د/ أيت حمودة حكيمة
قسم علم النفس وعلوم التربية
جامعة الجزائر(الجزائر)
د/ فاضلي أحمد قسم علم النفس وعلوم التربية
جامعة البليدة(الجزائر)
أ.د/ مسيلي رشيد قسم علم النفس وعلوم التربية
جامعة الجزائر(الجزائر)

الإنسان ذلك المخلوق الذي لا يمكنه أن يعيش بمنأى أو معزل عن غيره من
البشر لأنه مفطور على الاجتماع مع غيره والاتصال بهم، وعلى تبادل المنفعة معهم
، فيشبع بذلك حاجاته ويسهم في إشباع حاجات الآخرين. ومن خلال هذا الاجتماع
تتبادل الأفكار والقيم والمشاعر ويقدر الآخرين ويتلقى منهم التقدير ويشاركهم
مشاعرهم...وهكذا. فالإمداد بالعلاقات الاجتماعية وتقديم السند يعتبران مصدرا هاما
من مصادر الأمن الذي يحتاجه الإنسان في عالمه الذي يعيش فيه، لذلك فهو يحتاج
إلى مدد وعون من خارجه. لذلك تعد البيئة الاجتماعية مجالا هاما لتوفير المساندة
والمؤازرة للفرد، نظرا لكونها تشمل مجموعة من المصادر يمكن للفرد أن يلجأ إليها
طلبا للمساعدة مثل الأسرة والأصدقاء والزملاء والأقارب والجيران وغيرهم من
أعضاء المجتمع الذين لهم أهمية خاصة في حياة الفرد. وقد اصطلح على تسمية
المساعدة والمؤازرة التي يحصل عليها الفرد من خلال علاقاته الاجتماعية بالمساند ة
الاجتماعية.
حديثا، حظي مفهوم المساندة الاجتماعية باهتمام كبير من طرف الباحثين،فقد
1994 ) نقلا عن فايد ( 2000 ) بأنها الإمكانيات الفعلية أو المدركة ) Lepore عرفها
للمصادر المتاحة في البيئة الاجتماعية للفرد التي يمكن استخدامها للمساعدة وخاصة
الاجتماعية في أوقات الضيق، ويتزود الفرد بالمساندة من خلال شبكة علاقاته
الاجتماعية التي تضم كل الأشخاص الذين لهم اتصال اجتماعي منتظم بشكل أو بآخر
وتضم شبكة العلاقات الاجتماعية في الغالب الأسرة، والأصدقاء وزملاء العمل.بينما
1986 ) في تلك المجموعة الفرعية من الأشخاص في الشبكة الكلية ) Thoits يحددها
للعلاقات الاجتماعية للفرد، والذين يعتمد عليهم للمساعدة الاجتماعية العاطفية والمادية
أوكليهما. وعليه تمثل المساندة الاجتماعية ذلك النظام الذي يتضمن مجموعة من
الروابط والتفاعلات الاجتماعية مع الآخرين، والتي يتلقاها الفرد من الجماعة الت ي
ينتمي إليها كالأسرة أو الأصدقاء أو الزملاء. فهناك اتفاق بين الباحثين على أن
المساندة الاجتماعية تأتي من مصادر مختلفة منها الأسرة ، الزوج أو الزوجة،
الأصدقاء، الزملاء في العمل، الطبيب والمنظمات الاجتماعية. وفي السياق نفسه،
1985 ) مصادر المساندة الاجتماعية في ثمانية مصادر هي الزوج ) Norbeck خص
أو الزوجة، الأسرة، الأقارب، الأصدقاء، الجيران، زملاء العمل أو الدراسة، موفرو
الرعاية الصحية، المرشد أو المعالج ورجال الدين.
ويبدو مما سبق أن المساندة الاجتماعية تعتبر مصدرا هاما من مصادر الدعم
النفسي الاجتماعي الفعال الذي يحتاجه الإنسان، حيث يؤثر حجم المساندة ومستوى
الرضا عنها في كيفية إدراك الفرد لأحداث الحياة وأساليب التعامل معها وانعكاساتهما
على صحته.
