higher in male participants compared to females. It was also noticeable that the level of life satisfaction in general was near or below average in our sample. Our results indicated a significant positive correlation between health awareness and life satisfaction in both males and females of our sample. Based on our alarming data regarding health awareness even among physically active Jordanian elderly we recommend adopting a national strategy for health promotion and awareness. Healthy lifestyle and health awareness that take in consideration age and gender special needs may improve the quality of life and reduce the risk of age-related illness and injuries.
Keywords: health Awareness, life satisfaction, elderly.
المقدمة:
تعد شريحة المُسنين في المجتمع من الشرائح التي تحتاج إلى المزيد من الرعاية والاهتمام، نظرًا لخصوصية هذه المرحلة العمرية في حياة الإنسان، حيث أولت كافة الشرائع السماوية أهمية كبيرة لتلك الشريحة، وقد ظهر ذلك الأمر جليًا في الآية الكريمة (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)(الإسراء).
وتشير منظمة الصحة العالمية (WHO, 2012) إلى ارتفاع نسبة الأفراد المُسنين في العالم، وذلك يعود إلى ارتفاع مؤشرات الصحة العامة عالميَا، وإلى التحسن الهائل في أساليب الوقاية من الإصابة بالأمراض وعلاجها، إلا أنه على الرغم من الجانب الإيجابي في ذلك الأمر، فقد برزت مجموعة من التحديات الصّحية والاجتماعية والنفسية لوجــود ارتفاع في نسبة المُسنين في العالم، ومن تلك التحديات وجود ارتفاع في نسـب الأمـراض المزمنة (Chronic Diseases) خاصة لدى فئات المُسنين (Kunlin et al., 2015; Incalzi et al., 2014; Porapakkham et al., 2008).
إضافة إلى بعض المشكلات الاجتماعية والتي تتمثل في العزلة والوحدة الاجتماعية وانخفاض معدلات التشارك الاجتماعي(Lijun et al., 2014; Chen et al., 2014) وبعض المشكلات والضغوط النفسية التي تتمثل في ارتفاع مؤشر الخوف من الموت، وارتفاع مؤشرات الاكتئاب، وبروز الشخصية الانفعالية في نمط تعامل الأفراد المُسنين، نتيجة لشعورهم الداخلي بأن دورهم في الحياة أصبح هامشيًا وليس فاعلا في حياة الآخرين خاصة ما يتعلق بالأبناء
(Judith et al., 2001; Lyness et al., 1998) فالشيخوخة (Gerontology) عملية طبيعية ينتج عنها مجموعة من التغيرات الجسدية والوظيفية والنفسية، وهي أمر حتمي البلوغ وغير قابل للإيقاف أو التغيير، ولكننا نستطيع أن نحد من تأثير تلك التغيرات السّلبية والتي قد تساهم في تدني مستوى الرضا عن الحياة لدى الأفراد المُسنين (Reid et al., 2014; Clark et al., 2011; Callahan et al., 2007).
ودلت العديد من الدراسات التي أجريت على قطاع الأفراد المُسنين في الأردن، وجود ارتفاع في مؤشرات الإصابة بالبدانة والوزن الزائد بينهم، مما يضيف أعباء صحية ونفسية وحركية عليهم (Khasawneh et al., 2005; Dababneh et al.,2011; Zindah et al., 2008)، وأشارت بعض الدراسات، إلى أن النقص والانخفاض في القدرات الحركية والعضلية والجنسية، وحتى التغيرات التي تطرأ على الناحية النفسية تساهم مساهمة مباشرة في تدني مستوى الرضا عن الحياة لدى المُسنين (Wenru et al., 2014; Christian et al., 2007;Rebecca et al., 2002)، وبينت بعض الدراسات وجود ارتباط وثيق بين مستوى الرضا عن الحياة لدى المُسنين وما بين مجموعة من المتغيرات الاجتماعية والتي تتعلق بالمستوى التعليمي والمستوى الاقتصادي وطبيعة المهنة والوظيفة التي كان شغلها المسن قبل التقاعد عن العمل، والحالة الزواجية للفرد المُسن من خلال وجود (الزوج/الزوجة)(Wicke et al., 2014; Saeed et al., 2014; Colet et al., 2010; Thumboo et al., 2003; Gertrudis et al., 1999) والصّحية المتمثلة في مستوى الصحة العقلية والجسدية، والإصابة ببعض الأمراض المزمنة خاصة السكري وضغط الدم وهشاشة العظام وأمراض القلب والأوعية الدموية(Thiem et al., 2014;Shahmirzadi et al., 2012).
إضافة إلى وجود ارتباط وثيق ما بين مستوى السّلوكيات الصّحية التي يمارسها الفرد المُسن وزيادة مستوى الرضا عن الحياة، من خلال الابتعاد عن التّدخين (Lima et al., 2014)، والتّغذية الصّحية (Amarantos et al., 2001; Drewnowski & Editors,2001)، والتميز بالشّخصية الانبساطية غير الإنطوائية(Mauro & Murray, 2000) ، ويتبين من دراسات (Harada et al., 2015; Alison et al., 2015; Mura et al., 2014) وجود علاقة إيجابية بمدى الممارسة الرياضية التي كان يقوم بها الفرد قبل الوصول إلى سن الشيخوخة أو بعد الوصول إليها وما بين ارتفاع مستوى الرضا عن الحياة، فقد توصل كل من سو، ليي وشنجير (Su, Lee, & Shinger,2014) إلى أن مشاركة الأفراد المُسنين في الأنشطة الرياضية الترفيهية لها دور إيجابي في التأثير على الصّحة النَّفسية وعلى تحسين نوعية الحياة والرضا عنها.
وأجريت بعض الدراسات على البيئة العربية والتي تباينت أهدافها فمنها من قام بإيجاد العلاقة ما بين الرضا عن الحياة وبعض المتغيرات المتعلقة بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي لهم (العش، 2002؛ السعيد، 2002؛ سالم والصفتي، 2008؛ المالكي، 2011)، ومنها ما قام بإيجاد العلاقة مع بعض المتغيرات النَّفسية المتعلقة بالصّلابة النفسية والضّغوط النَّفسية التي تواجههم (تفاحه، 2009؛ علوان، 2007، السبيعي، 2007)، ففي دراسة أجراها العش (2002) بهدف التعرف على مستوى درجات الرضا عن الحياة لدى الفرد الأردني ولدى الفئة العمرية (40-60) سنة وتبعا لمتغير الجنس، أشارت النتائج إلى وجود قدر متوسط من الرضا عن الحياة لدى أفراد عينة الدراسة، ووجود فروق إحصائية تبعاً لمتغير الجنس في أبعاد العلاقات الحميمة والصداقة ولصالح الإناث وفي أبعاد المهنة ووسائل الاستجمام ولصالح الذّكور، وفي دراسة أجراها مبروك (2007)، بهدف التعرف على طبيعة متغير الرضا العام عن الحياة لدى عينة من المُسنين الذّكور المصريين، إضافة إلى تحديد المتغيرات المتنبئة به. وقد كشف التحليل العاملي عن وجود أربعة عوامل للرضا عن الحياة هي: الشّعور بالرضا، والشّعور بالأمن، والقناعة والانسجام. وكشف تحليل الانحدار المتعدد عن أول متنبئ بالرضا عن الحياة وهو تقدير المُسن لحالته الصّحية، حيث تنبأ بتباين قدرة (24.0٪) في الرضا عن الحياة، ثم كان لمتغير الانبساط كسمة من سمات الشّخصية الإسهام الثاني في الرضا عن الحياة (13٪)، وأخيرا جاء إسهام متغير درجة التدين بنسبة (7٪)، في حين أن متغيرات العمر، والمستوى التعليمي، وسمة العُصابية كان تأثيرها على التباين في الرضا عن الحياة ضئيلا، وفي دراسة أجراها علوان (2007) بهدف التعرف إلى العلاقة بين درجات مقياسي الرضا عن الحياة والوحدة النفسية لدى
عينة من النساء في غزة، أظهرت النتائج وجود علاقة سلبية بين درجات مقياس الرضا عن
الحياة والوحدة النفسية، ووجود علاقة موجبة بين مجالي التفكير الاجتماعي والشّعور بالإهمال.