وقد توصلت نتائج العديد من الدراسات إلى أن المساندة الاجتماعية التي
يتلقاها الفرد من الآخرين سواء في الأسرة أو خارجها، تعد عاملا هاما في صحته
النفسية، ومن ثم يمكن التنبؤ بأنه في ظل غياب المساندة أو انخفاضها يمكن أن ينشط
الآثار السلبية للأحداث والمواقف السيئة التي يتعرض لها الفرد، بما يؤدي إلى اختلال
وآخرون ( 1991 ) نقلا عن Coyne الصحة النفسية لديه. وفي هذا السياق، يذهب
عثمان يخلف ( 2001 ) إلى أن المساندة الاجتماعية يمكن أن تخفض أو تستبعد عواقب
أحداث الحياة على الصحة.
ومن منظور سوسيولوجي، ينظر إلى المساندة الاجتماعية في ضوء عدد وقوة
علاقات الفرد بالآخرين في بيئته الاجتماعية، بمعنى درجة التوافق الاجتماعي للفرد
وحجم وتركيب الشبكة الاجتماعية مما قد ترفع من مستوى الصحة لدي ه. ويضيف
1990 ) نقلا عن عثمان يخلف ( 2001 ) إلى أن المساندة ) Russell و Cutrona
الاجتماعية وإتاحة علاقات اجتماعية مرضية تتميز بالحب، والود، والثقة تعمل
كحواجز ضد التأثير السلبي لأحداث الحياة على الصحة الجسمية والنفسية.
على غرار ما تقدم يتضح أن المساندة الاجتماعية والإمداد بالعلاقات
الاجتماعية تعد متغيرا هاما في الوقاية وتنمية الصحة بجوانبها الجسمية والنفسية،
حيث أثبتت دراسات علمية وطبية وبائية حديثة الفوائد الصحية للمساندة الاجتماعية
على صحة وسلامة العقل والجسم. وتشير أحدث التقارير الطبية في هذا الشأن إلى أن
الأشخاص الذين لا يقيمون علاقات اجتماعية طيبة مع الآخرين ولا يتلقون مساندة
اجتماعية هم عرضة أكثر من غيرهم للمشكلات الصحية، حيث يظهر دور الروابط
الاجتماعية والمساندة العاطفية في الحفاظ على الصحة والوقاية من المرض. وتفسير
1976 ) أن الروابط الاجتماعية والمساندة العاطفية تعمل على )" Cobb" ذلك حسب
تعميق التوافق النفسي والاجتماعي للأفراد وتنمي روح الانتماء لديهم، حيث يشعرون
بأنهم جزء من شبكة اجتماعية قوية ومتماسكة يمكن أن توفر لهم الحماية اللازمة عند
الحاجة، وأنهم كذلك موضع حب وعناية واحترام وتقدير من طرف الذين يحيطون
بهم.
1984 ) إلى ) Shumaker و Brownwell وفي السياق نفسه، أشار كل من
أن وظائف المساندة الاجتماعية تختلف حسب نوعيتها و مكانتها عند المتلقي أي كيفية
إدراكها ، لهذا يقسمها إلى قسمين رئيسين هما: وظائف مساندة الحفاظ على الصحة
الجسمية و النفسية و العقلية ووظائف تخفيف أو الوقاية من الآثار النفسية السلبية
لأحداث الحياة الضاغطة.