وتوصل كل من كوليت، مايورجا ومادور (Colet, Mayorga & Amador,2010) من خلال دراسة هدفت إلى التَعرف على طبيعة الارتباط بين مستوى الرضا عن الحياة لدى المُسنين في البرازيل وبين مجموعة من المتغيرات الاجتماعية والصّحية، حيث أشارت النتائج إلى وجود علاقة طردية ما بين مستوى الرضا عن الحياة وما بين كل من المستوى التعليمي، ومستوى الصحة العقلية، وكفاءة الأعضاء البدنية في الحركة والتنقل، وتوصل كل من شاهيمازادي، دافويد، عزام، سافاري ومونافير(Shahmirzadi, Davoud, Azam, Safari & Monavvar,2012) إلى وجود علاقة ما بين الإصابة بالأمراض المزمنة لدى كبار السّن في ايران وما بين إنخفاض معدلات الشّعور بالرضا عن الحياة.
وتوصلت السبيعي (2007) إلى وجود علاقة ارتباطيه موجبة بين الشّعور بالسعادة وكل من الرضا عن الحياة والتفاؤل، وعدم وجود علاقة ارتباطية بين الشّعور بالسعادة ووجهة الضبط (locus of control) بشقيه الداخلي والخارجي، وتوصل إكيول، ديليك، دوجان، بيك وفرهان (Akyol, Dilek, Dogan, Bek & Ferhan,2010) إلى وجود علاقة عكسية ما بين مستوى الرضا عن الحياة لدى عينة من المُسنين في تركيا وكل من الإصابة بأحد الأمراض المزمنة، والمستوى التعليمي، والاكتئاب، وأظهرت دراسة لونج، مونيتا وتشانج (Leung, Moneta & Chang, 2005) على عينة من المُسنين في الصين، إلى أن الرضا عن الحياة يرتبط بمفهوم الذات والوضع الاقتصادي والوضع الصّحي، وتوصل كل من هادرا، شيباتا، اوكا وناكامورا (Harada, Shibata, Oka & Nakamura, 2015) إلى أن الرضا عن الحياة لدى عينة من المُسنين في اليابان يتأثر ايجابيًا بممارسة تمارين المقاومة بالأوزان.
ويُعرف السّلوك والوعي الصّحي بأنه إلمام الأفراد بالمعلومات الصّحية، وإحساسهم بالمسؤولية نحو صحتهم وصحة مجتمعهم المحيط بهم (Pandya & Bhatt,2014) حيث يتأثر الوعي الصّحي بمجموعة من العوامل المباشرة وغير المباشرة منها درجة ومستوى التعليم، والمستوى الاجتماعي الاقتصادي للفرد (Socio-economic status)، وطبيعة البيئة التي يعيش فيها (Moore & Littlecott ,2015; Christianson et al., 2014; Ramos et al., 2007)، فقد أجرى أبو أسعد والخاتنة (2014) دراسة هدفت التعرف على العلاقة بين مستوى التكامل النفسي لدى كبار السّن في الأردن ومستوى سلوكهم الصّحي وكفايتهم الذاتية، أشارت النتائج إلى أن مستوى التكامل النفسي والسّلوك الصّحي والكفاية الذاتية جاءت في المستويات المتوسطة، وإلى وجود علاقة ايجابية بين مستوى التكامل النفسي وكل من السّلوك الصّحي والكفاية الذاتية، وإلى أن السّلوك الصّحي يتباين تبعا لمتغير الجنس، حيث تميزت الإناث بارتفاع مستواهن الصّحي قياسًا إلى الذّكور، وأجرت عكروش (2000) دراسة هدفت للتعرف على المشكلات
التي تواجه كبار السّن في المجتمع الأردني، أشارت النتائج إلى أن أهم المشكلات التي تواجه المُسنين في الأردن تتمثل في انخفاض مستوى الدخل، وشعورهم بالوحدة والفرقة والاكتئاب، وانشغال أولادهم عنهم إضافة إلى وجود مستوى نفسي منخفض، وفي دراسة أخرى أجرتها عكروش (2005) هدفت إلى التّعرف على نظرة المجتمع الأردني نحو كبار السّن أشارت نتائج الدراسة أن أغلبية أفراد العينة من المجتمع الأردني كانت نظرتهم إلى المُسنين إيجابية، حيث أكد (74.0٪)، أن المُسنين يتمتعون بالحكمة، و(81.5٪)، أن المُسنين حذرون، و(66.5٪) أن للمسنين خصائص قيادية وإدارية، واستنتج كل من كريستانسون، مينغ، ابراهام، سكانلون، الكسندر، ميتلير وفنش (Christianson, Maeng, Abraham, Scanlon, Alexander, Mittler, & Finch, 2014) أن مستوى الوعي الصّحي لدى الأفراد المُسنين في أمريكا، جاء في المستوى المتوسط، ووجود ارتباط لمستوى الوعي الصّحي بكل من العمر، والعرق، ومستوى التعليم، وطبيعة الأمراض المزمنة التي يعاني منها المُسنين.
وأثارت العلاقة ما بين ممارسة النشاط البدني لدى كبار السّن وما بين زيادة في ممارسة السّلوكيات الصّحية الأخرى وارتفاع الوعي الصّحي بجوانبه المتعددة، اهتمام العديد من الباحثين، فقد توصل بيركي، كوبسيل، مودون، هوسكنز ولارسون(Berke, Koepsell, Moudon, Hoskins, & Larson, 2007) من خلال دراسة أجريت على عينة من الرّجال والنِساء المُسنين، بعمر أكبر من (65) سنة، أن ممارسة رياضة المشي من أجل الصّحة، قد رافقها تحسن كبير في مستوى الوعي الصّحي وممارسة السّلوكيات الصّحية الأخرى والتي تتمثل في الابتعاد عن التدخين، وتناول الغذاء الصّحي، والتقليل من الحياة الانفعالية اليومية، وتوصل منديز، كاجني، بينايس، بارنز، شكاريوبسكي، شكيير وايفينز (Mendes, Cagney, Bienias, Barnes, Skarupski, Scherr, & Evans, 2009) إلى أن ممارسة النشاط الرياضي داخل الأحياء السكنية، قد ساهمت في تحسين الأنماط السّلوكية الصّحية لدى عينة من كبار السّن في أمريكا، وبالتالي فإن هذه الدراسة الحالية تتميز عن الدراسات التي أجريت سابقا على موضوع المُسنين في أنها، درست متغيرين من الأهمية بمكان، لدى الأفراد المُسنين وهما: الرضا عن الحياة والوعي الصحي وعلاقتهما الارتباطية مع بعضهما البعض، وهذا لم يجده الباحث في بعض الدراسات الأردنية.