تعمل المساندة الاجتماعية على الحفاظ على الوحدة الكلية للصحة الجسمية و
النفسية و العقلية للوصول إلى تعزيز ودع م إحساس المتلقي بالراحة النفسية
والاطمئنان في حياته و الشعور بالسعادة، وذلك من خلال إشباع حاجات الانتما ء،
فالمساندة تنمي أنماط التفاعل الاجتماعي الايجابي من الأصدقاء و تزيل أي نوعية من
الخلافات يمكن أن تقع عليهم, وتنمي مشاعر المشاركة الفعالة و بالتالي يمكن أن تشبع
حاجات الانتماء مع البيئة المحيطة بالفرد. كما تعمل على المحافظة على الهوية الذاتية
و تقويتها من خلال الحفاظ على ذاتية الفرد و إحساسه بهويته الذاتية في إطار دعم
العلاقات الشخصية بالمحيطين به و من خلال تنمية مصادر التغذية الرجعية المرتبطة
بمظاهر الذات للوصول إلى اتفاق في الآراء ووجهات النظر. كما تعمل أيضا على
تقوية مفهوم احترام الذات من خلال تعزيز مفهوم احترام الذات لدى الفرد داخل
الجماعة التي ينتمي إليها, و تنمي إحساسه بالكفاءة الشخصية.
أما فيما يخص وظيفة المساندة في تخفيف أو الوقاية من الآثار النفسية التي
تتسبب فيها الأحداث الضاغطة فيتم ذلك من خلال التنمية الواقعية لدى الفرد على
مواجهتها بأساليب ايجابية. حيث يقوم الفرد بتفسير عوامل الأحداث الضاغطة و
تتدخل المساندة الاجتماعية في تعميق هذا التفسير.و تحسن مهمته بصورة ايجابية
حتى يستطيع أن يواجهها بتفاعلات ايجابية. كما تقوم المساندة بتوسيع عدد الخيارات
لموارد المواجهة،وتوفر استراتيجيات فعالة لمواجهة نموذجية انفعالية و سلوكية و
تقوم أيضا بتوفير المعلومات اللازمة لهذه المواجهة و الأساليب المختلفة لحل
المشكلات التي يعبر عنها.
من خلال ما سبق نرى أن وظائف المساندة تختلف حسب المواقف الحياتية
للفرد سواء كانت ضاغطة أو لا، وهي تعمل على المشاركة الفعالة مع الآخرين,
و تشكيل شبكات العلاقات و الاتصالات النوعية التي تساهم في تخفيف الضغوط و
الوقاية من الآثار السلبية لأحداث الحياة و كذلك للحفاظ على الصحة الجسمية و
النفسية و العقلية.
وهناك أدلة على أن المساندة الاجتماعية سواء في العمل أو المنزل أو
الصداقات يمكن أن تزودنا بعازل فعال ومخفف للصدمات ضد آثار الضغوط النفسية
و تساهم في التوافق النفسي الاجتماعي الفعال في البيئة المحيطة بالفر د. (هارون
توفيق الرشيدي، 1999 ) .ومن جهته يؤكد كل من أحرشاو والزاهر ( 2001 ) أن
البطالة حدث حياتي ضاغط له انعكاس سلبي مباشر على الحياة النفسية والاجتماعية
للشخص، ويرجع ذلك أساسا إلى أهمية ومكانة العمل الذي يضمن للفرد الاستقرار
النفسي والاندماج الاجتماعي، ويجعل منه عنصرا ايجابيا وفعالا في المجتمع، وبهذا
يصل الفرد إلى تحقيق ذاته والانتقال من حالة الإنسان التواكلي والتابع إلى حالة
الإنسان المسئول والمستقل والمساهم في بناء مجتمعه وتنميته، وحرمانه من العمل
يؤدي إلى اختلال استقراره النفسي والاجتماعي. ولهذا اهتدى محمد عبد الله بكر
2004 ) إلى أن أهمية العمل تكمن في تحقيق الاكتفاء المادي والمكانة الاجتماعية، )
فهو يساهم بدرجة كبيرة في الحفاظ على التوازن والاستقرار النفسي للفرد من خلال
تنظيم وجدولة وقته واستغلاله في تحقيق أهداف ومقاصد عامة وممارسة أنشطة تجنب
الفرد التأثير السلبي لوقت الفراغ الذي يخلق حالة من اللامبالاة عند الفرد ويعمق من
شعوره بعدم جدوى وجوده ومدى فائدته في الحياة. وعليه فإن حالة البطالة تؤثر سلبا