مشكلة الدراسة وأسئلتها:
تكمن مشكلة الدراسة في أنها تتطرق إلى موضوع لم يلق الكثير من الاهتمام من قبل
الباحثين في المجتمع الأردني، من خلال التعرف على مستوى الوعي الصّحي كجانب ذو أهمية كبيرة لدى شريحة المُسنين وعلاقته بمستوى الرضا عن الحياة لديهم، حيث تمحورت معظم الدراسات الأردنية والتي بحثت في مجال المُسنين وكبار السّن على موضوعات تباينت في أهدافها وتساؤلاتها، إلا أنها لم تتطرق لموضوع العلاقة تلك، كما أن فئة المُسنين هي أقل الفئات العمرية حظا في المجتمع حيث لم تحظى هذه الفئة بالاهتمام اللازم، من حيث البحث العلمي، ومحاولة إيجاد حلول لمشكلاتهم الصّحية والنفسية والاجتماعية، وفي ضوء المشكلة وضع الباحث الأهداف الآتية والتي تشكل الإطار العام للدراسة وهي:
1. التعرف إلى مستوى الوعي الصّحي لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان، وتبعا لمتغير الجنس.
2. التعرف إلى مستوى الرضا عن الحياة لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان، وتبعا لمتغير الجنس.
3. التعرف على العلاقة بين مستوى الوعي الصّحي والرضا عن الحياة، لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان.
وتبعاً لمشكلة الدراسة وأهدافها، وضع الباحث التساؤلات الآتية:
1. ما مستوى الوعي الصّحي لدى الأفراد المُسنين في مدينة عمان، وهل يتباين تبعا لمتغير الجنس؟.
2. ما مستوى الرضا عن الحياة لدى الأفراد المُسنين في مدينة عمان، وهل يتباين تبعا لمتغير الجنس؟.
3. ما هي طبيعة العلاقة بين مستوى الوعي الصّحي والرضا عن الحياة، لدى عينة من الأفراد المُسنين في مدينة عمان وتبعا بمتغير الجنس؟.
أهمية الدّراسة:
تظهر أهمية الدراسة في المجالات الآتية:
1. أهمية الفئة المستهدفة والتي تمثل شريحة ذات أهمية في المجتمع من خلال ما اكتسبته من خبرات تراكمية في الحياة، إضافة إلى ما قد تعانيه تلك الشريحة الاجتماعية من إشكاليات تكيفية نفسية وصحية واجتماعية سلبية.
2. الأهمية التطبيقية من خلال الإستفادة من نتائج هذه الدراسة في إمكانية بلورة استراتيجة وطنية هادفة لتقديم وسائل وطرق هادفة في مجلمها العام لزيادة مستوى الوعي الصّحي لدى المُسنين وكبار السّن وبما يؤدي إلى إمكانية رفع مستوى الرضا عن الحياة.
3. تعد دراسة الوعي الصّحي لدى هذه الفئة ذات جانب مهم من خلال ان هناك علاقة ما بين الوعي الصّحي والصحة العامة لهم، على إعتبار أن يتمتع الفرد بالوعي الصّحي يرافقه مجموعه من السّلوكيات الصّحية والتي يمكن أن تساهم مساهمة فعالة في التقليل من عوامل الخطر للإصابة بالعديد من الأمراض.
4. يمكن الاستفادة من نتائج هذه الدراسة في توفير المعلومات الخاصة بالسّلوك الصّحي وعلاقته بالرضا عن الحياة لدى المُسنين لمختلف القطاعات التي لها علاقة بالرعاية الصّحية والنفسية لهم، لا سيما وزارة الصحة، ووزارة التنمية الاجتماعية إضافة إلى العاملين في دور رعاية المُسنين.
مصطلحات الدّراسة وتعريفاتها الإجرائية:
الوعي الصّحي: يعرف الْوعي الصّحي على أنه قيام الأفراد بترجمة مجموعة الْمعارف والْمعلومات والْخبرات الصّحية والَّتي يحصلون عليها من مصادر مُختلفة إلى مجموعةٍ من الأنماط السّلوكية لتشكل في إطارها الْعام نَمطاً حياتياً صِحياً (العرجان، ذيب والكيلاني، 2013)، ويتمثل الوعي الصّحي إجرائيا في هذه الدراسة بأنة درجة استجابة أفراد عينة الدراسة من المُسنين على مقياس السّلوك الصّحي والذي يتكون من (35) فقرة بحيث تتكون الدرجة على ذلك المقياس من (35-105).
الرضا عن الحياة: يعرف بأنه حالة داخلية يشعر بها الفرد وتظهر في سلوكه واستجاباته
وتشير إلى ارتياحه وتقبله لجميع مظاهر الحياة من خلال تقبله لذاته ولأسرته وللآخرين وتقبله
للبيئة المدركة وتفاعله مع خبراتها بصورة متوافقة (Su et al., 2014)، ويعرف الباحث الرضا
عن الحياة إجرائياً بأنها مجموع الدرجات التي يحصل عليها أفراد عينة الدراسة على مقياس
الرضا عن الحياة بأبعاده المختلفة.
كبار السّن (المُسنين): كبير السن هو من تقدم به العمر حتى أصبح عجوزا، أو من يعتبر المجتمع أنه قد أقبل على عقوده الأخيرة. ويمكن اعتبار الأفراد كبار في السن بسبب بعض التغييرات التي تطرأ على أنشطتهم أو أدوارهم الاجتماعية، بينما وافقت معظم دول العالم المتقدم على أن يكون العمر الزمني 65 سنة هو بداية مرحلة "الكهولة" أو "المُسنين" (Stenholm et al., 2015)، فيما يعرف الباحث المُسنين إجرائياً بأنه الفرد الذي بلغ من العمر ستين سنة.
منهجية الدّراسة وإجراءاتها:
منهج الدّراسة:
اُستخدم المنهج الوصفي المسحي وذلك لمناسبته لطبيعة أهداف الدّراسة وأسئلتها.
مجتمع الدّراسة وعينتها:
تكون مجتمع الدراسة من الأفراد المُسنين ومن الجنسين في مدينة عمان، وتبعا لتقرير دائرة الإحصاءات العامة في المملكة الأردنية الهاشمية والصادر سنة (2013) بلغ عدد الأفراد المُسنين الأكبر من (60) سنة من الذّكور (173340) نسمة، فيما بلغ عدد الإناث المسنات الأكبر من (60) سنة (163895) نسمة، (دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، 2013)، فيما تكونت عينة الدراسة من (3400) فرداً، بواقع (1845) فرداً من الذّكور، و(1555) من الإناث، وبالتالي يشكلون ما نسبته (1.01٪) من مجموع الأفراد المُسنين الأكبر من (60) سنة في الأردن، أما من حيث طريقة اختيار العينة، فقد تم اختيارهم بالطريقة العشوائية من ضمن الأفراد المشاركين والمسجلين في مراكز اللياقة البدنية والصّحية على مدار ثلاث سنوات، بحيث تم الابتداء في جمع بيانات الدراسة في عام (2012) والانتهاء عام (2014)، حيث تم التعاون مع الأفراد المسؤولين عن تلك المراكز البدنية والصّحية ومن الجنسين لجمع بيانات الدراسة، قيست لأفراد العينة مجموعة من المتغيرات وهي (المتغيرات الجسمية) والتي تتمثل في: الوزن والطول داخل المراكز الصّحية الرياضية التي يشترك بها أفراد عينة الدراسة، وبالتعاون مع الأفراد المشرفين عليها، حيث تم قياس الوزن باستخدام ميزان طبي معاير لأقرب (1 كغم) وقيس الطول باستخدام مقياس الطول المدرج لأقرب (1 سم) ودون ارتداء الحذاء، وعن طريق قياس الوزن والطول تم حساب مؤشر كتلة الجسم باستخدام معادلة (الوزن "كغم"/الطول "م"2)، إضافة إلى جمع مجموعة من البيانات الديمغرافية والوصفية عن أفراد عينة الدراسة والتي تمثلت في (العمر، الحالة الزواجية، طبيعة العمل الحالي أو السابق والمستوى التعليمي، حالة التدخين ومدى تواجد الأمراض المزمنة). والجدول (1) يوضح المتغيرات الوصفية والديمغرافية لعينة الدراسة.